Wednesday 23rd June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 9 ربيع الاول


وقفات تأمل مع مساحة للتنمية - شاهد عيان
حمد بن عبدالله القاضي

** لا أدري
لماذا أكره التنظير في ميادين الحياة كلها، وعلى وجه الخصوص في مجال الادارة وأداء الأعمال؟!
إنني اؤمن أن الادارة موهبة وفن واقتدار وإخلاص وأمانة قبل ان تكون علماً وتنظيراً في الكتب واحاديث في المجالس.
ترى,!
كم من الأكاديميين وعلماء الادارة من يتحدثون ويقدمون النظريات تلو النظريات عن النجاح والتفوق والعمل الاداري وادارة الافراد,, لكن لو خاضوا التجربة لوجدوا أن حساب التنظير لم يتطابق مع حساب بيدر العمل والتنفيذ؟!.
وقد ثبت ذلك على أرض الواقع فكم من مختص في الادارة له نظرياته وطروحاته الفكرية الرائعة,, لكن عندما تولى العمل الاداري لم ينجح بل اخفق في تجربته العملية.
وكم -من ناحية اخرى- ظللنا ننتقد المسؤول التنفيذي الذي لم يعمل ولم يحقق ولم ينجز,, على حد فهمنا، لكن لو جلسنا على كرسيه لربما عذرناه عندما نعرف ظروفه والعقبات التي واجهته، وقد قال المتنبي قبل ألف عام:
لا تعذل المشتاق في أشواقه
حتى يكون حشاك في أحشائه
وقد صدق كثيراً.
من هنا,,!
فإنني لا أحرص على قراءة الطروحات النظرية الادارية سواء جاءت عبر كتب او مقالات.
لكني احرص كثيراً على قراءة الطروحات الادارية الكتابية التي تجيء نتاج تجربة من معايش، ومن ممارس للعمل، لان مثل هذا الرجل يكتب سطوره ويطرح آراءه من واقع معايشته للعمل، وهو يطرح مثل هذه التجارب بكل سلبياتها وإيجابياتها وبكامل نجاحاتها ومعوقاتها,,!
لهذا نجح كثيراً كتاب د, غازي القصيبي حياة في الادارة !
* * *
** وأحسب ان الكتاب الجديد الذي فاجأنا به سمو الأمير خالد الفيصل امير منطقة عسير مسافة التنمية وشاهد عيان سوف يحقق هو الآخر نجاحاً,, ونجاحاً كبيراً,!
إنه بقدر ما ان هذا الكتاب ممتع في اسلوبه وصياغته فهو كتاب مفيد جداً لكل قارىء واداري لان المؤلف سكب فيه تجربته وهو يخوض غمار التنمية في هذا الوطن وفي منطقة بدأ معها ابجديات التنمية اذ كانت منطقة بدائية شأن اغلب مناطق المملكة حتى اضحت - بعطاء القيادة الرشيدة - وبإدارة رجل تنفيذي مثل خالد الفيصل تضاهي كبريات المناطق في بلادنا.
لقد قضيت ساعات ممتعة مع هذا الكتاب، وعشت وقتا اخاذا ما بين سطوره التي تخللتها نسمات الساعات الاخيرة من ليل الرياض الجميل وعبق الكادي من سودة الجنوب فالتقى عندها في تلك اللحظات عبق نجد وورد الجنوب .
***
** انني بعد قراءة هذا الكتاب الوثائقي كانت لي هذه التأملات والانطباعات والوقفات:
* أولها: ان هذا الكتاب اسهم - فعلا - في تسجيل جوانب مهمة من معجزة التنمية بين جنبات هذا الوطن، وقد قدم المؤلف منطقة عسير أنموذجا وتجربة حية على نجاح هذه المسيرة المباركة ومنجزها التنموي وتخطيها العقبات المادية والمعنوية ، شارحا ومبينا هدفه النبيل من هذا الكتاب من خلال ما جاء في مقدمة الكتاب ص 18:
يراد من هذا العمل ان يكون مرجعا لواقع التنمية السعودية في العصر الحديث امام الدارسين والعاملين، واحاد المواطنين، ووجدان المجتمع السعودي الذي نهض بالمهمة على خير وجه، بقيادة واعية مبدعة خططت، ووجهت، وأصرت على النجاح ثقة بربها، وإيمانا بكفاءة شعبها، فكان لها ما أرادت.
وهدفه ان يستقر في ذاكرة الامة، وضميرها الوطني، ابعاد تجربة التنمية في هذه البلاد، ثمرة للتحالف الخيّر بين الحاكم المحكوم .
* ثانيها: وفاء المؤلف لقادة هذا الوطن بدءا من المؤسس الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- الذي وحّد البلاد وأرسى الامن، ووضع اسس بناء المملكة,, ثم انساب نهر الوفاء من قبل المؤلف نحو الملوك الراحلين: سعود، وفيصل، وخالد - يرحمهم الله - وما قدموه من جليل الاعمال اثناء قيادتهم لمسيرة البلاد، ووصولا الى خادم الحرمين الشريفين الذي قاد ويقود مسيرة التنمية العملاقة في هذا الوطن، يعاضده سمو ولي عهده الامين، وسمو النائب الثاني.
كانت شهادة المؤلف لكل واحد من هؤلاء القادة شهادة حق وعرفان ووفاء من رجل تنفيذي ناجح كان موضع ثقة قيادته.
