السح,, الطبيب الذي سحرته لغة الضاد طب الأطفال جزء من نفسي,, والأدب وسيلتي للتعبير عنها قصتي معاق فوق الريح نالت جائزة الشارقة للإبداع العربي |
كتب مندوب الجزيرة
جميل هو العناق ما بين الأدب والطب، ورائع هو اجتماع العلم النافع بالكلمة النقية، والأجمل كان اللقاء بإنسان سحرته لغة الضاد وفتن بها، فلم يبخل عليها بعلمه او بوقته، ولم تضن هي عليه بصفائها وقوتها وجمالها الأخاذ.
(الجزيرة) كان لها اللقاء التالي مع أبي عبدالله كما يحب ان نسميه الدكتور عبدالمطلب بن أحمد السح الأديب قبل الطبيب.
* اين موقعك بالنسبة للطب والأدب؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله واصحابه أجمعين، الطب مهنتي التي اخترتها بمحض إرادتي، وتحديدا اختصاص طب الأطفال الذي اعتبره جزءا من نفسي، وأظن أن النبل والإنسانية اللذين تمثلهما مهنة الطب لا يختلف فيهما اثنان، أما الأدب فهو أمر اكبر مني، وإن اصررتم على ذلك، فإن مالدي هو قطرة في بحر الأدب ليس اكثر، ولكن هذه القطرة أعتبرها الممثل الحقيقي لما يعتلج بنفسي، لا بل هي نفسي التي تنطلق كي يراها الجميع، بمن فيهم أنا.
* هل من علاقة بين الطب والأدب بتصورك؟
نعم بالتأكيد ولكن الأمور نسبية ياأخي، هناك الكثير من الأطباء ينتشرون في كل أرجاء المعمورة ويمارسون مهنتهم على أتم وجه، وكل طبيب عنده درجة من التعبير الرطب الذي يتجاوز حدود عمله، وتختلف الدرجة من طبيب لآخر، فبعضهم يضيق ذرعا برحابة التعبير ويرميها خلف ظهره ويبقى بين جدران عيادته ينفع مرضاه بطبه، وبعضهم تأخذ تلك الرحابة بيده ويأخذ بيدها وينطلقان في اللامحدود، وهنا يتجاوز النفع حدود المرضى الى المجتمع ككل، لا بل أبعد من ذلك، وبين هذه الحالة وتلك درجات تتفاوت قوتها.
الطب كعلم مجرد لا يمثل بحد ذاته أدبا، ولكن من المعروف ان الطب هو تعامل مع الإنسان، وغالبا الإنسان بحالات المرض، وهذه الحالات تفجر القوى الكامنة في داخل الإنسان في حال وجودها لتطلقها من عقالها، فالطب في الحقيقة بحر من المادة الخام الصالحة لأن تصهر في بوتقة الأدب، هنا يكمن فضل الطب على الأدب، اما الأدب فهو التعبير الجميل والروح الزكية العطرة التي تبعث في الطب الجامد حياة وتطوعه لتجعله شرابا سائغا يتجرعه الإنسان بكل عذوبة طالبا المزيد، الطب بشكله الجاف لا يقبله إلا معشر الاطباء واصحاب المهن الطبية، أما بشكله الأدبي فإنه مقبول لا بل محبوب من قبل معظم الناس، وهذا هو فضل الأدب على الطب.
* للأدب لغة وللطب لغة، فكيف جمعت بينهما؟
لغتهما واحدة ما دامت سعادة الإنسان غايتهما، أما إن كنت تقصد باللغة كوسيلة للتخاطب فانني أحيلك للغة اختارها الله سبحانه لتكون اللسان الذي احتوى كل شيء، القرآن الكريم أعظم كتاب لغته عربية مبينة، أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لسانها عربي، كما ان اللغة العربية هي لغة الملائكة وأهل الجنة.
طبعا الإبداع والكتابة لا يقتصران على لغة دون أخرى، او أمة دون غيرها، ولكن لماذا نبتعد ونتحدث بلسان غيرنا، ولدينا خير لسان، وعندنا لغة تستوعب ما لا يستوعبه غيرها، بصراحة اللغة العربية عشق دائم وأنا عاشق لها ولا أخشى الملامة، ان العربي الذي يتلعثم بلغته إما أن يكون طفلا صغيرا لا يعتب عليه او مريضا لا نؤاخذه، او كبيرا ندعو الله ان يسامحه ليس من حقنا الخيارات الأخرى إلا عند الضرورة رغم انها ليست ممنوعة علينا,, وعلينا ان نقدم وبهذه اللغة النعمة ما نستطيع وخصوصا وأن مجتمعاتنا تعشق الأدب وبلغتنا العربية تحديدا.
