Wednesday 23rd June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 9 ربيع الاول


كيت لبكاء الشيخ

يقرأ الانسان كثيراً، يقرأ في الكتب، وفي الصحف، ويقرأ قبل ذلك القرآن الكريم والحديث الشريف ويقرأ الشعر والنثر، ويقرأ الخطبة والرسالة، ولكن كم مرة تهزه القراءة، ويقشعر جلده لما يقرأ؟ كم مرة يرتجف قلبه خوفاً او حزناً او شوقاً وفرحاً فيخرج ذلك الشعور لآلئ براقه من عينيه فتغسل خده؟
ان مثل هذه القراءات لاشك انها قليلة، وهي قليلة معي بالذات واعد نفسي قارئاً ليس مقلاً, وهذه احدى اللحظات التي هزتني فيها القراءة وشعرت بالقشعريرة تسري في كل ذرة من جسدي، وطفرت دمعة حرى من عيني انها لحظة قراءة ما كتبه الاستاذ الاديب زياد الدريس عن الشيخ المعلم الاديب علي الطنطاوي وذلك في عدد الجزيرة 9737 من يوم الخميس 12 صفر 1420ه, لقد كنت معه لحظة تفكيره بالكتابة الى امتطائه الطائرة في رحلة الى العصر الاموي الى مجالسته للشيخ وتبادلهما المشاعر الاسلامية الاصيلة في الالتقاء بين مسلمين اديبين راحل مودع او كاد وآخر يواجه الحياة بكل ما اوتيه من قوة نفسية, ثم مشاعر الشيخ نحو خادمته.
نعم,, بكيت لما كتبه الاخ زياد لان قلمه صور الموقف والمشاعر باحساس الاديب المرهف الصادق، وربما بكيت لاني احمل للشيخ من المحبة والود ما لااقدر على وصفه، فهو استاذي اقرأ له منذ كنت في المرحلة المتوسطة، فكم قرأت صور وخواطر وضحكت ملء فمي ، وسررت ملء جنبيّ، وقرأت له هتاف المجد فشعرت كأني اعلو فوق السحاب عزاً وكرامة واباءً ونخوة، وقرأت له: صور من التاريخ، فملأ الماضي حاضري وفاض الى مستقبلي, اما احاديثه الاذاعية والتلفازية: فان عفويته وموسوعيته نسيج وحده لا يشبه فيهما احداً ولا يشبهه احد, انه من بقية العباقرة المبدعين, بكيت عند ما حدث بقصة المرأة التي ظلمها زوجها، فخرج الشيخ من بيته بشعور غريب يدفعه دفعاً من مائدة الافطار في رمضان لا يدري ما هو السبب فما ان مشى قليلاً اذا به امام امرأة متلفعة بجلبابها الاسود تبكي وتدعو فيسألها الشيخ عن امرها, ويدرك عند ذلك ان الله سبحانه اخرجه من بيته لينصفها فقال لها: اشكي زوجك الى القاضي غداً! فقالت ومن اين لي ان اصل الى القاضي، فاعطاها عنوانه قائلاً: هذا عنواني فاذا حضرت وجدت القاضي وكان الشيخ آنذاك يعمل قاضياً في المحكمة الشرعية بدمشق.
وبكيت لبكائه وهو يتحدث عن زميله في دار العلوم في القاهرة سيد قطب رحمه الله، ومادار بينهما من معارك ادبية في خصومة العقاد والرافعي، ثم قال: ولكن الله سبحانه اختاره بعد ذلك لامر آخر واكرمه,, وانحبس صوت الشيخ متهدجاً فاخرج منديله يمسح عينيه.
ومثلما للشيخ كلمات مؤثرة تثير الحزن والشفقة، او توقظ العزة والكرامة له مواقف وعبارات تمتع الانسان ايما متعة,, متعة بريئة,, فرح ونشوة عامرة فيها البداهة الحاضرة، واللمحة الذكية، والجواب السديد والفكرة الخاطفة، ان مثله ومثل الآخرين كمثل تسمية ابن الجوزي واحمد امين لكتابيهما, فالشيخ صيد الخاطر، والآخرون فيض الخاطر, بل هو يجمعها سواء، هو فيض من صيد الخاطر.
رحم الله الشيخ وختم لنا بالايمان.
شمس الدين درمش

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
تغطيات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved