Wednesday 23rd June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 9 ربيع الاول


وهكذا ارتبط العقل العربي في فجر نشأته بالدين
عبدالله بن محمد بن ردّاس

لقد رأينا كيف تكاملت في الحياة العربية من خلال البداء والماء والرحلة قوى النفس الفطرية المطمئنة في بدنها وعقلها وقلبها ولسانها,, لقد رأينا كيف يعقل الإنسان العربي بقلبه، لأن قلبه هو دليله بالأمن إلى الإيمان، ولم يكن هذاالقلب معبداً للوساوس والهوى المذل، أو الحب الرخيص،,, لقد عقل هذا الإنسان كل مافي حياته، حتى الحب، الذي أخضعه لسنن الله في الحياة المضيئة من حوله، فجعله رحمة وتراحماً، وجعله وسيلة وقربى إلى هدف عام تتراحم به وتتماسك الأسرة، والمجتمع الصغير والكبير,, هو هدف الذرية الصالحة.
غاية العقل: بهذا الهدف أصبح العقل العربي الذي تصنعه الحواس المرهفة في بدن سليم، لنفس مطمئنة، عقلا أخلاقياً وعقائدياً في أساسه، من حيث يتوجه وراء هذا الهدف المباشر إلى بناء هذه الحياة الحرة الكريمة المستمدة من الله بالصورة والحقيقة التي يكون بها ميراث الآباء للأبناء، ووصية السالفين للخالفين، وعلم الأولين للآخرين.
لم يعد العقل العربي، المتبصر بقلبه، والمهتدي بسنن الله من حوله- عقلا يدور في فراغ من هدفه، أو متاهة في سبله، بل أصبح عاقلا لغايته التي لا خلاف عليها، وهو يعقلها من خلال حواسه، ويعقلها من خلال فكرته، ويعقلها من خلال كلمته العربية الدالة بكل معانيها على غايته.
لقد أصبح يعقل غايته في صميم حكمة الحياة,,, يعقلها في كلياتها، وقد أوتي وسائل الملاحقة لها، ووسائل الدفاع عنها,, آمنا في افضل الأحوال من انقلاب هذه الغاية الجلية إلى نقيضها، متحصناً بيقينه في سلامتها وإيمانه بمصدرها، وهو يمضي بجهده على محجة بيضاء، وراء أسوة سابقة، وطموح بهذه الأسوة إلى سبق وفضل.
ويجيء القرآن الكريم فيكشف عن حكمة الحياة القوية العزيزة في الذرية الصالحة ,, أي في عمل الآباء المؤمنين الذين يتركون بصلاح أعمالهم ميراثاً قوي الحجة على أبنائهم ليتأسوا به، ويمضوا عليه، ويزيدوا فيه.
يقول الله- على لسان إبراهيم- رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم , ويقول على لسان إبراهيم وإسماعيلربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتناأمة مسلمة لك .
ويقول سبحانه على لسان زكرياقال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً، ولم أكن بدعائك رب شقياً, وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك ولياً, يرثني ويرث من آل يعقوب
ويقول سبحانه على لسان جميع المؤمنينرب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحاً ترضاه, وأصلح لي في ذريتي .
وفي حديث عن النبي عليه الصلاة والسلامحبب الي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة .
أما النساء فوعاء الذرية الصالحة,, وأما الصلاة فلقاء الله بالعمل الصالح, وأما الطيب فهو عبير هذه الحياة الصالحة في الصالحين.
ويقول الشاعر العربي في نشأة الأبناء على طريق الآباء من المكارم والمعروف وهو من شعر زهير الذي كان يتمثل به عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وما كان من خير أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبل
من هنا تتجلى رسالة العقل العربي اليقينية والمقررة وهي الحفاظ على ميراث الدين في الأخلاق، والمعروف، ومنهج التذكير, والتعبير, وصدق العمل,, ليكون ذلك من نصيب الذرية الصالحة التي تعقله، وتنقله، وتدافع عنه، وتزيد عليه كلما وسعتها الزيادة، أو البيان في أقوالها وأعمالها, لقد أصبحت هذه الرسالة كما أوحى الله بها في الفطرة السليمة هي رسالة العقل العربي التي عاش بها العرب فلم ينقرضوا، ولم يذهب تراثهم، ولم تنطمس رسالتهم، ولم تضع لغتهم, لقد كان محور الرسالة للعقل العربي أن يتدفق نهر الدين العذب بالعمل الصالح من الآباء للأبناء,, وكانت الغاية التي تأنس إليها الحواس المطمئنة وهي تغذي هذا العقل بمنهجه وأحكامه وفصل خطابه هي الذرية الصالحة هي: العمل الذي يقتدي به الأبناء,, في طاعة الله,,, .
في مقابل ذلك صنعت الحواس المريضة، واللاهية، والقاصرة، في بيئة الحضارات الوثنية- عقولا قاصرة تراجعت غاياتها في مجالها الضيق عن الغاية الصحيحة, لقد تراجعت عن هدفالعمل الصالح والذرية الطيبة إلىالطعام والمسكن والمتاع أو المال والسلطة والمرأة أو الزهد في كل شيء حتى في العقل نفسه من أجل لا شيء؟ ,, وحول هذه المحاور الثلاثة كانت العقول القاصرة تدور لتبحث في تأكيد هذه الاهداف,, تؤكدها بالفلسفة، أو بعلوم السحر والكهانة، أو بالخرافات والأساطير,, حتى علوم الطبيعة أصبحت وهي اسيرة هذه الأهداف القاصرة- أداة عقولها في العدوان على الحياة، وفي المزيد من التيه والظلم والعجز بالبعد عن فطرة الحياة.
لقد تراجعت هذه العقول القاصرة عن الغاية الفطرية السليمة وهيالذرية الصالحة حتى على خط العلاقات الجسدية المسماة بالعلاقات الجنسية، فأصبح بناء الأسرة، وتوالد الأطفال، مجرد ضرورة شكلية، لا تحدد هدفاً في نماء الأمة، ولا تفرض طهراً أو تعففاً في سلوك أفرادها، بل أصبحت هذه البيوت على تفاوتها بين البذخ والعوز تخفي اغرب العلل النفسية وأشدها خفاء واستعصاء على التقويم في مجال السلوك الجنسي,.
لقد أصبحت- كما في كثير من جوانب المجتمع الخاصة والعامة- تحمل مفهومالمتاع بالجنس لذاته، وما يقتضيه التركيز عليه، والانقطاع إليه، من بلاء الشذوذ فيه، ومسخ الطبائع السليمة للاستزادة من سراب لذاته دون الغاية الإنسانية منه.
ومن التوقف عند هدف المتاع دون هدفالذرية الطيبة التي تحمل ميراث الآباء وأهدافهم نشأت علة الفسوق التي تداعت بها الأخلاق والحرمات والأمانات، وقطعت اشواطاً من مجرد الغواية إلى الحرفة، ثم من الحرفة البسيطة إلى الصناعةالمدمرة لنشر الدعارة باتساع المجتمع أو العالم.
ويتجاوز التراجع عن خط الغاية الفطرية في الذرية الصالحة خطوة المتاع والفسوق إلى خطوة أخرى أكثر شذوذاً في هذا المجال وهيعشق الذات التي هي في مفهوم هذه الهزيمة الأخلاقية للعقل القاصر أكثر بعداً عن الهدف الحقيقي، وهي علة تنشأ في ذراري الفاسقين المستمتعين بسبب تفاقم العجز، وتراكمات الوراثة لنواز ع الانحراف، فكأنما بعد الاسراف في نزح الطاقة على غير وجهها يظهر الافلاس الذي يأخذ أعراض الانطواء أو الحياء الكاذب, والذي ينتهي إلى نوع من الزهد الجنسي يرتد فيه الفرد إلى نفسه، ليتزوجها بالخيال المنفلت في أية صورة يتعلق بها عجزه، ولهذا العشق الذاتي وسائله الباطنية، التي تحقق النفس بها استمتاعها بذاتها بدنياً، بالتصور، والحلم، والاستغراق، ربما من أجل النيرفانا الجسدية,, بعيداً عن واقع الحياة، وتجرداً من حقائقها، وسننها ومعقولاتها، مما يكون له أثره على العقل في كثير مما تحاول علوم النفس الحديثة توصيفه بأنه جنون العظمة، أو جنون الاضطهاد، أو التطرف باسم الدين، أو الروح، أوالجن,, فكثيراً ما ظهرت في حالات عشق الذات قصص أولئك الذين يعيشون في وهم الزواج من الجن الإناث,, أو الذكور.
ثم تمضي الهزيمة والتراجع عن مركز الفطرة المضيئة التي يتسابق إليها العقل العربي وهي الذرية الصالحة حتى تصل بعد عشق الذات إلى علة أكثر شقاء وبلاء وهي عشق الآباء والمحارم وفي المعتقدات والتقاليد الفارسية من هذه العلة الشيء الكثير,.
ثم تمضي الهزيمة حتى بعد ذلك لتنتهي نهايتها القالة عند ظاهرتين أو علتين هما الرهبانية بمفعوم الامتناع عن الزواج,, أو عشق الموتى بمفعوم حقيق كما كان يقع من شذوذ بعض كهنة مصر القديمة أيام الفراعنة، أو بمفعوم معنوي كما يقع من الاستغراق مع نزعة الموت,, وحلول الأرواح,, أو تناسخ الأرواح، حيث يبلغ العقل الوثني الصوفي عند هذا الحد آخر مداه في الإعلان عن هزيمة الحياة.
بناء العقل: وحتى يتبين فعل الفطرة في توجيه رسالة العقل العربي ومنهج تفكيره وتعبيره إلى ما هو حكمة الله في حياة البشر وهي العمل الصالح والذرية الصالحة نكشف عن بعض الشواهد الدالة في أعمال هذا العقل ولغته ومنهجه على دعاماته الفطرية والكونية التي تجعله غير متناقض في تعبيره عن الإنسان السوي مع سنن الله في الحياة وفي الأشياء.