* من اي باب قصدتم بيت الأدب؟
جميل سؤالكم فللأدب حقا أبواب، ولكن ليس لك الخيار الكبير لأنك تجد نفسك تطرق بابا يطل على بحر ليس له حدود، وترى نفسك تبحر في اتجاهات دون غيرها، أنا كتبت في مجال تعريب العلوم الطبية وتبسيطها وإعطائها طابعا إسلاميا، ولي في هذا المضمار المئات من المقالات المنشورة في الصحف والمجلات المحلية والعربية والدولية، كما كتبت في مجال إعطاء القضايا الطبية طابعا قصصيا يستسيغه الإنسان اكثر، وربما أجد نفسي أكثر عندما أترك اليراع يرسم لوحات لا يراها غيري وتلك كانت بعض القصص التي اعتز بها كما قمت بإعداد وتأليف العديد من الكتيبات والكتب وفي عدة مجالات.
* هل لنا أن نبحر معك في قصصك؟
القصة عندي هي إنطلاقة الفكر والقلم في رحاب واسعة أبعد من المنظور، لقد جنحت على الدوام صوب الخيال العلمي، هذا النوع من الكتابة الذي يبتعد عن الأفكار التقليدية ليجول في أفلاك غير محددة، ولكنها قد تصبح حقيقة في يوم ما,, من يدري؟ والخيال العلمي هذا خصصت به الأطفال بشكل أساسي، حيث ان الطفل يتمتع بإمكانيات خارقة تنمو باستمرار، وهو الأمل الذي ننتظر، في تصوري ان أدب الخيال العلمي يجب ان يحظى بما يستحقه من دعم ومؤازرة، وأن يتجه له الأدباء اكثر، لاننا به نستطيع ان نفجر الطاقات الخلاقة الكامنة في أبنائنا.
لقد كتبت قصة معاق فوق الريح وهناك أيضا قصة واندمل جرح السماء وقد فرغت من كتابتها منذ فترة، وقصة أخرى بعنوان رحلة إلى لبنان شارفت على الانتهاء وقصة أخرى بعنوان عيادة طبيب وكلها قصص خيال علمي، اترك ذكر تفاصيلها الآن، وأكتفي بان أقول إن قضية الإعاقة تشغل الحيز الذي تستحقه في مساحة قصصي.
* نريد المزيد حول معاق فوق الريح ؟
أنا لدي اهتمام كبير بقضية الإعاقة، وقد كتبت الكثير في هذا المجال ومعاق فوق الريح نتيجة طبيعية لاهتماماتي، لقد وضعت بتلك القصة تصوري لحلول قضية الإعاقة في العقود القادمة في جو علمي وإنساني واجتماعي وخيالي في ظلال بيئتنا المسلمة، وكما تعلمون فإن القصة ولله الحمد قد نالت جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال أدب الخيال العلمي الموجه للأطفال، وكانت هي المحاولة الأولى لي في هذا المضمار.
* لماذا اخترت المعاق لأن يكون بطلا للقصة؟
لانه يستحق ذلك، والقصة برهنت على ذلك، في الحقيقة تلك القصة ما هي إلا تعبير اطلق عنانه لقصص واقعية نعيشها من حولنا وأبطالها معاقون، إن اهتمام المجتمع بالإعاقة دليل على رقي المجتمع حضاريا، وهذا برأيي هو المعيار الأهم لتقدم الأمم.
* لقد كان لقصتكم صدى واسع فهل فكرتم بتحويلها لعمل تلفزيوني؟
كما تعلمون ليس من السهولة تحويل قصة لعمل تلفزيوني، ولكن الفكرة موجودة لأن تكون القصة في يوم من الأيام على شكل فيلم كرتون موجه للأطفال إن شاء الله .
* إذاً هل تفكرون بالقصة من ناحية تجارية؟
لا، على الإطلاق، الكتابة كي تكون جميلة عليك ان تبعد عنها شبح المادة، والحمد لله أنا لا أمسك القلم إلا عندما أكون مرتاح الفكر هادىء البال، بالنسبة لمعاق فوق الريح الإهداء كان لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية التي يعبر اسمها عنها، وحتى أثناء مناقشتي لفكرة تحويلها لفيلم، وكانت هذه فكرة الاستاذ الإعلامي سلمان العمري يحفظه الله، كان بذهني أن يكون الريع بكامله لصالح جمعية الأطفال المعاقين بالرياض، وفكرت ان ذلك سيكون هدية متواضعة مني لهيئة نذرت نفسها لخدمة فئة غالية على قلوبنا.
* هل سبق لكم أن حصلتم على جائزة أخرى على أعمالكم؟
حصل ذلك عام 1992 عندما حصلت على جائزة وزارة الصحة السورية بمناسبة انعقاد الندوة الأولى للعلوم الصحية وذلك عن بحث بعنوان التجفاف.
* ما هو جديدكم في ميدان الكتب؟
الآن أنا أكمل إعداد سلسلة الأمراض الوراثية التي صدر منها الجزء الأول الذي طبع مرتين وسيطبع قريبا للمرة الثالثة وكذلك فإن الجزء الثاني قيد الطباعة حاليا وستصدر تباعا حتى يكتمل عقدها، وكذلك كتاب زواج الأقارب الذي هو قيد الطباعة حاليا.
* عندما يجود الإنسان بشيء فلابد من أرضية يرتكز عليها، ما هي الركائز التي يعتمد عليها الدكتور عبدالمطلب؟
اعتمادي الأول والأخير على الله سبحانه وتعالى، وما التوفيق إلا من عنده، وبالتأكيد هناك ظروف يسرها الله تعالى لي مثال الأسرة التي نشأت بها واللغة التي تربيت عليها، ومهنة الطب التي أنعم الله بها علي، وكذلك البيئة الخصبة والطيبة التي ترعرعت بها، فربما تعلمون ان حماة مسقط رأسي هي القلب من سوريا، وتتمتع بطبيعة خلابة ومناخ ساحر ومجتمع طيب كريم أنجب الكثيرين من الذين نفتخر بهم، أيضا يجب أن أذكر عمل الإنسان فحين ييسر الله تعالى للمرء سبل الرزق تنطلق قواه الكامنة أكثر، وكذلك لا يسعني إلا ان أذكر أمرا هاما للغاية ألا وهو التشجيع الذي كنت ومازلت ألقاه من الذين حولي من أهلي وأسرتي واصدقائي وأساتذتي، واولا واخيرا التربة الصالحة للانتاج واقصد بها ذات الإنسان، واجتماع هذه الأمور سيعطي أكلا طيبا بإذن الله .
* في الوقت الحالي هل من أشخاص محددين لهم تأثير إيجابي في حياتك؟
نعم هناك أمي وأبي، وهناك زوجتي التي كانت قادرة على الدوام على تحويل أحلامي لحقائق والحمد لله، وابنتي التي تعطيني الكثير من الإلهام وترسم ببراءتها صدقا وروعة على نفسي، هناك أشخاص كبار أيضا أتأثر بهم أنا وغيري ويحق لنا اعتبارهم قدوة في مجتمعاتنا، هناك مثلا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز يحفظه الله الذي وضع قضية الإعاقة في موقعها الحضاري الذي تستحقه وأعطاها من غير حساب، فكان المثال الحضاري الذي يحتذى به، وهناك صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله ذلك الإنسان الذي سخر جزءاً كبيراً من وقته وعمله لخدمة فئة من المعاقين الغالية على قلوبنا، كم هي كبيرة نفسه! هذا هو السمو الحقيقي والارتقاء الناصع البياض لنفس البشرية، هناك أيضا الأخت الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي يحفظها الله في الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة والتي قامت بجهود جبارة لخدمة المعاقين ومنذ زمن طويل، هناك كذلك الأخ الاستاذ الدكتور محمد بن حمود الطريقي سلمه الله الذي قام بمشاريع هائلة على مستوى المملكة وكل ذلك خدمة لفئة المعاقين.
وإن نسيت فلن أنسى أخي الغالي الاستاذ سلمان العمري يرعاه الله الذي كان يحثني على الدوام لعمل المزيد.
* ما رأيكم في الإعلام العربي حاليا؟
يبشر بالخير إن شاء الله ومسيرته الى الأمام دائما، لقد كان لي تعامل من خلال الكتابة مع الكثير من المجلات والصحف التي أكن لها كبير الاحترام، والتي ألاحظ كيف تحاول الارتقاء نحو الأفضل على الدوام، إن الأمر الجميل هو توجه الإعلام نحو التخصص، وهذه نقطة إيجابية كبيرة، فمثلا في اطار قضية الإعاقة وحدها كونها تعنيني، هناك العديد من المنابر التي تتابع الأمر بجدية ومثابرة، فعلى سبيل المثال هناك مجلة عالم الإعاقة التي تلوح بها ملامح مستقبل مشرق رغم حداثتها وهناك مجلة المنال التي لا يمكن نكران فضلها الكبير وستحتفل قريبا بعيدها الثاني عشر، والأمثلة عديدة، الحمد لله، الإعلام لدينا يخطو بخطى واثقة وسليمة، وعلينا ألا ننسى ان وقع الكلمة كبير كبير، وأن الإعلام من أسلحة العصر بالغة القوة.
* هل تنوون الاستمرار بالأدب على حساب الطب، أم العكس؟
الأدب والطب عندي يكملان بعضهما، ولا يعيش أحدهما دون الآخر، ولذلك لن اتخلى عن النبع الذي يشكل المداد لقلمي، وكذلك لن أبرح البيت الذي يظلل ذلك القلم ويظهر نقاء وعذوبة النبع.
* هل تحب ان يطلق عليك اسم أديب أم طبيب؟
كلمة أديب كبيرة علي، وربما لا أستحقها، وأدعو الله ان يجعلني في يوم ما على مستواها، اما كلمة طبيب فأنا أمارس مهنة الطب وأرجو الله ان يجعل عملي صالحا لوجهه الكريم، لقبني بأبي عبدالله أكن لك من الشاكرين,في الختام نشكر للأديب الدكتور عبدالمطلب بن أحمد السح فنان طب الأطفال وحديثي الولادة هذا اللقاء الذي كان رحلة ممتعة بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
|
|
|