* ثالثها: توقفت كثيرا عند حديث المؤلف عن تجربة التنمية المتميزة في هذا الوطن، ولقد اجاد كثيرا وهو يتناول جوانب تميز هذه التجربة التنموية الرائدة على مستوى العالم في هذا العصر, وإن كل منصف ليجزم - مع المؤلف - ان تجربة المملكة تجربة نادرة فعلاً.
لقد استطاعت ان تأخذ بأقصى درجات التقدم الحضاري في ذات الوقت الذي حافظت فيه على ثوابت دينها وقيمها.
لقد وصفت تنمية المملكة ذات مقال بأنها حضارة جمعت في تناغم اخاذ بين منارة الجامع ومنار المصنع، بين سنابل القمح واغصان القيم .
وكم شدني المؤلف كثيرا وهو يتحدث بثقة السعودي المؤمن المعتز بدينه عندما رد على من يعتبرون الدين عائقا امام التنمية فقال -لا كسر الله له قلما- ص 22:
دأب منظرو التنمية على اعتبار الدين من اهم عوائق التنمية - ان لم يكن اهمها على الاطلاق - وربما ذهبوا في توجههم هذا الى الصراع الذي يقوم عادة بين دعاة النهضة وبين انصار الجمود الذين يسيئون فهم الدين، ويصرون على بقاء الحال على ما هو عليه، رفضا لأي تغيير في أي اتجاه.
اما هنا في المملكة فلا يمثل الدين عائقا ابدا، بل على العكس من ذلك اكد الدين الاسلامي النظرية الازلية بأنه صالح لكل زمان ومكان، ودفع بالناس دفعا للأخذ بأسباب الرقي تحت لوائه.
والتفاعل بين الدين الاسلامي وحركة التنمية هنا يُحدث دائما اثرا ايجابيا مزدوجا على الجانبين، فسفينة التنمية تجري وعين الدين تحرسها، وتأخذ بها بعيداً عن الامواج العاتية، كما ان رحلة السفينة تسير في اتجاه خدمة الدعوة ونشرها، وتأكيد صحيحها من خلال حركة التعليم، والتثقيف ، وتربية الانسان السعودي، وتنميته على المنهج الشرعي .
وها نحن نرى تنمية المملكة ماثلة امامنا: تنمية شاملة رشّدها الدين الحنيف الذي يأمر بالأخذ بأسباب التقدم مع الحفاظ على ثوابت العقيدة وأخلاق الناس.
إنها تنمية رائدة - فعلا - وفّقت بين متطلبات الروح ورغائب الجسم.
وإن تجربة المملكة التنموية تستحق - فعلا - ان تُدرَّس على مستوى مراكز البحوث في العالم، وإننا لنفخر بتقديمها لهذا العالم من حولنا.
ولعل هذا الكتاب اسهم - فعلا - في تقديم معالم بالغة الاهمية في معادلة التنمية على هذه الارض المعطاء بقيمها ورجالها ونفطها معا.
* رابعها: لقد تميز هذا الكتاب بتلك اللمسات الجميلة التي اسماها المؤلف وقفات وبدأ بها فصول الكتاب وهي قصص واقعية قصيرة جاءت مداخل او بالأحرى مفاتيح مشوقة وممتعة عند البدء في قراءة كل فصل، وبقدر امتاعها فإن لها دلالات عميقة، ومن أهم ما تشير اليه، وتدل عليه، تفاعل الانسان السعودي مع برامج التنمية وفرحه بها.
ودعوني انقل - كأنموذج فقط - هذه الوقفة الجميلة التي وردت في بداية احد فصول الكتاب: سألتُ المواطنة التي حان دورها في مجلس النساء عن شكواها فقالت: ليس لدي شكوى، ولكني نذرت من زمن بعيد، وآن الاوان لتحققه لي.
أخفيت دهشتي واستوضحتها الامر فاستطردت تقول: اول سنة جئت الى عسير، ونزلت تهامة، كنت أقف أمام شباك منزلي في محايل، احمل صغيري المريض، فهتف - وهو يبكي - أريد (بشت) الامير, وقتها قلت له: اذا عافاك الله، وكبرت، ازوجك - ان شاء الله - في بشت الامير.
وها هو ابني قد بلغ مبلغ الرجال وحان موعد زواجه، وجئت اليك أطلب الوفاء بنذري,!
***
* خامسها: لقد وفق المؤلف كثيرا عندما دعم كتابه بالوثائق من الاحصائيات الدقيقة الى الخطابات القديمة والجديدة وكلها تشير بالحقائق والارقام الى عطاء وجهد ومتابعة قادة ومسؤولي هذا الوطن لمسيرة التنمية حتى استوت على سوقها نماء عمرانيا ومنجزاً حضاريا.
ولقد جعلت مثل هذه الوثائق من هذا الكتاب كتاباً وثائقيا وليس فقط حديثا عن تجربة عملية ناجحة خاضها المؤلف على مدى يزيد على ربع قرن.
أخيراً,, دعوني أتوقف ولا أسترسل في الحديث عن هذا الكتاب اذ لا أريد ان اسلب المتعة من عيني ووجدان قارئه.
وبعد,!
ان هذا الكتاب جدير أن يقرأه كل اداري، وكل مواطن معني بشأن التنمية في هذا الوطن.
انه كتاب يستحق القراءة، معلومات واسلوبا ووثائق،
وقبل ذلك وبعده، كتسجيل لتجربة تنموية رائعة بإنجازاتها، كما هي رائدة بتميزها.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
تحقيقات
تغطيات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved