قال الحاكي وهو من حال زمانه ضاحك باكٍ:
كان أربعة المسافرين حمد والجني حُني والساحرتان هلكوته ووردانة وخامسهم الجمل المعصوب العينين الذي لو كشفت عيناه لمات فرقا مما يراه في وادي العجائب المسمى وادي الساحرات,, كانوا يسيرون حيث ينحدر الوادي باتجاه مفصل الأرض الذي يخرجهم من بلاد الجن الى ديار الإنس,, ولم يكن على الجني حني ان يصير دليلا هذه المرة فالساحرة وردانة تعرف الطريق كل المعرفة ولكن عليه ان ينفذ وصية شيخه بايصال حمد المبتلى الى المدينة لينقل وصية شيخ الألف الى ابنه حنحون المقيم في ديار غير دياره,, والعاجز عن الخروج مما هو فيه من كرب بسبب حبه لبنت الوالي كما ذكرنا وكانت الصدفة وحدها قد حرست بنت الوالي من تلبس الجن كما سنعرض له في حكاية المدينة.
قبل المسير كانت الساحرة وردانة قد طلبت العفو من غريمتها الساحرة هلوكتة ووافقت الأخيرة عندما توسط حمد ورفيقه الدليل فاشترطت ملكة جمال الساحرات هلكوتة ان تكون وردانة وصيفتها في المسير تعبيرا عن اعتذارها امام عيون الفضوليين من ابناء الجن وألا تعود للشجار كما كان الأمر يوم حفل الساحرات والذي اضطر كل منهما أن تمزق ثوب الأخرى,, وبالمقابل فكت سحرها عنها فلم تعد حولاء حولا ثمانيا وعاهدتها وردانة ألا تمسخ فيلا بينها وبين حبيبها حتى لا يسعدان بالقرب كما كانت نيتها,, أما حمد بن بهيج فقد نفعه سحر هلكوتة وخفت لواعجه من الحب وخفت عن عينيه الغشاوة وصار فرحا بجمالها بانتظار يوم المنى يوم يتزوجها في عالم الإنس,, فقنع بمواصلة رحلته ووعدته ان تعينه بألطافها السحرية ما كان ذلك ممكنا.
كان الجميع يتجهون سريعا مع انحدار الوادي المحاط بالكهوف المخيفة لكن المهم ان عليهم ان ينعطفوا الى نبع المخلدين وهو النبع الأثيري والذي ذكرنا ان به إكسيرا يعطي الشباب لمن سئم الكبر,, وهذا إلإكسير يشبه الماء الخفيف,, وكان حارس الإكسير يشترط غطاء لمن يريد ان يغتسل,, وحني فكر ان يقدم له طوق الحديد الذي يلبسه عندما يتجسد لكن حارس بركة اكسير المخلدين لا ينقصه الحديد وعندما وقف الجمع لم تكن المرأتان وردانة وهلكوته بحاجة للخلود لأنهما استحمتا بالإكسير قبل ذلك,, ولم يكن الدليل حني بحاجة للسباحة لأنه أصلا من الجن.
كان الحارس بعمر شاب حدث لم يتجاوز السادسة عشرة مما أوحى لحمد أنه قليل المراس,, وكان المكان مبنيا بفسيفساء الياقوت المطعم بالذهب عليه شذر من الماس وعلى الزائر ان يخطو على أرض مفروشة باللؤلؤ الى ممر من الكريستال الممرد النقي الذي يحيط حوض الإكسير وكانت على الجدار عبارة مكتوبة بخط عربي مبين تقول اكسير الشيخ الكبير ابوعمير وهبه بعد رحيله لقصيري العمر من الإنس جزاء لهم على إنقاذ حياته من الوحوش.
وذكر تاريخ الهبة بالزمن الفا ومائة زمن وزمنان واذا هو عشرات الآلاف من السنين,, قال له الشاب هذا الشيخ كان جدي العشرين,, والجن تعرف أن هذا ميراثي ولذلك أنا أطلب شيئا مقابل دخولك قال حمد وان قلت أني لا أملك شيئا؟ قال اذا فاذهب لرفقتك ولا تقترب من المكان,, ولأن حمد تعلم عدم التبذير من ليلة الحفلة فقد عمد الى اخراج جوهرة من خرجه الذي لم يفارق كتفه,, عندما رآها الحارس كاد يغمى عليه من انبهاره بجمالها,, وقال رويدك يا أخا الإنس هل تعطيني هذه وأجعلك تستحم في الإكسير ما تشاء,, قال حمد نعم هي لك قال الشاب اليافع وسحنته لا تشبه سحنة الجن الذين رآهم حمد:
اعطنيها وتفضل الى بركة إكسير الشباب الدائم ولكن احذر شرب السائل فإنه يهلك من شربه,, قال حمد وأين المرآة لأرى نفسي بعد السباحة؟ قال له الحارس المرآة؟ ألا تعلم أن المرايا تقتل الجن يا أحمق ولكن لا تخف ستكون من أوسم الفتيان في بلدك في حوالي الرابعة والعشرين وان أردت غير ذلك دللتك عليه,, ولكن اسمح لي قليلا بينما تستحم أن أذهب لبعض شأني,, عندما ذهب الحارس الى عمق الكهف المضيء لم يصبر حمد فأخرج قنينة عطر من خرجه وأفرغ عطرها وملأها من إكسير المخلدين,, ثم أنه غطس فأحس بلذع عجيب على جلده وما لبث ان عمه خدر جميل ثم بدأ جلده ينسلخ مثلما ينسلخ جلد الثعبان فخرج وحفظ القنينة التي ملأها بالإكسير وجلس على مسطبة من قطعة كبيرة من بلورة بدا له انها الماس بانتظار الحارس.
نظر حمد الى طرف شعر رأسه ولحيته فإذا هما بين حمرة الجمر والسواد,, وأخذ خرجه وخرج من الكهف ليجد رفاقه بانتظاره وعندما رأوه تهللت أساريرهم فقد اصبح أوسم شاب رأته أعينهم وقالت وردانة بنفسها هذا الشاب يصلح لهلكوتة لكني لن أدع حبهما يدوم فسوف أفرقهما حالما أصل الى داري ومخازن مستحضرات أسحاري وأسراري ودار في ذهنها ان تفرقهما رغم عهدها وصلحها مع هلكوته الذي ذكرناه,, ومن ذا يأمن ساحرة؟
أما حمد فقد كانت يده في خرج طعامه الذي أوشكت ان تنفذ تمراته وخلت قربته التي على ظهر الجمل من الماء لكنه كان فرحا بالإكسير لأنه يريد ان يعيد أبويه شابين ولهذا حكاية ستأتي بإذن الله.
***
قالت وردانة - وهي أكبر الجميع عمرا حيث أنها عاشت ألفا زمن بحساب الجن تحت الأرض - يحسن ان نخرج الى الأرض قبل سفح الهوة القادمة لأن الجمل لا يمكن ان يعبر الطريق المحاذي للهوة,, ثم انه ليس معنا نحن بني الإنس ماء ولا طعام,, لكن حني اعترض وقال انه لا يريد أن يخرج لأن عليه في هذه الحالة ان يتلبس جسد الجمل,, ثم انه يريد اختصار السفر من اسفل الأرض فهذا أقصر الطرق,, ووافق الإنس الثلاثة على رأي وردانة بالتصويت الحر,, فكان على حني ان يتلبس الجمل قبل وقت الصعود الذي تبين لحمد أنه أصعب من الهبوط وقبل الصعود كان عليهم ان يعبروا وادي الزمن وهو منطقة فاصلة مثل البرزخ فانعطفوا انعطافا آخر ليخرجوا من وادي العجائب الى وادي القرود ومشكلة وادي القرود أنه متاهة لا يجتازها الجن فما بالك بالإنس,في وادي القرود يعلو صوت تكات الساعات ورنينها بين آن وآخر وهو رنين لا هدف له لأن الزمن في المتاهة ضائع فجزئياته لا تحتسب مثل ظرف للمكان الذي تجمد فيه الحدث منذ سنين طويلة وهذا ما جعل الكثيرين يحسبون أنهم في متاهة وجودية لأن العلاقة بين جزيئات الزمكان معدومة وعليه فالأبعاد مختلفة في كل قياس.
أحسن حمد المبتلى بغربة الزمان من اللحظة الأولى التي وطىء بها الوادي المعروف بوادي القرود أو المتاهة، وكان على سفح الجبل تماثيل لعدد كبير من القرود المنحوتة يشير كل منها باصبعه الى اتجاه وقصتها: ان الإدلاء القدامى من الجن كلما وجد أحدهم طريقا بالمصادفة حسبه الطريق الصحيح ونحت تمثالا لقرد يشير بأصبعه الى الاتجاه، ولأن التغير هنا يصيب الزمان والمكان فلا دليل يستطيع تعيين طريق في متاهة الزمان والمكان ولكنها اشارات يوحي بها الهاجس الشخصي تدل المسافر ولكن الساحرة وردانة عرفت ذلك في وقت متأخر أما حني فقدرته المكانية تلغي عنه فعل الزمن فهو يدل على كل حال بحس الجن الناري,سار الركب في اللا اتجاه الذي حددته وردانة وانعطفت بعد مسير عبر واد ضيق يحس الانسان بألم شديد في أذنيه اذا عبره بسبب صوت غير ممسوع يئز لينذر العابرين من البقاء لأن الانسان يصغر حجمه في هذا الوادي حتى يصير قزما ثم يتلاشى وهو ما قالته وردانة لرفاقها وحددت لهم سرعة العبور المأمونة,, عبر الجميع المسافة القصيرة التي كانت بمثابة الخروج من وادي تماثيل القرود.
انتهى المقام السابع ويليه الثامن بإذن الله.
|