لم يعرف الأدب العربي الحديث كتابا يتحدث مؤلفه عن نفسه قبل كتاب الدكتور طه حسين الايام بأجزائه الثلاثة الصادر سنة 1939م، حيث رصد فيه مؤلفه سيرة حياته في أسلوب أدبي جميل سهل لم يسبق اليه، وكتاب الايام كتاب سيرة ذاتية وليس رواية فنية بالمعنى الروائي، وان من السهل على الانسان ان يكتب قصته على شكل حكائي ولكن ليس من السهل عليه صياغة رواية بكل ما في الكلمة من معنى بيد اننا في دراسة كهذه نهدف من ورائها الى وضع تصور واضح يزيل الوهم الذي خيم فترة طويلة من الزمن في اذهان الكثير من الدارسين شبه المتخصصين فضلا عن القراء والطلبة الذين يتلقون هذه الدراسات في الجامعات والكليات الادبية والمهنية لأسباب قد يكون على رأسها شدة التشابه بين الرواية والسيرة الذاتية ، بل ان بعض الروايات ما هي الا سيرة ذاتية وإذا كنا نعقد العزم على دراسة هذا اللون الادبي، وتدريسه لطلابنا، وهو لون متصدر للاداب الحديثة شعرا ونثرا في هذه الفترة من الزمن فلابد ان نبدأ الدراسة من السيرة نفسها لاستجلاء ملامحها قبل الدخول في مناقشة الفروق الفنية والشكلية بينهما.
ولاغرابة اذا اشكل الامر على المتلقي من الناحيتين الشكلية والفنية فالمعروف عالميا التشابه بين الاسر العلمية والادبية في بداية ظهورها، فالعلوم البحتة ظهرت في بداياتها كتلة واحدة وكأنها على بعضها علم واحد ليس له فروع، مما يستدعي وجودها عل الصعيد العلمي البنائي، اضافة الى تفرعاتها المنطقية، على اننا لن نتوسع في مناقشة هذه العلوم حتى لا نبتعد عن هدف هذه الدراسة ولأن السيرة بفرعيها (الذاتي وغير الذاتي) فرع اساسي من فروع السرديات الحديثة فقد ظهرت في بدايتها كتلة واحدة مثلما ظهرت العلوم البحتة كما ذكرنا من قبل.
وكانت النقليات الاشكالية في بداياتها معقدة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي يصعب فصلها نظرا للعلاقة الوثيقة بين الضميرين (الغائب والمتكلم).