Sunday 27th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 13 ربيع الاول


المتاهة

تهب الريح الرمادية على القرية الغارقة في السكون, هيكل الليل واللحظات يدلهم وجيتارة الخطر تصلب على عمود صلد يقع امام ستار العصافير السوداء التي طفقت تنشر سحابة المساء, في ذلك المساء الوحيد كنت اتكئ على جذع الرمانة الشامخة بقصرها واسمارها الغضية.
اجتز تفاصيل القرية، المح قلوباً مثبتة كالامتداد الذي يترامى نحو الافق، اسمع من احدى النواحي المتشابهة في عقلي نواقيس تقرع والاشرعة وهي تنثني مع ريح الهواء الرماني, ابحث عن عزيمة جديدة بان اسخط على فلان الفلاني وحكمة اقوال المشراق.
العبث هو العبث مهما حاولت ان ابدل سحنته، والعتبة الصغيرة الطينية الواقعة تحت الدرج اتضح لجميع المتزلقين انها تحتوي انتفاخاً طينياً فقط, ذاك الشيء الذي احكي عنه بدأ يدب في الظلام وذلك عالمه الوحيد الذي يقرأ فيه مزاميره وتقرع فيه أجراسه ويقترب مني يمد الجسور في البدء، وجمدني للحظات اتذكر خلالها الصمدية وسورة الفاتحة قاطعاً عليه كل محاولاته يتمتم:
- لا تقف امام الرمانة طويلاً.
- لماذا؟
- هي ثابتة وانت متحول.
متحول ,, متحول الى ماذا ياسيد الوقت وغرة احاديث الانام,؟ متحول ,, تحول متكلس موغل في ازمنة التراب ورائحة الروامس.
يقول الحكيم بعد ان سحب رجلي بعصاه.
- ياولدي هم الرجال والجبال هم
- الم تسمع قول الشلاشي:
ياجبال انت خلقت الرجال
ياجبال هذي علومك ولا علوم الرجال
- لا تصدق ياولدي ابداً فالانسان خارج كل ذلك.
رفع عصاه من الطريق امتغط لي طوله سمعت تهشم عشرة اصوات عظيمة من عموده الفقري نفض بقايا الغبار الهارب من العش.
ورمقني بنظرة بعيدة غائرة وكأنه يخترق ابواب الزمان ثم قال:
- بلد ما فيها جبال يا ولدي ما فيها رجال.
كان القرار يتمحور داخل عقلي يأخذ كل المدى الذي تسلكه رياح العبث, واوهام الشباب، ان تكون شجاعاً فقط ذلك هو الحل النهائي لجميع ازماتك.
ستقذف بعلب الاسبرين المتحجر من النافذة ستحطم كل الفراغات التي تنشأ من انسحابك من مواقع الجهد, سيحل النور عبر النافذة المحطمة وتهرب الطيور القابعة فوق غصن الرمان وتتركك وحيداً مع صاحبة العظمة - القوة سيدتي اليك ذلك الابن القادم من المدينة والقرية والرئة المحطمة بانفاس الفراغ, بدأ الحوار يتخذ انماطاً عديدة مع الجودة:
- اول حاجة يا ولدي.
- نعم كلي آذان صاغية.
- تصيد ذئباً وتذبحه.
- حاجة ثانية.
- نعم (غصصت بريقي).
- تأكل اهم شيء فيه.
- اليس هناك حاجة اسهل يا حكيم؟
- اعلم رحمك الله ان الانسان حيوان ناطق, ليس هناك خلاف بين أساطين الفلاسفة, وفي عمره الطفولي عندما يحبو على الارض فانه يشبه السلحفاة وعندما يتدرج بالعمر يصبح رجلاً كاملا فانه يشبه الذئب في قوته وعنفوانه وانا اخترت لك العمر والحيوان الذي يجسد ذلك العمر والباقي عليك فاختر لنفسك والسلام,.
هبط المساء على الكون ولاحت النجوم البعيدة متناثرة على الافق الصغير احسست بالبرودة تسري في عظامي, التفت الى يد رفيقي البدوي وهو يضغط على كتفي ليبعث في اعماقي الثقة والدفء, تزاولت خيالات المدينة امامي واصوات المقاهي المضيئة لكن بحركة يدي على الزناد مع صاحبة القوة عدت مرة اخرى.
- هذا نجم سهيل.
- وذاك الثريا.
- والدب الاكبر هناك, ما اجمله.
ومضى صديقي يعدد النجوم ومنازلها وجهاتها, وذكرني باحاديث الصحراء وكيف اهتدى الاقوام الى منازلهم عبر النجوم, هناك في الصحراء اذا لم تملك القوة الكاملة والحس الفطري بالحياة فإنك ستنمحي وتخترق عظامك الروامس وذرات الرمال التي تقتات على كل شيء.
- ها هي الذئاب.
ويشير صديقي الى كتل سوداء تلوح من بعيد على التل, نقترب منها واحس بتلك التحولات التي حدثني عنها العجوز اتحسس الزناد وكمية الطلقات الوفيرة التي ستنطلق نحو الهدف وها هي تراود مصيرها, نصوب انا وصديقي المخزون على الذئاب.
ويقترب القمر من الجثث.
- هل هي الذئاب يا صديقي.
- نعم بلحمها وشحمها (إن كان فيها شحم)
- تقدم الأن وخذ القلب (يخاطبني)
- اي قلب ايها الصديق؟ آه ياللمتاهة ثلاثة ذئاب وثلاثة قلوب.
* (المتاهة) احدى قصص المجموعة والتي تحمل نفس الاسم (ط1) 1992 - (ط2) 1998م.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
تحقيق
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved