تحدث منذ سنوات عديدة عمليات القرصنة البرية على الشاحنات والحاويات وهي أحيانا تكون قرصنة مسلحة، اي بالهجوم والاستيلاء على الشاحنة أو الحاوية بما تحمل من البضاعة او نهب البضاعة فقط, وقد تكون قرصنة غير مسلحة بسرقة الشاحنة او الحاوية او البضاعة اثناء توقف الشاحنة بسبب حاجة السائق للراحة، او توقفها في مكان غير آمن, ونحن نرى ان النوعين يعدان جرائم قرصنة، ونخالف من يطلق على هذه العمليات مسمى الفن التجاري الدولي فالمسمى الأخير جائز في حالة شحن بضاعة رديئة او ناقصة او لا تصلح، او شحن حجارة او قمامة بدلا من البضاعة وهو أمر يحدث أحيانا.
اما سرقة الشاحنة او الحاوية او البضاعة بمغافلة السائق او أثناء التوقف في مكان غير آمن فهو عمل جنائي يختلف عن الفن، ويجب ان ينظر إليه نظرة جدية، واللصوص عدوانيون ولا يترددون في استعمال السلاح اذا ضبطوا وهم يسرقون الشاحنة او البضاعة فضلا عن ان عصابات الجريمة المنظمة هي التي تقوم بهذا النشاط الجنائي لذلك كله فلا يجوز اطلاق مسمى الفن التجاري الدولي على هذه العمليات بل هي قرصنة برية غير مسلحة .
عرض مدى انتشار القرصنة البرية
دلت التقارير الدولية على ان عمليات القرصنة البرية انتشرت في كثير من أنحاء العالم انتشارا خطرا، وقد تبين ان الخسائر الناجمة عنها في الولايات المتحدة الامريكية وحدها وصلت الى حوالي 6 ملايين جنيه استرليني وان قيمة هذه الخسائر على مستوى العالم لا تقل عن 20 مليون جنيه استرليني, وهذه الأرقام لا تمثل سوى ما يبلغ عنها من الحوادث فقط، ولا يشمل مجموع الحوادث, وبذلك فإن الرقم الحقيقي للخسائر عالميا من المحقق انه مخيف, وقد تبين ان خسائر بريطانيا بالنسبة للشاحنات المسروقة التي لم يتم العثور عليها وضبطها قد بلغت 130 مليون جنيه استرليني ولا يدخل في هذه الخسائر اجور نقل الشحنات المسروقة ولا أقساط التأمين عليها، ولا نسبة ارتفاع هذه الأقساط نتيجة تزايد عدد هذه الجرائم.
وفي تقرير بريطاني صدر أخيرا تبين من استطلاع أجري لعينة من 700 شركة نقل تدير 22 ألف شاحنة: ان شركة واحدة من كل خمس شركات وقعت لها حادثة سرقة بضائع في السنة السابقة على الاستطلاع, (نشرة مكافحة الجريمة التجارية الدولية يناير 1999 مقال: اجراءات مطلوبة لمكافحة سرقة الشحنات البرية بقلم andy Holder ص 4), ومن عمليات القرصنة البرية، ما وقع في يوليو 1997، عندما كان يتم انزال 24 حاوية محملة بالنحاس في دبي حيث تم طمس أرقام حاويتين منها بشريط لاصق عليه أرقام مزورة وبيانات بتسليمهما محليا في دبي, وفي مانيفست الشحنة المزورة ذكر ان الحاويتين تحتويان على شموع وأخشاب بينما الحقيقة ان شحنتهما كانت من معدن النحاس غالي الثمن، وقد صدر أمر التسليم في فاكس مزور نسب الى وكيل السفينة في دار السلام بتنزانيا.
