Sunday 27th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 13 ربيع الاول


في الريادة النقدية 2-2
الدكتور محمد الشامخ ناقداً
د, محمد صالح الشنطي

** وقد رصد الشامخ بدقة الموضع الادبي رصداً تقويميا متحدثا عن انصار القديم منتصراً للمعتدلين الذين نادوا بضرورة التجديد نافذاً إلى جوهر الرؤية النقدية لهم كما فعل حينما عرض للمقالات التي كتبها حسين سرحان وحمد الجاسر، إذ أشار إلى ان الشاعر ركز على حقيقة الأصالة الأدبية التي لم تكن وقفا على جديد الادب او قديمه، وأومأ إلى ان هذه الاصالة عرفها عباقرة الادب في الماضي والحاضر وان من الضرورة بمكان التركيز على الحياة والطبيعة واستلهامهما في الابداع، وأشار إلى ان منهج السرحان اتسم بالشمول والموضوعية فبحث عن عناصر الجمال الفني ومقومات الابداع فأنصف أدبنا القديم ولم ينتقص منه كما فعل العواد، ولكنه يحاول ان يلتمس العذر للعواد بوصف مقالته الشهيرة عن البلاغة العربية بأنها ردة فعل لمواقف المتصلبين، وكان تنويريا هادئا، ومن هؤلاء المعتدلين الذين اشار إليهم الدكتور الشامخ حمد الجاسر الذي كان منفتحا على الادب الحديث ولكن دون تعصب ضد القديم، وحاول ان يبحث عن القيم الاصيلة مركزاً على أهمية الصدق.
** وعمد الشامخ إلى مقاربة قضية التأثر والتأثير في نقده فأشار إلى مقالة أحمد السباعي هات رفشك واتبعني وأومأ إلى تأثر السباعي بجبران خليل جبران كما رأى عبدالله عبدالجبار، إذ أشار الدكتور الشامخ إلى مقالة جبران حفّار القبور كما تحدث عن تأثر السباعي بميخائيل نعيمة في قصيدته أخي ولكنه ينصف السباعي فيقول: ان فكرة المقالة معروفة متداولة فليس هناك ما يدعو إلى القول بأن السباعي أخذ الفكرة من جبران أو نعيمة، ولكن ربما أثرا في شكل مقالة السباعي وأسلوبها، ولكنه عالج الموضوع بطريقة مستقلة وطوّع الفكرة لموضوع محلي ص128 ومضى في مقارنته بين هؤلاء ومضى إلى ما هو أعمق من المقارنة السحطية فأشار إلى ان جبران ونعيمة تأثرا بأسلوب الانجيل، أما السباعي فقد تأثر بالقرآن الكريم، ويخلص في أحكامه النقدية من خلال الاستقراء للنماذج الخاصة إلى ما هو عام فيتحدث عن ظاهرة التأثر بالادب المهجري مشيرا إلى ان الروح المهجرية في معالجة القضايا الادبية والاجتماعية قد سيطرت على عدد غير قليل من الكتّاب في هذه الحقبة، ومع هذا لم يكن تأثيرها شاملا مستشهدا بمقالة لأحمد خليفة النبهاني، كما قرر ان الحركة الادبية في البلاد كانت اكثر طموحا من ان تظل مجرد انعكاس للتيارات الادبية التجديدية في الادب العربي بل كان ثمة تيار اصيل جاهد اصحابه في التعبير عن انفسهم بطريقتهم الخاصة.
** وإذا كان أهم ما اتسم به منهج الشامخ في معالجته لأدب المقالة تركيزه على المضامين ومناقشتها وبيان ملامح التأثر والتأثير فيها وما اتسمت به من عمق او سطحية والتركيز على طاقتها التنويرية كذلك استشراف الملامح الاسلوبية اللغوية والبلاغية وما استثمره الكاتب من طاقات صياغية فإنه لم يغفل مسألة التكنيك اي الرؤية الكلية للبناء في المقالة من حيث كونها ثلاثية التكوين يفضي بعضها إلى بعض في ترابط واحكام، وان لم يتوقف كثيرا عند هذه المسألة، بل لا نجد إلا بعض الملاحظات القليلة من مثل اشارته إلى الخاتمة في مقالة عبدالقدوس الانصاري بين مدافع المقاومة وطائرات الانقضاض حيث وصف تلك الخاتمة القصيدة بأنها مقحمة وتعتبر اخلالا بالمهارة الفنية التي توفرت في المقالة لأنها جعلت من المقالة لغزاً، كما اشار إلى ان الانصاري وفق في استخدام اهم عنصر من عناصر المقالة الذاتية المرحة فأسهم في تأصيل المقالة الذاتية في الادب المحلي.