1- الشاهد الأول: نجده في معنى كلمة الشيء في اللغة العربية، ففي هذه الكلمة يفصح لسان كل امة عن الرابطة التي تعيهابين الأشياء اي بين مفردات الحياة واجزائها ومقوماتها.
فالشيء هو وحدة الحياة المحيطة بالإنسان، لأن هذه الحياة مؤلفة بطبيعتها من اشياء متفرقة أو أشياء متحدة.
فمدلول كلمةالشي في لسان كل أمة يفصح عن ضميرها في أخلاقها، وعن دينها المتولد من مدى اتصالها أو انفصالها عما حولها، والدال على رضائها أو عدم رضائها عن حياتها وغايتها وسلوكها.
ففي لغة العقل العربي المطمئن تحمل كلمةالشيء حقيقة الاطمئنان الكامل والايمان السابغ، وهذا ماتنفرد به هذه اللغة من غيرها، كما انفردت بنصوع التوحيد في معانيها، ورسالة الدين في كافة أجزائها.
ذلك أنالشيء هو معناه شاء وشاء معناهاأراد ومن ذلكالمشيئة بمعنى الإرادة .
فالشيء عند العرب هو المراد من جهتين: أولا من جهة إرادة الله في خلقه، فكل شيء بمشيئة الله تعالى، وثانياً: من جهة تآلفه مع الأشياء الأخرى، إذ لا تنافي إرادة الله فيه وحده مع إرادته فيها مجتمعة, ففي كل شيء حكمة وجود، وحكمة وجود غيره كذلك، وبهاتين الجهتين يتم تمام المعرفة في قلب الإنسان العاقل, فليس من شيء بغيض لذاته في هذه الحياة، لأن كل شيءمراد وإنما البغيض أن تلتقي هذه الأشياء في غير المواضع التي وضعت لها، فان هذا ينافيالعدل الذي هو وضع الشيء في موضعه في سنة الخير والفطرة، وانتفاء العدل يؤدي الىالظلم والظلم هو الذي يحجب عن بصائر الناس حقيقة الحياة وحكمتها بوضع الأشياء في غير موضعها.
ومعنى شاء وشيء في لغة العرب كثير النظائر بما يؤدي هذه الشهادة في كون الحياة مرغوباً فيها عند العرب بسبب وعيهم لحكمتها، وفي كون الروابط بين أشيائها مفوهمة عندهم بادراكهم إرادة الخالق فيها ومشيئته بها,,.
ولينظر القارئ بعد ذلك إلى معنى كلمة شيء في اللغات الأعجمية في هذا الضوء، فانه يستطيع الكشف عن وجهة نظر الأمم الأخرى بلغاتها المختلفة في فهم الرابط بين الأشياء بما هو شاهد على قصورها وقصور بيانها, وقد يلاحظ القارئ كما لاحظنا أن في بعض هذه اللغات كالفارسية والفرنسية يقترب اللفظ الدال على شيء من اللفظة العربية، فشيء، تقابل في الفارسية تشيز وفي الفرنسيةشوز ولكن ماأبعد أن نجد في هاتين اللغتين هذه الدلالة التي وجدناها باهرة ظاهرة في وضع كلمةشيء العربية بالنسبة لمعنى التجاوب المشرق بين مشيئة الله في الخلق ومشيئة البشر في الحياة,, أي أن الله يشاء,, والناس مع الله يشاؤون ماشاء الله.
2- الشاهد الثاني: قسم العرب يخالف الأشياء، فمن قوة اتصال حواس العرب الصحيحة بالأشياء المحيطة بهم أضاءت في أنفسهم وعقولهم هذه الحقيقة التوحيدية في حكمة الحياة والإيمان بخالقها.
وذلك فإن العرب عرفوا الله قبل الإسلام وبعده باستشعارهم قوة الارتباط الحيوي بينهم وبين الأشياء المحيطة بهم, وقد اتخذ صوت القرآن الكريم في إيقاظ فطرة العرب وإعادة تأليفهم على دينهم الحنيف هذا المجرى الواسع البليغ من تذكير العرب بدواعي هذا الارتباط المألوف لديهم بين أنفسهم وبين ما حولهم من آيات الله ومخلوقاته, فهو يذكرهم بتدبرهم الفطري لما في السماوات والأرض, وهو يهز قلوبهم إذ يقسم بنفس قسمهم بمخلوقاته من الشمس والقمر، والرياح والمطر، ليريهم آياته العظيمة بها وفي أنفسهم منها.
ولو اتجه القرآن لغير العرب ليتدبروا ذلك ويستخلصوا منه قوة الحياة بالإيمان لتعذر ذلك على أكثرهم,, وها هو ذا القرآن الكريم قائماً ومسموعاً بين الكثيرين ممن لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون، فأي شيء افادوه منه إلا أنهم أخرجوه في أنفسهم عن معناه في أنفس اهل الحق والفطرة السليمة فخرجوا بذلك عن العمل به، والتخلق بأخلاقه.
كان العرب في عصورهم- وما يزالون- يقسمون بالله على جميع الأوجه التي عرفوه بها، بمعرفة خلقه في الأشياء المتسقة المحيطة بهم وفي أنفسهم, ولتأييد ذلك نذكر مجموعة من أيمان العرب في الجاهلية قبيل الإسلام,.
لقد كانوا يقسمون بالله في قولهم:
والذي نفسي بيده , لا والذي لا يواريني منه غيب , لا والذي خلق الرجال على هذه الخلقة , لا والذي شق الرجال للخيل، والجبال للسيل لا والذي سمك السماء، ودحى الأرض , لا ورافعها بغير عمد , لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة , لا ورزاق الأنام , لا ورب الشمس والقمر , لا ومجري الرياح,,, ومنشىء السحاب,,, ومنزل القطر , لا ورب الحل والحرام , لا والذي يرصدني أنى سلكت , لا والذي يراني ولا أراه , لا وقائتي نفسي .
وأقسم العرب كذلك بهذه الأشياء نفسها تعظيماً لها، واستشهدوا بشهادتها على حكمة الخالق وقدرته فأقسموا بالنور والظلمات، والأرض والسماء والليل الغاسق والنجم الطارق والمزن الوادق والرقاصات ببطن مر الإبل التي تهتز بركبانها ببطن مر وهو على ليلتين من مكة, وقد ورد مثل ذلك في القرآن الكريم في قسمهبالسماء والطارق والشمس وضحاها والنجم الثاقب والليل إذا يغشى ,, والتين والزيتون وطور سينين، وهذا البلد الأمين .
3- الشاهد الثالث: استئثار كلامهم بالحقائق الساطعة من حكمة الحياة وناموسها، فكل مأثورهم وحكمتهم في أي حال من احوالهم يتضمن سنناً عامة تسري على جميع البشر في جميع الأحوال المماثلة.
وهم لا يختلفون في ذلك رجالا ونساء وأطفالا, وتتصف كلماتهم النافذة هذه بالقطع واليقين, فهم دائماً يقررون أحكاماً في الحياة، ويكشفون عن نواميسها وقواعدها، في الوقت الذي يتساءل فيه المتحضرون عن هذه الأحكام عبثاً، ويتخبطون في طلبها تخبط الأعمى الحسير، ويتمخضون في عمايتهم هذه عما يضحك ويبكي من المهازل والأباطيل,.
فمن أقوال العرب القاطعة، على سبيل المثال، قول الحارث بن عباد وفيه جماع الحق والحكمة والدين لمن سعى إلى الله في هذه الحياة بقلب سليم:
كل شيء مصيره للزوال
غير ربي وصالح الأعمال
ومن أقوال أكثم بن صيفي، وهي كخفق النجوم، ووهج الشمس
(الصدق منجاة، والكذب مهواة، والباطل لجاجة,.
الحزم مركب صعب، والعجز مركب وطيء، آفة الرأي الهوى,.
إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي,,.
لاجامعة لمن اختلف,, الزموا النساء المهابة,, أخوك من صدقك,.
خير السخاء ما وافق الحاجة، خير العفو ماكان بعده القدرة,,,
ومن اقوال العربيات، وفيها غاية الحكمة في لسان امرأة كاملة المسئولية امام الله، والتكامل مع الرجل، والوعي للأمومة والفضيلة والعفاف- ما أشرنا إليه من حديث خديجة بنت خويلد للرسول الكريم وقد نزل عليه الوحي فأخذت تثبته بايمانها الفطري بالله قائلةأبشر يا ابن العم، واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو ان تكون نبي هذه الأمة، ووالله لا يخزيك الله أبداً,,,
ومن أقوالهن في حكمة الحياة وفصل الخطاب في مسالكها قول جمعة بنت الخس وهي من فضليات النساء قبيل الإسلام:
أشد وجوه القول ذوي الحجا
مقالة ذي لب يقول فيوجز
وأفضل غنم يستفاد ويبتغى
ذخيرة عقل يحتويها ويحرز
وخير خلال المرء صدق لسانه
وللصدق فضل يستبين ويبرز
وإنجازك الموعود من سبب الغنى
فكن موفياً بالوعد تعطى وتنجز
إذا المرء لم يسطع سياسة نفسه
فان به عن غيرها هو أعجز
ومن أقوالهن في غاية الكرم قول غنية بنت عفيف أم حاتم الطائي ترد على لائميها في العطاء والجود
لعمرك قد ماعضني الجوع عضة
فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني
وإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
ومن أقوالهن في رثاء الزوج والوفاء له قول زهراء الكلابية
تأوهت من ذكرى ابن عمي ودونه
نقا هائل جعد الثرى وصفيح
وكنت أنام الليل من ثقتي به
وأعلم أن لا ضيم وهو صحيح
فأصبحت سالمت العدو ولم اجد
من السلم بدا والفؤاد جريح
ومن أقوال العربيات في صفة خير الرجال وخير النساء ما لا حصر له في شعر الرثاء والفخر وهو على ناموس واحد، وتسابق مطرد في جلاء الخير من جهة كل منهما.