وفي عام 1995 أبلغ عن فقد ثماني حاويات محملة بالشاي والبن، كان المفروض ان يتم شحنها من دار السلام ولكن ظهرت الحاويات في الشارقة، كجزء من شحنة اخرى من عشر حاويات قيل انها محملة بفول الصويا, وقد تبين ان الحاويات التي فقدت طمست أرقامها بأشرطة لاصقة عليها أرقام مزورة, (نشرة مكافحة الجريمة التجارية الدولية مارس 1998 مقال: انحراف مسار الحاويات، وتزوير بوالص الشحن يستهدف الشحنات الثمينة: ص 5).
وقد تبين من التقارير الدولية وقوع عمليات قرصنة على الشاحنات والبضائع في رحلات البضائع الى بولندا، وان عدد هذه الجرائم في بولندا يبلغ 30 ضعفا عن عددها في أية دولة أوروبية.
(نشرة مكافحة الجريمة التجارية الدولية ابريل 1999م ص 4).
وقد اشتهرت إيطاليا منذ زمن بعيد أنها كانت منشأ عصابات الجريمة المنظمة: Mafia التي نشأت في صقلية ثم ازدهرت بعد هجرة زعمائها الى أمريكا، حيث وطدوا نفوذهم في جميع المدن الأمريكية وحققوا ثراء هائلا نتيجة عمليات القتل والرعب، وفرض الإتاوات بالارهاب.
وأحد أمراض إيطاليا المزمنة حاليا هو عمليات القرصنة البرية على الشاحنات خلال عبورها للأراضي الإيطالية حيث يقوم القراصنة بسرقة الشاحنات في غفلة حراسها، او بالهجوم المباشر عليها باستخدام السلاح خلال قيادة السائقين لها, ونتيجة لحادث القرصنة ينشأ نزاع بين صاحب البضاعة والناقل البري، بشأن المسؤولية عن الخسائر.
ويكون دفاع صاحب البضاعة انه كان على الناقل البري وتابعه السائق اتخاذ اجراءات معينة للحراسة.
وذهبت التقارير الدولية الى ان حالة الطرق الإيطالية تسهل وقوع حوادث القرصنة البرية نظرا لأن معظمها ذات مسار مروري واحد، وتكثر بها المنحنيات مما يضطرها الى تخفيض سرعاتها وحدوث اختناقات في المرور، مما يسهل مهمة القراصنة, ومن العوامل التي تساعد على نجاح عمليات القرصنة قلة أماكن التوقف الآمنة للشاحنات.
وقد تبين من التقارير الدولية ان عصابات الجريمة المنظمة تتحكم في الجهات المنظمة لعمليات النقل، وكذلك تسيطر على منافذ بيع البضاعة, ولهذه العصابات مصادر معلومات دقيقة تمكنها من تحديد أهدافها بدقة.
ويترتب على ذلك ان التصرف في البضائع لا يمثل مشكلة لهذه العصابات, ولم تستبعد التقارير الدولية ان يكون نفوذ عصابات الجريمة المنظمة وراء ظاهرة ندرة أماكن التوقف الآمنة للشاحنات في إيطاليا، وهو أمر غير مستغرب نظرا لأن هذه العصابات تمكنت من قتل القضاة ورجال الأمن الذين تصدوا لها في جزيرة صقلية.
(نشرة CCB مقال: القرصنة البرية في إيطاليا: بقلم Ken Luck نائب مدير مكتب IMB يناير 1993 ص5).
تصرفات تؤدي إلى عمليات القرصنة البرية
جاء في التقارير الدولية ان بعض أصحاب البضائع يتعاملون ببوالص شحن مزدوجة: الأولى تبين قيمة البضاعة الحقيقية للتعامل بين البائع والمشتري والبنك والثانية قيمتها مخفضة بقصد التخفيف من عبء الرسوم الجمركية, وقد جاء في تقرير صدر عن ادارة مكافحة جرائم الترانزيت التابعة للمكتب البحري الدولي في لندن انه في قضية حققتها هذه الإدارة، تبين ان القيمة الحقيقية للبضاعة كانت 600 الف دولار بينما كانت القيمة في البوليصة المزورة المقدمة لسلطة الجمارك 26 الف دولار فقط، وهو فرق ضخم.
