تقوم بعض الحيوانات بتحديد مناطق نفوذها (حدودها) بشكل يبين للحيوانات الاخرى ان هي دخلت تلك الحدود بالخطأ او بقصد فالكلاب تحدد حدودها بالبول على مناطق معينة يتحدد بموجبها تلك الحدود,, وبالطبع فإن عوامل الصراع قد تؤدي الى ترك الحيوانات لمناطقها والانتقال لمناطق اخرى تبدأ فيها عملية تشكيل حدود جديدة، فالحدود بهذا المفهوم تتشكل ويعاد تشكيلها وفقا لظروف البقاء والتكيف من أجل البقاء.
وفي المجال النفسي فإن للحدود تأثيرها في التباين العرقي بين الناس، فسكان المناطق الباردة يختلفون في تراكيبهم الجسمية عن سكان المناطق الحارة ولا يتوقف الامر عند هذا الحد، بل يتعداه الى التأثير في السلوك، فسلوكيات الشعوب تتباين، جغرافيا وفق الحدود التطبيقية والسياسية, وحتى الثقافات الاجتماعية متباينة وفق الحدود مما ينعكس على تكوين الشخصية الانسانية ليس وفق حدودها النفسية والاسرية بل والدولية.
وفي مجال العلاقات الانسانية والتفاعلات بين الافراد فإن الحدود مرتبطة بالمجال النفسي للفرد، فلكل فرد مجاله النفسي الذي يتحدد بالزمان والمكان في كل لحظة زمنية، فإذا ما انتقل في تفاعلات جديدة مع افراد جدد تشكل هذا المكال وفقا للزمان والمكان واعيد تشكيله وفقا لكل حالة تفاعل جديدة ,, والمسافات بين الافراد الاجتماعية والفيزيقية تمثل نوعا من الحدود المشكلة ثقافيا واجتماعيا والتي يعاد تشكيلها دائما فالمسافة الفيزيقية المقبولة اجتماعيا بين فردين اثناء الحديث متفق عليها اجتماعيا وكل فرد يحاول المحافظة على تلك المسافة.
وبين الدول تتحدد الحدود وفقا لمعايير متنوعة منها الطبيعية، والسياسية والتاريخية والعرقية، إلا انه حتى وفق هذه المعايير فإن الحدود تتشكل ويعاد تشكيلهةا وفقا للمتغيرات الطبيعية والتاريخية والسياسية، فالحروب والصراعات والاتفاقيات ما هي الا مثال لمثل هذا التشكيل وإعادة التشكيل، وعلى مستوى التاريخ الحديث فإن تفكك الاتحاد السوفيتي وتوحد ألمانيا مثال على تشكيل وإعادة تشكيل الحدود.
وفي هذا العصر، بدأ يتغير معنى الحدود الدولية التقليدي، فيمكنك تحديد الحدود الطبيعية والبحرية (ولو ان هناك خلافات حول تحديدها) إلا ان الصعوبة تكمن في تحديد المجال الجوي للدولة، وحتى لو تم تحديد ذلك (نظريا) فكيف تتحكم الدولة في ذلك المجال؟ فالاقمار الصناعية والبث الفضائي والصواريخ العابرة للقارات وعمليات التجسس - قد غيرت مفهوم الحدود التقليدي, وفي عصر المعلومات حيث يرتبط جهاز حاسب في بلد ما بشبكة حواسيب في العالم، وقد يرتكب شخص ما جريمة في بلد يبعد عنه كثيرا,, ان مفهوم الحدود بمعنى التلاصق الفيزيقي لم يعد المعنى السائد للحدود، لقد أخذت الحدود مفهوم الحدود عن بعد فيها لأنه من الناحية النظرية فإن هناك تداخلا في الحدود من خلال الفضاء ومن ثم فإن حركة الارض وثبات الاقمار الصناعية على سبيل المثال يجعل من العملية أكثر تعقيدا.
ان هلامية الحدود في العصر الحالي واتصال المجتمعات والدول عبر الفضاء جعل كل دولة مجاورة للدولة الاخرى طالما ان هناك قناة اتصال تربط بينهما، فلم يعد مفهوم الحدود (بمعنى التلاصق) وانما اصبح يعني ليشمل (التباعد) والحدود التخيلية، فالفضاء يربط الجميع ومن ثم يمكنهم الوصول لبعض عبر هذه الواسطة.
وفي المجال القانوني، فإن اقليمية القانون لم تعد هي الاساس في النظام العدلي بل اصبحت عولمة القانون والاستناد الى القانون الدولي اكثر ظهورا وبروزا في هذه الايام، واذا كانت الجريمة تعني خرق القانون ضمن حدود معينة للقانون عليها سيادة، فإن العصر الحالي وبهلامية حدوده لا يمكن الاخذ بمبدأ اقليمية القانون (بالمعنى التقليدي) وإذا عدت الدول جميعها متصلة فضائيا والكترونيا فإن عولمة القانون هي الاساس.
*عميد مركز الدراسات والبحوث
د, ذياب البداينة