ولكنا نوجز من إيجاز احداهن في صفة الرجل الفاضل حيث تقول هوالكريم النزال، المنيف المقال، الكثير النوال، القليل السؤال، الكريم الفعال,, .
وتقول اخرى في صفة المرأة المرغوبة هي الخرود الودود الولود ولتمام النفس بالاستشهاد من كلام العرب نذكر في مقابل كلامهم المشتمل على لباب الحق في كل امر، والحكمة في كل موضع- شيئاً من كلام من يضطربون في قصور العقل، ويتعثرون في ضباب الرؤية حيث تلوح الأشياء في أعينهم منفصلة غير مجتمعة، ومتفاوتة غير متسقة.
فمن كلام ملوك العصور القديمة قول فرعون لمن صبروا على ظلمه وتألهه أنا ربكم الأعلى .
ويقول حكيم المصريين القدماء بتاح في تبريره احتمال ظلم الطبقة من الملوك والكهنة أحن ظهرك لمن هو أعلى منك، بذلك يبقى بيتك بخيره، ويأتيك مرتبك في حينه,, .
ويجيء سقراط بعد ذلك فيقضي أرذل العمر في حواره النظري في كون: الفضيلة هي المعرفة بينما هو لم يعرف حينذاك كيف يدير حواراً مع امرأته، فكانت زوجته الغاويةكاسانتيب تهينه وتطرده، لتصنع في نفسها ماتشاء,, بينما هذا الزوج العاطل لا يجد بداً من ان يجول كمن به مس بين الأثينيين، وان يجلس لبعض الفارغين منهم ليحاروهم في اللغو، وليحاول معهم صناعة العقل واختراع الحكمة,, ولم يحدث يوماً أن عرف سقراط الفضيلة هي العمل بها فعاش لذلك فدماً متلبدا تلقاه زوجته فتلقي الماء القذر على رأسه، ليلقي هو بهذا الماء نفسه على رؤوس الأثينيين,,!
إنه يقول مثلا في عبارة لا تزال تصور لنا ذكاءه البليدالشعراء لا يختلفون عن الأنبياء والكهنة، الذين ينطقون بالكلام الحسن، دون أن يعرفوا ماذا يقولون,, فهل الأنبياء لا يعرفون ماذا يقولون,,, إذا كان شعراء اليونان وكهنتهم وفلاسفتهم لا يعرفون!؟
وفي الفكر الحديث يقول ديكارتأنا افكر فأنا إذن حي وصوابها العربي أنا أعمل فأنا إذن حي فالعمل فكرة حية يمكن رؤيتها والحكم عليها في ضوء الشمس، أما الفكر المجرد ,, وهو مقصود الفلاسفة، فهو مشروع افتراضي غامض، يحاول أن يولد، وهو دائماً يولد عندهم ميتا ممسوخا ليلقى به في مقبرة الظنون والأوهام.
ومن المضحكات قول الشاعر الإنجليزيملتون وهو يقول فيما لا ينفع فيه القول: أعطني حرية القول، وحرية الضمير، وحرية الاعتقاد، ولا تعطني شيئاً بعد ذلك,, ,, فمن هو هذا الجواد الكريم الذي سيعطيه ماهو أثمن من الحياة؟؟ وإذا كانت هذه المقومات الحيوية مفقودة في رجل، أو في مجتمع، فأية قوة يمكن أن تبعثها من جديد حية عاملة؟؟
وفي مثل هذا اللغو يقولكليمنصو السياسي الفرنسيأعطني قلماً وورقاً وضميراً أو قضية، ثم لن تساوي قوة الملوك إلى جانب قوتي شيئاً,, فكيف يوجد في أمة رسفت في تظالمها وتهتكها وعدوانها الاستعماري خلال الأعصر المتعاقبة من يعطي ضميراً؟
ولو تعقبنا تاريخ النساء المشهورات في العالم غير العربي من امثال كليوباترا وماري ستيوارت وشجرة الدر وكاترين دي مديشي وحنه دي نابولي والقيصرة الروسية كاترين الحمراء، وجوزفين نابليون، والإمبراطورةأو جيني، وكريستيانا الغلامية ملكة السويد، لوجدنا من تاريخهن الفسقى أوضح دلالة على أثقال الشهوات واغلال النظم التي تحكم نشأة المرأة في أكثر بلاد الحضارات، فتجعلها في ظلمة حياتها أبعد عن أية حكمة او هداية أو تعفف أو رحمة فيما تفعل أو تقول,,؟
4- الشاهد الرابع: الحمد والإقبال وهما صفتان لهذا الإنسان العربي الذي أصاب حكمة الحياة، وعرف حقيقتها، وشرب رحيقها، فهو لا يجد في قلبه ولسانه إلا الحمد لله على أي حال هو فيه، لأنه بذل كل قوى حياته متمكناً من معرفة غايته، وهو كذلك لا يجد أحب إلى قبله من ان يكون محموداً من قومه وعشيرته، إذ هو بادراكه هدف الحياة في الذرية الصالحة قد جرت في عروقه دماء الرحمة، وسرت في أوصاله صلة القربى، وعرف أن مكانه من مكان قومه، وعزه من عزهم ، فهو لهم قبل أن يكونوا له.