وليس من شك في ان ملاحظاته الاسلوبية بشكل عام كانت تتخذ طابعا شموليا كحديثه عن الاسلوب الشعري ونغمة الحديث العادي، والقدرة على اخفاء الصنعة الفنية في مقالة حسين سرحان.
وقد خلص إلى وضع يده على اهم ملامح التطور بروح الناقد والمؤرخ إذ كان يعلل ويستنتج ويفسر، ولم يلق الاحكام جزافاً، فإذا كانت المقالة في المرحلة الاولى مبتدئة مقلدة متسمة بالنقد الهجومي فإنها قد بعثت الحياة في التقاليد الادبية الراكدة كما يقول.
** وهو يؤرخ لهذا الشكل الادبي إذ يتحدث عن المقالة الصحفية من عام 1916 حتى عام 1924 مشيرا إلى انه لم يزدهر من ادب هذه الفترة المضطربة سوى فن المقالة الذي سيطر على اعمدة الصحف الهاشمية فكان سياسيا حماسيا، وكان اقرب إلى اسلوب الخطبة التقليدية، ويحلل البنية الفنية للمقالة متحدثا عن المقدمة المسجوعة ذات الطابع الخطابي وعن المحسنات الاسلوبية، والمبالغات في التصوير والتعبيرات الشعرية الرنانة، والاطناب والتكرار، وقرر ان الكتّاب اعتمدوا على استخدام سحر الكلمة وتأثيرها الزخرفي اللفظي، وعلى استثمار التوازن الموسيقي بين العبارات والجمل، وهو لا يكتفي بذكر الخصائص الجزئية بل يحرص على ان يسجل ملاحظته عن ملاءمة الاسلوب الحماسي للموضوع الجدلي الجاد، رابطا بين الرؤية والتشكيل مستدعيا إلى الاذهان ظاهرة التناص مع القرآن الكريم, ومن الواضح ان الناقد حريص على الربط بين الظاهرة الادبية والظاهرة التاريخية فقد اهتم بالمهاد التاريخي وركز على الاغراض الدعائية للمقالة في تلك المرحلة، وعلى دور القيمة الفنية لبعض النصوص المغالية في تخليصها من الارتباط بالمناسبة العارضة، إذ تحولت بفضل هذه القيمة الجمالية الى جزء من التراث الادبي، فقد غاصت الى جوهر النفس الانسانية وعرض للمقالة الادبية في تلك الفترة موضحا دور فؤاد الخطيب كمقالي عرض للمفاهيم الادبية التقليدية عرضا شيقا، ولكنه ظل في اطار المنافشة النقدية لقضية اللفظ والمعنى في حدود المعالجة التقليدية في تراثنا النقدي متجاهلا النظريات الادبية الحديثة، مشير إلى ما اتصفت به تلك المعالجة من جزم وتعميم والاحادية ويتغلغل الناقد في النصوص التي يحللها مشيرا إلى العبارات المألوفة والاستعارات المكررة لدى بعض كتّاب المقالة في تلك الفترة مثل محمد الفتة.
** وعندما عرض لدور محمد حسن عواد الريادي في مجال المقالة النقدية بخاصة، وصف احكامه النقدية بالغموض والتعميم ونكران القيم التي تحفل بها الآثار الادبية العريقة، ووصفها بالضعف غير انه لم ينكر عليه دوره الريادي على اطلاقه إذ يرى ان اسلوبه بدا أكثر جودة عندما انصرف إلى الجدل وتوجيه النقد اللاذع فقد حاول ان تأتي احكامه النقدية في صورة اقوال محكمة تشبه النثر الشعري، وان يصوغها في اسطر او فقرات قصيرة تبدأ بلوازم قولية مكررة، ووصف خصائصه الاسلوبية بأنها تتفوق في قيمتها على ما أبداه الكاتب من آراء وأحكام نقدية، وأشار إلى ان انتاجه الادبي والنقدي اصبح بعد ذلك اكثر اصالة وعمقا، وهذا ينم عن حيادية نقدية وموضوعية علمية اتسم بها الشامخ, وعمد إلى الاسلوب الوصفي التحليلي لمقالات العواد، مستقرئا للاحكام النقدية والسمات الاسلوبية في كل مقالة على حدة راصداً منهجه في إصدار الاحكام على ما درسه من القصائد، منتقداً منحاه في توجيه السباب لأصحابها لمجرد انها يغلب عليها عنصر التقليد، فوصف نقده بأنه يتسم بالمغالاة والتحدي وانه لم يسلم مما عاب به خصومه من تعصب وضيق أفق.