وقد رأى الخبراء ان ازدواج بوالص الشحن يؤدي الى نتيجة اخرى غير متوقعة، إذ يهمل الناقل البري في الاجراءات المناسبة لقيمة الشحنة، وهي قيمة عالية، وفي نفس الوقت فإن العصابات المنظمة لديها مصادر معلومات دقيقة وتستطيع معرفة القيمة الحقيقية للشحنة فتبادر الى مهاجمة الشاحنة او الحاوية التي تنقلها.
وتترتب نتيجة اخرى متعلقة بالتأمين فإن شركة التأمين لن تدفع التعويض ألا عن قيمة البضاعة في بوليصة الشحن التي تقدم للجمارك، وهي قيمة ضئيلة, ولن يستطيع صاحب البضاعة عندئذ تقديم بوليصتي الشحن الحقيقية والمزورة، لأنه سيواجه الاتهام الجنائي من سلطات الدولة, وقد يسقط حقه في التعويض على أساس ان الضرر الذي لحق بالبضاعة نتج عن تعمده تخفيض قيمتها في الفاتورة المزورة مما أدى الى عدم اتخاذ الناقل الاجراءات المناسبة لأمن الشحنة معتقدا ان قيمتها ضئيلة او عادية، مما سهل على اللصوص سرقتها, وتجمع قواعد التأمين الوطنية والعالمية على ان المستأمن يسقط حقه في تعويض التأمين اذا تعمد إيقاع الضرر بالبضاعة او ارتكاب الغش او أهمل إهمالا جسيما ثم وقع الضرر نتيجة لأي من هذه العوامل,
وقد جاء في تقرير ادارة مكافحة جرائم الترانزيت التابعة للمكتب البحري الدولي، ان سرقات الشحنات قد تفشت كالوباء، وانه يتعين اتخاذ اجراءات فعالة لمكافحتها، وأن على أصحاب البضاعة ومخلصي الشحن عدم التآمر لارتكاب هذه الأمور لأن ضررها بالغ, (النشرة السابقة ابريل 1999 ازدواج بوالص الشحن يؤدي الى تعريض الشحنات للخطر مقال: ص4).
تحذير إلى رجال الأعمال
نظرا لانتشار عمليات خطف الشاحنات والبضائع في بلاد عديدة من العالم على الوجه الذي عرفناه فاننا نحذر رجال الأعمال المستوردين من أوروبا والولايات المتحدة الامريكية من التعاقد على استيراد شحنات تقطع جزءا من رحلاتها برا ثم تنقل بحرا وهو ما يسمى النقل التجاري متعدد الوسائل Multimodal Transport وعلى المستورد ان ينص في عقد البيع التجاري الدولي وفي الاعتماد المستندي، وفي بوليصة التأمين- إذا كان هو الذي سيبرمها او يشترط ذلك على المصدر اذا كان الأخير هو الذي سيبرم التأمين بالنص في كل هذه المستندات على ان شحن الضاعة المشتراة يبدأ من ميناء بحري محدد تبدأ البضاعة رحلتهامنه، دون ان يشير أية اشارة الى نقل بري، حتى لا يواجه المخاطر الجسيمة للقرصنة البرية, وبذلك اذا قدم البائع مستنداته للبنك متضمنة بوليصة شحن برية مثل Truck Bill أو غيرها كانت هذه مخالفة رئيسية يرفض البنك المستندات بسببها وتظل قيمة الاعتماد في أمان.
وهناك توجيه آخر لرجال الأعمال وهو وجوب ذكر القيمة الحقيقية للبضاعة في بوالص الشحن، حيث ان اعداد بوليصة شحن فيها قيمة مخفضة للبضاعة لن يفيد بل يمكن ان يؤدي لخسائر فادحة لا تتناسب مطلقا مع التخفيف من عبء الرسوم الجمركية.
*مستشار بمجلس الغرف السعودية