وبذلك يحمدونه فتقر عينه، ويتطهر عمله، ويخلد ذكره.
فليس في العرب لذلك من يعتبر الحياة خطيئة أو يقول بان الشر هو الأصل في الإنسان، بل سجية العربي أن الحياة نعمة لأنه بالعقل والعيان تحقق منها، وتيقن أن الأصل في الإنسان هو الخير، لأنه لمس هذا الخير في أبيه عن آبائه، وهو يلمسه في نفسه، وهو يخشى ألا يكون كما كانوا فتراه يستحث قواه وملكاته لحراسة هذا الخير القديم ليورثه لولده، قاصا إليه قصص آبائه الأولين حتى لا يضل عنهم، ولا ينحرف عن سواء سبيلهم.
أما حمد الله على نعمائه بالحياة، وعلى هبة العقل والمكارم فيها، فهو سجية العرب جميعاً لا يخلو من جيد كلامهم, واسمع إلى قول الفتى العربي الأصيل سويد بن ابي كاهل اليشكري يحمد نعمة الله في قومه
كتب الرحمن، والحمد له
سعة الأخلاق فينا والضلع
وإباء للدنيات إذا
أعطي المكثور ضيماً فكنع
وبناء للمعالي إنما
يرفع الله ومن شاء وضع
نعم لله فينا ربها
وصنيع الله والله صنع
وأما استقبال العرب حمد قومهم بكريم فعالهم، لتخليد ذكرهم، فهو مقام كل فخر في باقي أشعارهم, ومن خير ذلك قول عمر بن الأطنابه أحد أشراف العرب قبل الإسلام
ابت لي همتي وأبى بلائي
وأخذى الحمد بالثمن الربيح
وإقحامي على المكروه نفسي
وضرب هامة البطل المشيح
وقولي كلما جشأت وجاشت
مكانكتحمدى أو تستريحي
لأدفع عن مآثر صالحات
واحمى بعد عن عرض صحيح
وتقول المرأة العربية الوفية الخنساء في الغنى بالحمد والإقبال على صالح العمل
نعف ونعرف حق القرى
ونتخذ (الحمد) كنزا وذخرا
وفي الصبر على الحادثات دون الجزع منها، او الفرار من المسئوليات فيها، يقول جزء بن ضرار وهو يصف قومه بعد ان أوقرته الخطوب:
إذا رنقت اخلاق قوم مصيبة
تصفى لها اخلاقهم وتطيب
ويقول الحصين بن الحمام المري في طبيعة الصبر المسلح
صبرنا وكان الصبر منا سجية
بأسيافنا يقطعن كفا ومعصما
ولست بمبتاع الحياة بذلة
ولامرتق من خشية الموت سلما
في حديثنا عن بناء (العقل العربي) تكلمنا عن الاطمئنان والإيمان، وعن الحمد والصبر لان هذا العقل أدرك غايته بحواسه، وعرف حكمة وجودة في بيئته.
والآن نتكلم عن البلاغة في العقل وهي تابعة في المعنى لما سبق,.
والمقصود بالبلاغة النفاذ والكفاية,, فاذا نفذ العقل في هدف الحياة، وأدرك كفايته منها اصبح تعبير لسانه متسقاً بطبعه مع البلاغ في القصد، والنفاذ في الهدف,
وهذه هي البلاغة البيانية التي انفرد بها اللسان العربي بأسباب ودوافع ظاهرة، لا على وجه المصادفة والعفو, فاللسان العربي الذي هو ترجمان العقل العربي يعني ظهور البلاغة في هذا العقل، وذلك من حيث اشتمال كلامه علىقدرة التوصيل لحكمة العقل فيه، بما لايغني عنه او يفيده اي كلام آخر,
ثم من حيث ان هذا الكلام العربي البليغ يتدفق به قائله علىتمام الإيجاز الذي يصل به الى كبد الحقيقة بعيدا عن منقصة الإطالة، او معابة التزيد.
ولما كان الامر كذلك في صفة هذا الكلام البليغ الذي تدرك به النفس الإنسانية حاجتها اينما اتجهت به فاننا في كل نماذج هذا الكلام وآياته نرى صدق الدلالة في مذاقه علىانه من رحيق الحواس الصادقة مجتمعة.
فالكلام العربي يقع في النفس والعقل موقعه من جميع الحواس على درجة واحدة في قوة النفاذ والابلاغ.
