Wednesday 9th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 25 صفر


بين النظرية والتطبيق,, ورؤية الأمير سطام

قد يكون من النافلة الكلام عن الهوة العميقة بين النظرية والتطبيق في احايين كثيرة، فالباحثون يقدمون على كتابة توصيات في ختام دراساتهم، بخاصة التطبيقية منها، يحسبون انها قابلة للتنفيذ في الواقع وينحون بلائمة عدم التطبيق على الجهات التي تقع على عاتقها مسئولية التنفيذ والافادة من تلك التوصيات, في المقابل يزعم اهل القرار في الجهات المنفذة ان المشكلة تكمن في عدم قابلية توصيات كثيرة للتطبيق مما يجعلها محصورة في هامش ضئيل من الفائدة، وبدورهم ينحون باللائمة على المنظرين من هؤلاء الباحثين الذين لم يراعوا، في نظر المنفذين، الجانب التطبيقي وراحوا يسهبون في امور نظرية تعمل على بناء العوائق في طريق التنفيذ، وبين الفريقين يظل الجدل قائما لامنتهيا ومنه تنشأ فجوة عميقة من غير السهل ردمها او على الاقل تجسير المسافة بين ضفتيها.
لئن يجمع معظم العلماء على اهمية تحويل نتاجهم الفكري الى واقع عملي، فإن المنفذين في الدول الصناعية المتقدمة يجمعون ايضا على دور المنظرين الاساسي في ماوصلت اليه التقنيات التي سهلت امور الحياة وقللت من متاعبها,, ثمة تنظيم دقيق في هذه الدول، التي ينبغي ان تكون لنا قدوة في هذا الشأن، يقوم على اساس بناء علاقة وشيجة بين المنظرين من ناحية والمطبقين من ناحية اخرى، ونقطة الارتكاز في هذا التنظيم تستند الى كتابة مايعرف بآلية التنفيذ , فأهل الصناعة من خلال ذلك التنظيم يسعون الى ترجمة نتاج الدراسات والبحوث الى صناعات، غير انهم لايعتمدون فقط على فهمهم لتوصيات هذا النتاج النظري، وانما يعمدون الى استقطاب المنظرين آخذين برأيهم ومشورتهم في خطوات تنفيذ توصيات دراساتهم، وهي محاولة للتأكد من عدم تعارض منتجاتهم الصناعية مع الحقائق العلمية التي توصلت اليها تلك الدراسات، فضلا عن السعي لحقيق افضل ما يمكن تحقيقه في حقل الصناعة.
هذا مايحدث في الدول الصناعية المتقدمة، ولكن ماذا عن حالنا نحن في الدول النامية؟ سؤال يطغى الا ان الاجابة عليه يكتنفها نوع من التردد التنظيري , في واقع الدول النامية ثمة نمط تفكيري يحمله بعض صناع القرار في الجهات التنفيذية مفادة ان المنظرين يعيشون في ابراج عاجية الامر الذي يجعل توصياتهم في منأى عن الواقع بل لاتمت بصلة معه، وهم، اي المنظرون، بذلك لايدركون معوقات التطبيق والصعوبات التي تواجه الجهات المنفذة في تطبيق ما توصي به الدراسات, ورغم ان في هذا الطرح بعض وجاهة الا ان لب المشكلة يكمن في انهم، اي المنفذون، يعتبرون هذه النتيجة نهائية ويعلقون على مشجبها مسئولية عدم تطبيق نتائج الابحاث وفي نهاية الامر تبقى الدراسات حبيسة الادراج والرفوف لتنتفي الفائدة منها مع مرور الوقت, ولأن اولئك المنفذين يتسرعون في اصدار مثل هذا الحكم اما بسبب انغماسهم في بيروقراطية العمل اليومي او بسبب عدم قناعة بعضهم في دور الأساليب العلمية في الارتقاء بالأداء، والأخير هو الأشد خطورة, فهم بذلك يحبطون كل محاولات ردم الهوة التي تفصلهم عن المنظرين بوضع الحجج والذرائع ربما اسهلها على الدوام مقولة: ان الميزانية لاتسمح بتطبيق ذا او ذاك!! غير انهم لايحاولون من جانبهم الجلوس حول طاولة النقاش مع المنظرين لكتابة آلية تنفيذ للتوصيات بما يتلاءم مع الواقع، ومثل هذا النقاش في تقديري يمثل حجر الزاوية في التقريب بين الطرفين متى ماوجد الاصرار من المنفذين على الإفادة مما يجري من دراسات.
مادعاني للكتابة عن هذا الموضوع هو سؤال طرحه صاحب السمو الملكي الامير سطام بن عبدالعزيز نائب امير منطقة الرياض اثناء تجول سموه في المكان المخصص لدراسات اللجنة الوطنية لسلامة المرور إبان افتتاح المعرض المصاحب لحملة التوعية المرورية التي بدأتها ادارة التعليم بمنطقة الرياض قبل مدة تحت شعار :سلامة الطالب اولاً ، وفحوى السؤال اشارة سموه الكريم بعد ان ابدى اعجابه بالدراسات التي اصدرتها اللجنة في مجمل استعراضه لبعض منها حين قال: دراسات كثيرة ولكن هل تطبق هذه الدراسات ويتم الاستفادة منها؟ سؤال برغم طرحه في كلمات بسيطة الا انه يحمل في طياته معاني ودلالات عدة تنم عن سعة الافق لدى سموه وادراكه الواسع ووعيه التام بأهمية تنفيذ الدراسات, لقد لامس الامير سطام في سؤاله النير هذا جرحا نتمنى ان يندمل ويتمثل في صدود بعض الجهات التنفيذية ذات العلاقة بسلامة المرور، عن الدراسات التي يبذل عليها الكثير من الجهد والمال ويكون مصيرها الاهمال، فهي لاتنال حظوة من اصحاب القرار من المنفذين, ولايعني ذلك تبرير جانب الباحثين من تعمق بعضهم في جوانب نظرية لاتساعد على التطبيق، الا ان ثمة دراسات كثيرة في المقابل قابلة للتطبيق اذا ما لقيت الاهتمام من قبل الجهات المنفذة في تطبيق توصياتها، وهذه الدراسات كثيرة ومابرحت تنتظر نيل التفاتة من تلك الجهات.
لعلنا في الفترة المقبلة نرى تقارب بين طرفي هذه المشكلة من باحثين وجهات منفذة، خصوصا ان توصيات المؤتمر الوطني الاول لسلامة المرور اكدت على هذا الامر واولته عناية فائقة، فالهوة يمكن تضييقها بأن تحظى الدراسات والابحاث باهتمام مباشر من اصحاب القرار من المنفذين وليس ثمة مايمنع مشاركة الباحثين انفسهم في كتابة آليات تنفيذية لنتائج دراساتهم بعد اطلاعهم على الواقع والظروف المحيطة به.
*استاذ هندسة المرور والنقل المشارك رئيس اللجنة الوطنية لسلامة المرور

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved