Tuesday 15th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 1 ربيع الاول


شيء من الموضوعية يا قناة الجزيرة

إن من طبيعة النفس البشرية حب التغيير والخروج عن دائرة التكرار الممل، ولذلك نجد أن هنالك تجديداً للبرامج التلفزيونية في كثير من دول العالم، وكان من أكثرها قبولاً ظهور محطات تهتم بالأخبار ومتابعة أحداث العالم، حيث كانت قناة CNN من أوائل تلك المحطات التي اعتمدت هذا الأسلوب.
وقد كانت الساحة العربية تفتقر لوجود محطة خاصة بالأخبار والمقابلات ونحوها، إلى أن ظهرت قناة الجزيرة التي هي في واقع الأمر محطة BBC باللغة العربية، ولقد وجدت تلك المحطة رواجاً شعبياً على مستوى العالم لأنها اتبعت أسلوب البث المباشر، كما أنها تعنى بأمور يحتاجها المشاهد العربي قد لا يجدها في المحطات الحكومية الرسمية أو حتى المحطات المستقلة التقليدية.
إلا أنه ومن تجربة ثلاث سنوات أصبح واضحاً أن هذه المحطة ليست الضالة التي ينشدها المواطن العربي، فهي مع الأسف تبث مبادىء واصول محطة BBC في تفرقة الصف العربي الذي هو أيضاً من أهم أهداف أعداء هذه الأمة.
ومن أبرز الملاحظات على هذه القناة أن هنالك بصمات للخلفية السياسية والعقدية والنفسية لمقدمي البرامج، فيكون اختيار الضيوف مناسبا لتلك الخلفيات، بحيث يكون الهدف هو الإثارة وتأجيج الخلافات بين الضيوف، ولو تتبعنا معاملتهم لمهاتفي البرامج فإننا سوف نجد أنهم يعطون الوقت الكافي إن كان السائل متفقا مع طروحاتهم، أما إن كان غير ذلك فستجدهم يقاطعونه بحجة ضيق الوقت ونحوه.
ومن الدلائل على الانحياز في تلك القناة عدم تغطيتها لوفاة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز الذي كانت وفاته حدثاً كبيراً ملأ الدنيا وشغل أهلها، ولذلك عجزت الأقلام في كافة المعمورة عن الكتابة عنه وعن مناقبه، إلا أن قناة الجزيرة والتي (مع الأسف) أكثر مشاهديها من السعودية لم تفكر تلك القناة بتغطية ذلك الحدث الجلل وإعطائه ما يستحق ما عدا كلمات قليلة ذكرها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ضمن برنامج عام، ويا ليته لم يذكر ذلك حتى لا تحسب تلك القناة أنها من المسهمين في تغطية ذلك الحدث، في حين أنها على النقيض من ذلك نجدها تفرد برامج خاصة لأدباء مغمورين، بل لو تصورنا أن بابا الفاتيكان قد مات فسوف تعجب من تغطيتها لمراسم تشييعه وذكر مناقبه حتى تتحول مداخن الكنائس من السواد إلى البياض.
والاعتراف بالخطأ من مناقب الرجال، فنحن في هذا البلد لا نخلو من العيوب، ولكن لا يزال فينا خير كثير، ومع هذا فاننا نتساءل لماذا تحاول تلك القناة التركيز على عيوبنا - هذا إذا كانت وجهة نظرها صحيحة في إنها عيوب - وتنسى كل أعمالنا الخيرة, فالمرء يتعجب من تغطيتها لمساعدات النصارى للاجئي كوسوفا ولكنها لم تذكر إلا القليل النادر عن مساعدات السعودية ودول الخليج، فهذا الإنصاف جزء من حقوق المشاهدين في هذه المنطقة الذين هم السبب في واقع الأمر لنجاح تلك المحطة.
وهنالك مثل آخر: فإن زيارة سمو الامير عبدالله ولي العهد - حفظه الله - لبعض الدول العربية وما فيها من لم لشمل الصف العربي الممزق، حيث عرف سموه وعلى كل المستويات بالحماس والإخلاص الصادق لوحدة الدول العربية واتحاد كلمتها، ولكن ومن المؤسف أيضاً فإن المشاهد العربي لم يحظ بتغطية أو تحليل لتلك الزيارات الهامة، خصوصاً وأن بعضاً من مذيعي تلك القناة ممن يتشدقون بانتماءاتهم للقومية العربية، ولكن لا أدري لماذا كان هذا التهميش؟ هل هو امتداد لمبدأ محطة BBC في محاولتها لتفريق الصف العربي؟ أم أنه امتداد لترسبات في النفوس؟.
وختاماً وفي خضم عجز الكثير من المحطات الفضائية في تلبية حاجة النخبة فإن قناة الجزيرة لا تزال - على الرغم من سلبياتها - هي المهيمنة على الساحة الإعلامية في الوطن العربي, ومن هنا تبرز الحاجة إلى إيجاد قناة موضوعية تقدم برامج إخبارية جيدة ونقاشات سياسية وفكرية متميزة غير منحازة، بعيدة عن المهاترات، هدفها تثقيف المواطن العربي وتأصيل انتمائه، هذه القناة إن وجدت فإنها تحتاج أيضا منا إلى سعة الأفق وقبول الرأي الآخر والنقد الذاتي البناء الهادف إلى الإصلاح، بعيداً عن الأهواء والترسبات الفكرية التي مزقت صف هذه الأمة.
أ, د, عبدالقادر بن عبدالرحمن الحيدر *
* عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
مشكلة تحيرني
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
تغطيات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved