نبع الرمان نبع الرُّمان إعادة الكتابة مرة أخرى د, أحمد الشويخات |
نبع الرُّمان رواية
أحمد الشويخات
دار الكنوز الأدبية - بيروت 1419ه - 1999م
يرى الشاعر الروائي الإنجليزي د, ه لورنس أن الرواية هي كتاب الحياة المشرق، إن الكتب ليست حياة، إنها مجرد اهتزازات على الورق، ولكن الرواية كاهتزاز تستطيع أن تجعل الإنسان الحي كله يهتز، وهذا مالايستطيعه الشعر أو الفلسفة أو العلوم أو اهتزاز أي كتاب آخر,, ولهذا فقد قرر ان الروائي ارفع من العالم والفيلسوف والشاعر لأنهمينتهون عند أطراف اصابعهم! .
ولكن الرواية كما هو معروف تفتقر إلى نظرية محددة تقوم عليها وذلك ما يعاب عليها ويحمد فيها في آن، بالنظر إلى براعة الروائي وتمكنه من حرفته السردية، وإذا لم تتكئ الرواية على قضية كبرى فلاشك ان مهمة الروائي تأخذ في التعقيد وتعذر الانكتاب، ويجد كبار الروائيين لذة في تحدي القضية وفي صنع قضيتهم الخاصة من لاشيء تقريباً، وربما يهمز القارئ في احيان لتنبيهه على مغزى الرواية واقعياً كان أم فانتازيا مثلما تحادل نبع الرمان أن تفعل لأن الإصرار على إيجاد راوية حقيقية من بساطة الايام الغابرة برؤية تاريخية مبسطة وواضحة، هو في الواقع مبرر للندم علىالضجيج الذي سببه النفط والهدوء الذي بدَّده التقدم وهو ايضاً جرأة على تكنيك خاص عرضة للانفلات وإعادة التشكل في آية لحظة.
الإهداء إلى اولئك الذين لم تطمنهم الآلة والذين عاشوابسطاء ومضوا بدون ضجيج يؤكدما يتبادر إلى الذهن من أن الرواية تحاول إيقاظ الإنسان الذي لم تستعبده التقانة، ولم تذب ملامحه البشرية صنوف من المخترعات المستحدثة، لأولئك الناس كان ذلك الإهداء، ويمثل إنسان نبع الرمان اخاً شقيقاً لإنسان كونستانتان جورجيو في روايته الساعة الخامسة والعشرون إذ يخاطب الإنسانية في نداء شفاف وسط امواج من جماجم الحرب العالمية واشلاء ضحاياها، ولكننبع الرمان تمثل الشبيه والند في انسجام فلسفي عميق حيث تسائل الإنسان وتحكي عن السلم بكل تجلياته، فلا قتل ولاحرب ولادماء ولا مشكلات كبرى، كل ما هنالك بحر أزرق واسع، وسفن لصيد اللؤلؤ، وقرية المحار الهادئة البريئة,, إنها البساطة والوداعة بإزاء الحروب والدمار، وبالنتيجة فإن الإنسان يجب أن يستيقظ في حال من المعايشة المزدوجة لمتناقضاته المتطرفة,, بين الحرب والسلام هناك إنسان .
وإنسان الشويخات هو مزيج من المتناقضات التي تطفو على سطح اليوميات والعاديات فهو ينظر إلى شخصياته من الخارج كما يحدث ان يقيها ويعرفها ويحكم عليها من يعايشها، إنه لا يتدخل في ماورائيات او يجري ديالوجاً داخلياً، ولا يتعسف في إيجاد تأويل نفساني لاختلاجات الشخصية داخل عمله الروائي، لأن الانسان من الداخل عمل القارئ الحديث الفاعل في النص.
احداث الرواية لا تقول شيئاً جديداً فالصراع التقليدي بين اللبناوي الغني وعباس الخاسر الفقير، موجود في الذهن سلفاً، وكذا الأحداث المألوفة والمتوقعة التي صنعت يوميات القرية وصبغت الرواية بمظهر الحدوتة اوالحكاية الشعبية ، لكن الجديد فعلاً هو ما سكتت عنه الرواية,, إن المسكوت عنه في نبع الرمان هو السؤال الحقيقي الذي ينبغي توجيهه إلى الرواية.
التقانة في الذهنية النمطية للقارئ هي النفط في حالة نبع الرمان ولايمكن طرحها بإزاء مدن الملح فليست لها ملحميتها وإن كان للشويخات شاعرية منيف، وتتناول نبع الرمان مرحلة ما قبل بينما كانت مدن الملح لمرحلة المع ، ولعل هذا مايغسر انكشافية الرواية، فهي بقدر ما تجهد في الرمز والدلالة بقدر ماتطرح نفسها بكل تلقائية بين يدي القارئ، ولذلك فإن الروائي يسجل تجربته الخاصة بهذا الجانب حين يقول: رغبت ان انبه نفسي قبل غيري إلى مصادر الشرور الفتن، فكانت النتيجة اني بدأت- بطريقة مباشرة وغير مباشرة اعظ الآخرين ناسياً او متناسياً نفسي في فورة الخطاب وزحمته,, .
وتتيح نبع الرقان فرصة أخرى للمهتم بالنقد الروائي لكي يطرح سؤالاً على اعمال روائية كثيرة: فلماذا اصبحت الشخصيات تتمرد على الراوي وتخرج عن طوعه لتفرض وجودها في النص؟ تعيد إلينا نبع الرمان التفكير في ماطرحته الغيمة الرصاصية لعلي الديني، فوضى الحواس لأحلام مستغانمي، وإن كان الشويخات يطرح مفاجأة حينما يضيف فيما يشبه الفصل حكاية مسودات الرواية التي انتهت في أصلها عام 1989م ثم جرت عليها تعديلات وتبديلات من المسمى إلى الأحداث والشخصيات، بل يفاجئ القارئ اكثر حينما يحمله مسؤولية المخطوط الضائع الذي كتبت الرواية بحثاً عنه! ، ولك ان تتساءل بعد قراءة الفصل الثامن لماذا أصر الروائي على ان يشركك في صنع احداثها وقراءة وثيقة الميلاد وتفاصيل عملية المخاض السردي؟
بحثاً عن مخطوط كتبه معلم في القطيف عام 1900م وله قيمة اجتماعية وربما سياسية كبيرة الشويخات يكتب روايته الأولى، ويمكن القول إنها لارواية بعد قراءة آخر صفحاتها القليلة حيث يستطيع القارئ ان يعطي للنص شيئاً آخر،
او يقدم لذلك العالم الروائي افتراضات لا يكف الخيال الاجتماعي عن تصورها او تبني صيغ جديدة لها,.
|
|
|