فالمتكلم بالعربية يقع في النفس والعقل عن سجية يسترعي إليه الأبصار كما كان خطباء العرب وشعراؤهم قبل الإسلام وبعد الإسلام يبهرون الجماهير العربية في الجزيرة بكلام يجمع اجزاء نفس السامع، ويهزها، ويوقظ بهذا الكلام سرائرها بالرضى او الغضب او الوعد ويوحدها,, انه يوحدهامع نفسها,, ويوحدها مع من يشاركها الاستماع، ويوحدها مع من يتكلم اليها,.
كما يوحد الجميع مع الحق كما هو في موقفهم، وكما هو فيما حولهم,.
وكما هو فيما يبتغون به وجه الله في سعيهم.
من هذه الصور البلاغية في البيان العربي نفس الظواهر الآتية في بلاغة العقل العربي:
1- طابع الإيجاز والقصد في الكلام العربي, فهو اما فاصلة من فواصل الحكمة التي تعيا الكتب في استقصاء ما تدل عليه، او هو مثل سائر، او هو خبر يروى على قدر مافيه من حكمته، او هو ارجوزة، او قصيدة، او معلقة,, ويتجلى ذلك الايجاز الحكيم في كل نتاج العرب البياني,, من خطب في احوال الحرب والسلم، او احاديث الوفود، او رسائل اولى الامر، او عظات المنابر، أو اسمارالجماعات، اوفي مختلف الوان الشعر وضروبه، وهو اكثر حديث العرب حتى ليكاد يكون كلامهم في كافة اغراض الحياة شعراً.
2- القلة في الكلام العربي من جهة عدد مفرداته، وذلك بالنسبة لكثرته الفاحشة في حياة الحضر.
فالعربي قلَّما يتكلم في نهاره اذ هو دوما يعمل ويسعى في حال يكون فيها كثير الالتفات لما حوله والاستيعاب له.
فاذا لج به السير وطال اعان نفسه ببعض الحداء من عذب الشعر ورقيقه.
وحديث العربي مع أهل بيته وولده لايتجاوز الغرض المطلوب من عمل تقضيه الحال.
فإذا وقع خلاف فالجدل فيه اوضح من ان يتسع للمهاترة.
ذلك أن أحزم الفريقين سرعان مايستل حجته,وان بقية الحزم في الفريق الآخر انه لايكابر في الحق اذا وضح له، ولايجحده, فاذا مابركت الابل بعد السرى او السفر، ورفعت عمد البيت،
ووضعت القدور على الآثافى، كان في قضاء حاجات العيش غناء عن الكلام ،إلا فيما يفيد ذلك في ابلغ عبارة، وانفذ إشارة.
فاذا كان السمر حول النار، او الاجتماع على مجالس القضاء والفصل في الخصومات، او التحلق لسماح خطب الزواج في معاقده، او كلمات الرثاء في محاشده، او عظة الرائد والامام عند الاصطفاف في كتيبة الحرب، او جماعة الصلاة - فان مايقال في هذه المناسبات من صادق الكلام لايتجاوز الحد في تناسبه مع العمل الدال عليه، او الخير المنشود به، بحيث ان كل كلمة من هذا الكلام تقع في موقعها من جبين العمل الذي تشير اليه، فهي لاتصغره ولاتكبره، وإلا سقط قدر القائل، وشهد مصرع كلامه امام عينيه، اذ تتأبى اسماع العرب على الكلام ان كان كاذباً او مرتضخاً او فضفاضاً.
ولذلك فان آية بلاغة الكلام عند العرب ان يأخذ القول البليغ مجراه دراكاً في ألسنة العرب جميعاً، فهو لا يزال يتدفق كالسيل بعد قول قائله، جارياً من السنتهم في لسان واحد,فالعرب قد جعلوا كلامهم على قدر عملهم، وبذلك حددوا بلاغته,فهم لايجاوزون الطاقة في الكلام عن العمل، ثم هم لايبخصون الاعمال الطيبة حقها من الخلود بكلام تزدان هي به ، ويعمر هو بها.
3- العرب لاتسجل حكمتها وإنما ترويها لانها خرجت بكلامها الكامل بمراحله من طور (الفكرة المضمرة) الى طور (العمل المعلن).
لقد ارتقوا بحرية النفس والقلب والعقل واليد عن هذا الطور التفكيري الذي يلجأ الحضر اليه في محاولة تصوير نوازعهم، وتحديد اغراضهم، وجمع شتات قواهم باجراء القلم على القرطاس في كتابات وافتراضات وفلسفات لانهاية لها.
العرب قد تجاوزوا عملية التفكير الى وعي الغرض المقصود به حيث نجد ان فكرة العرب قد خرجت وظهرت في كلامه، واندمجت وسطعت في عمله, ولذلك نلاحظ ان مرحلة الكتابة عند العرب تأتي بعد الكلام، والكلام لايكون إلا عن عمل تم فعلا، او عمل صار على وشك التمام، فلا يكون الكلام عنه إلا بارقاً من بوارق تمامه، وإشارة لموضعه الظاهر من اعمال الآخرين, اما الحضر فيفكرون ويكتبون غير الذي يتكلمون ويعملون.
فالكتابة عندهم ليست إلا محاولة مكدودة مستمرة يتذكرون بها ما هم فيه من الخطأ، ويسطرون عليها ماكانوا يأملون من الصواب,, او يتعزون عما يعجزون عنه من الصواب.
وليس ابلغ من احساسهم بسخف مايكتبون ان ملاحمهم واقاصيصهم وتمثيلياتهم لو قرأها القارئ علىجماعة منهم لملوا انفهسم، ولمل هو نفسه منهم، ولمل كل منهم صاحبه.
ولذلك فهم يستعينون على إنشاد الملاحم بالغناء وبالخمر في جوقات من الرجال والنساء المخمورين في اعيادهم، ثم هم لايبلغون من هذه الملاحم غرضاً ولانهاية.
كما يستعينون في قصصهم المسرحية الناطقة بالاضواء والموسيقى والبذخ في الثياب والأثاث، وبكثير من حيل الإخراج التي حذقها المتأخرون، حتى يهدئوا من ثائرة الفطرة الحبيسة اذا ماثارت في بعض الناس على هذا اللغو المسترسل بغير طائل.
اما كتب فلسفتهم وحكمتهم وقصصهم الطويلة المسرودة فان رفع الصوت بها ذاهب بالعقل حتما، او مضيع لمتعة القراءة إذا انفرد القارئ بنفسه مع بحران هذه الاحرف والجمل المتبرجة له - بوسواس المؤلف - في الاماني المتخيلة، وفي الاوصاف والإشارات الخفية، وفي الرموز والتشبيهات والحيل العقلية، وفي الاوصاف والإشارات الخفية، وفي الرموز والتشبيهات والحيل العقلية التي يحذقها القصاصون، المعتقون للخمر، والبارعون في الغواية.
فالكتابة الأدبية إذن لم تبلغ الى اليوم عند الحضر- ولن تبلغ - هذه المرحلة المأمولة عندهم بان تتحول انفسهم بها من خفاء (العمل المتصور) الىعلانية (الفعل الحاصل) الذي تستعذب الالسنة بعده عملية النطق لا الكتابة، ذلك لان الانفس الناطقة تكون قد احست كلامها واستوعبته وآمنت به في فعل مشرق كما كان شأن العرب في بيانهم الحي، وعملهم النافذ.
4- العرب بفطرتهم امة الدعوة للدين الحق: فالعرب لهم طريق واحد في الحياة هو طريق الآباء، ونهضتهم الإسلامية لم تكن إلا امتداداً للحق والمعروف على هذا الطريق نفسه (ملة أبيكم إبراهيم) فموضوع الدعوة الجديدة عندهم مستمد من موضوع الدعوة السابقة دائماً, ومجهود العمل لكل يقظة عربية هو مجهود الكشف عن آثار الطريق القديم، ثم تحديد جانبيه بالعلامات الظاهرة، والمؤشرات الهادية، حتى إذا سفت الرياح علىعمل المجددين فصار قديماً، نهض غيرهم الى ذات الطريق فأبانها، وكشف عنها، ورفع عليها العلامات والآيات ,,, فعل الأجداد.
وثمة الامر العظيم في نجاح الدعوة بين العرب وهو سرعة انتشار الرأي بينهم اذا ما استعلن الحق فيه، ووضح النهار في جبينه, وهي سرعة تتجاوز الريح والبرق الخاطر اللماح، على رغم ماقد يبدو للنظر السطحي من صعوبة المواصلات في الصحراء، وعدم وجود الصحف، ومحطات الإذاعة، واساليب الدعاية المختلفة من قصص وتمثيل وموسيقى، وصور اخبارية، او صور هزلية,, الخ.
ففي الصحراء العربية توجد للحق جذوة متقدة في كل قلب,, فاذا ما غطاها الرماد حينا فان رياح الدعوة المبينة تكفي اذا مرت بهم خفيفة او كالاعصار ان تكشف في قلوب العرب عنها, وهذا امر عسير المسالك في حياة الحضر، فالدعوة الى الدين الحق ظهرت في اكثر الحضارات السابقة اشبه ماتكون بمحاولة إدراك ما لا وجود له في نفوس الجماهير المقهورة التي لاتعرفه، والتي تشكو الظلم بسبب عجزها عن تصوره، بل عن احتمالها اعباء هذا التصور له على طريق الالتزام الكامل والصريح به.
فالعقل العربي الذي يحتفظ على الدوام باستعداده لوعي الحق في اوسع مجال الوعي، هو اساس هذا الاختيار التاريخي الذي اختار الله به العرب لرسالة الدين الحق: بينهم، واليهم، ومنهم بغير اكراه الى غيرهم، وليس للعرب عضد ووسيلة الى ذلك إلا قوة فعل (الكلمة الصادقة) التي هي الحجة في انفس السامعين علىقيام (العمل الصادق),, هذا العمل الذي هو بطبيعته البرهان بغير لجاجة على صدق الكلمة,وصدق الرسالة,, وصدق الإنسان الذي نذر لها نفسه ابتغاء وجه الله.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
تغطيات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved