دائما قريتنا هادئة,, بيوتها بسيطة مثل بساطة أهلها وطيبتهم النادرة؟ فهم يمتازون بحبهم للغريب والمبالغة في إكرامه وخلق شعور لديه بأنه فرد منهم, بيتنا جميل, متوسط الحجم, تحيط به حديقة, واسعة الأرجاء, غاية في الجمال والترتيب.
كان أبي يقول - كلما جلسنا بعد العصر في الحديقة: أنت يا باسمة,, وأنت يا علاء,, لكما ذوق جميل في تنسيق حديقة البيت,, إن من يشاهدها يظن أنني أحضرت مهندسا خاصا لتنظيمها,, لابد أنكما ستكونان ذات يوم عظيمين,.
فأضحك,, سعيدة بهذا الاطراء,, ويقول علاء لأبي مازحا:
وما ستكون أنت في المستقبل؟.
فتجيب أمي بدعابة: سيكون شيخا جليلا,, محني الظهر,, فتضج الحديقة بالضحك والتعليقات التي لا تنتهي أبدا.
هكذا كانت حياتنا سعيدة.
أبي في الصباح يذهب إلى عمله، وأخي يتجه إلى مدرسته، وأمي تبقى في المنزل لتوفر لنا جو الهدوء والراحة، أما أنا فأذهب إلى عملي كأي موظفة عادية، وعند المساء نعود لنجتمع ونتحدث عن أحداث اليوم السعيد,, وكنت حتى وقت متأخر من الليل اعتكف على الكتاب وأجد في القراءة دنيا جديدة، وحياة نتعلم منها أشياء كثيرة لا نتعلمها من الحياة نفسها.
وكانت في يدي قصة، عشت مع بطلتها احلاما وردية كأي فتاة مقبلة عندما دخلت أمي لتخبرني أن عقد زواجي قد تقرر.
وقع النبأ موقعاً مؤلما من نفسي,, وأحسست بدوران وغثيان ينتابني, وقد سرت رعشة شديدة في جسدي تولدت نتيجتها نار حارقة سرت في دمي، وراحت أمي في حيرة,, لا تدري ماذا أصابني,, وماذا تفعل ثم اقتربت مني تربت على كتفي بحنان تقول:
لماذا القلق يا بنتي,, إنه موظف، نشيط، جميل الخلق، قلت في ضيق: لا يهمني ذلك,, يهمني رأيي أنا في الشخص,, أخلاقه، انسانيته، رجولته، مستواه العلمي.
قالت: انتن يا بنات اليوم تفكرن بتفكير غريب عنا، ومع ذلك ثقي إن اخلاقه عالية جدا, وذلك ما حبب أبيك فيه, لماذا المستوى العلمي؟ إن السعادة يا بنتي ليست بالعلم، بل بالتفاهم والحب بين الزوجين.
وحاولت,, ولكن لم يكن بوسعي الاعتراض فأبي رجل له مكانته بين الناس، وأنا أحبه كثيراً.
وتساءلت ترى هل سأكون أكثر صوابا من أبي في الاختيار؟ وهل أشك بمحبته لي، وحينذاك توجهت إلى الله أن يجعل مني الزوجة الوفية.
وهكذا تركت بيت طفولتي إلى بيت الرجل الذي اختاره أبي، ورضيت به مرغمة.
ولكن ما أكثر ما تكشف لنا الأيام عن أشياء نحن نجهلها، وتزيل الستار عن أمور لا نراها بالرغم من قربها منا، فقد شكرت الله كثيرا على أنه الهمني العقل والصير والتصرف المتزن وعرفت ان السعادة ليست بالمال,, ولا بالعلم أو الشهادات,, بل السعادة التي يخلقها الزوجان بالتفاهم والثقة بينهما، والحب الصادق والتضحية، لقد وجدت في زوجي من خلال عشرتي معه السعادة التي كنت أتصور في يوم من الأيام أنها قد ضاعت.
|