ورصد الشامخ آثار اسلوب النقد التهكمي اللاذع الذي اتصف به ميخائيل نعيمة في نقد العواد، وقرن نزعته التجديدية إلى روح المتجددين المتحمسين من كتّاب مصر والمهجر.
ويحاول الدكتور الشامخ ان يصل إلى خصوصية المعركة بين المجددين والمقلدين التي امتازت بصمت المقلدين فيذكر أن المقلدين كان معظمهم من العلماء الذين لم يولوا الأدب اهمية كبيرة، ثم لأن المعركة ما لبثت ان اشتجرت بين المجددين انفسهم بل ان العبارات اللاذعة القاسية التي كان يستخدمها العواد في هجومه على المقلدين واجه بها زملاءه من المجددين كما حدث في معركة مرهم التناسي بين العواد والانصاري.
ويعمد الناقد إلى الظواهر العامة ذات البعد التاريخي في الخصومات النقدية آنذاك حيث يختلط البعد الشخصي بالبعد الموضوعي, وفي مقابل ما تميزت به مقالات العواد من نبرة هجومية لجوج هناك صوت آخر يحاول الشامخ ان يعدل به كفة الميزان فيما يتعلق بالمقالة النقدية, ويستمر في رصده لظواهر الحركة التي مثلتها تلك المقالة وما انطوت عليه من خصومات ومعارك فيعرج على دور علامة الجزيرة حمد الجاسر، وما نهض به من معالجات اتصلت بالقضايا الكبرى الخاصة بتاريخ الادب العربي، ووصف منهجه بالنظرة الموضوعية المتزنة الى التراث، وتجاوز ذلك إلى رصد موقف عدد من كتاب المقالة وتتبع معاركهم حول قضايا فلسفية كتعريف جوهر الجمال فقد دار حوار بين عبدالله عريف وحمزة شحاته، ووضح منهج كل منهما في الرد على الآخر، ومن الملاحظ ان الناقد وجه كل اهتمامه إلى استقصاء الملامح الاسلوبية الخاصة بكل كاتب، ولم يقف عند حدود النقد الادبي، بل تتبع ما كتب في النقد الاجتماعي، ووقف عند النصوص يحللها ويغوص إلى خباياها، فكانت دراساته النقدية نصوصية الطابع لذا نجده يقف على مقالات بعينها يراها متفردة ذات قيمة خاصة، كما فعل حين حلل مقالة حسين سرحان حول صلة الادب بالحياة، ومقالته الذاتية الطائف في ذكرياتي .
** وقد استفاد محمد العوين في بحثه عن المقالة في الادب السعودي من منهج الشامخ وطريقته واستكمل ما بدأه في كتابه عن هذا الفن، فكان كتاب الدكتور الشامخ من المراجع المهمة التي استثمرها بوعي وبصيرة.
** أما الجزء الخاص بالقصة في كتابه فيحتاج إلى وقفة اطول وحسبه انه رصد المحاولات الاولى، ومن اهم ملاحظاته النقدية ما أشار إليه من ان بعض الكتاب لم يكونوا شاعرين بما بين القصة القصيرة والرواية من فروق فنية، لذا افتقدت معظم القصص القصيرة التي أنتجت في هذه الفترة ما تقتضيه أسس القصة القصيرة من الاقتصار على فكرة واحدة كما يقول، وأحسبه يشير إلى وحدة الانطباع أو الاثر، كما يشير إلى مسألة التركيز على شخصية أو موقف قصصي واحد, وفي ضوء هذا الإدراك العميق لجماليات القصة القصيرة درس اعمال العامودي وخصوصا قصة رامز وقصة محمد علي مغربي ملابسه المسروقة وقصة دموع العيد لمحمد أمين يحيى وغيرها من القصص التي حللها كاشفا عن عناصرها الفنية مسجلا ملاحظاته عليها خصوصا فيما يتعلق بالوحدة الفنية، كما درس قصة الاديب الاخير لأحمد رضا حوحو، ولعلي عائد إلى هذا الجزء مرة اخرى في محاولة لكشف مكامن الريادة في نقدات الشامخ لهذه المحاولات الاولى إن شاء الله.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
تحقيق
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved