أحيانا بعض الاجراءات التي تصنف في مفهوم القائمين على وزارة التجارة بأنها اجراءات عقابية رادعة القصد منها تأديب الفاعلين لعمل ما مخالف للنظام تأتي بعكس الاهداف المرجوة من العقوبات على الامدين القريب والبعيد بل تتعدى ذلك بكثير الى نشوء نتائج عكسية تماما للأهداف المطلوب تحقيقها، حيث تطالعنا الصحف المحلية على متون صفحاتها بين الفينة والاخرى ببث اعلانات تشهيرية مدفوعة القيمة بالكامل من قبل مرتكبي الجرم وبدفع قيمة الاعلان يستنفذ جزء من العقوبة الرادعة في ظن القائمين على وزارة التجارة، فقد هالني ما احتوى عليه احد الاعلانات من مضمون تحريضي على تفشي ذلك الجرم في ظني حيث احتل الاعلان قرابة ربع صفحة في جريدة صادرة من المنطقة الغربية فكان فحوى الاعلان عبارة عن صدور عقوبة تشهيرية وتغريم مبلغ مالي فكانت عناصر الجرم المرتكب اطرافها تتلخص في ارتكاب ثلاثة اشخاص منهم سعودي جريمة التقليد والتزييف لسلعة تجارية معروفة في السوق وقاموا بإيهام المستهلكين بتسويق ذلك المقلد من المنتج على أنه منتج أصلي واستعانوا بذلك بالغش التجاري باستخدام ملصقات وأكياس نايلون ووضعها في كراتين مطبوعة مقلدة تحمل اسم الشركة الاصلية تحمل ألوان وشعار المنتج الاصلي وتم طبعها لدى مطبعة معروفة مرخص لها على انها مطبعة عادية تقوم بتنفيذ العديد من المطبوعات المسموح بها، كل ذلك يأتي كي يسهل عملية تسويق وتصريف المنتج المقلد في الاسواق التجارية وتحقيق من وراء ذلك هامش ربحي كبير وسريع وحيث ان ذلك العمل ينطوي عليه افساد سلعة المنتج الاصلي بتقليده بمستخدمات اقل مما يقلل السمعة الكبيرة التي يحظى بها المنتج الاصلي بصفة عامة عند معظم المستهلكين للمنتج الاصلي، اضافة الى الخسائر الكبيرة التي لا تقف عند الاضرار بوكيل او صاحب السلعة الاصلية بانحسار تسويق سلعته في الاسواق لمزاحمة سلعة تجارية مشابهة لمنتجه بل تشمل ايضا القطاع الضخم من المستهلكين والذين ينفقون اموالهم بسخاء من اجل عيون تلك السلعة على انها اصلية ومن ثم يكتشفون بشكل او بآخر انها مقلدة وبهيئة متقنة مما يشيع مبدأ الغش التجاري عند العديد من ضعاف النفوس الهادفين الى حشو المادة بأي وسيلة لتحقيق مآربهم المشبوهة والمتنافية مع مبادئ التجارة الشريفة.
ويبقى لنا في هذا المقام الأهم وهو حجم العقوبات الرادعة التي اصدرتها وزارة التجارة تجاه مرتكبي تزييف السلع ونذكرها كما نص بها الاعلان التشهيري بمخالفة تجارية والصادر من وزارة التجارة وتنص العقوبة على الآتي (ولأن القيام بهذا العمل يعد مخالفة لأحكام نظام مكافحة الغش التجاري فقد صدر بحقهم قرار لجنة الحكم في قضايا الغش التجاري بمنطقة مكة المكرمة رقم 21/1418ه وتاريخ 23/5/1418ه القاضي بتغريم الاول والثاني مبلغ عشرة آلاف ريال والثالث والرابع مبلغ خمسة آلاف ريال واعلان العقوبة على نفقتهم الخاصة وحيث صادق معالي وزير التجارة على قرار اللجنة المشار اليه وان يتم نشر هذا الاعلان في احدى الصحف المحلية، ووزارة التجارة اذ تعلن عن هذا لتأمل من كافة التجار التقيد بالانظمة التجارية وعدم مخالفتها حتى لا يعرضوا أنفسهم للعقوبات النظامية) انتهى اعلان وزارة التجارة ونوضح ان المرتكب الاول والثاني قاما بطبع كراتين وملصقات وأكياس نايلون مقلدة تحمل اسم الشركة الاصلي وتم طبعها لدى المطبعة المذكورة بمساعدة العامل الطرف الرابع وقاموا بتعبئة هذه الكراتين بمنتج مغشوش ليس من انتاج الشركة، فهل العقوبات التي اوقعتها وزارة التجارة في هؤلاء الغشاشين عقوبات رادعة اذا سلمنا بذلك كعملية حسابية فكم جنوا من وراء ذلك من اموال وكم سوف يدفعون منها لوزارة التجارة فالعقوبات المتواضعة الموقعة في حق اولئك في ظني ما هي الا عقوبات ربما تأتي بأثر عكسي من حيث تطمين مرتكبي الغش أن ذلك منتهى العقوبة الواقعة في حقهم والتي من شأنها ان تساهم في تفشي الغش التجاري وخصوصا في ظل قلة الضمير التجاري حاليا وربما يصل كظاهرة اذا لم تعد وزارة التجارة النظر في نوعية وكم العقوبات المنزلة بالمخالفين للأنظمة حيث يجب ان تتضاعف العقوبات المالية أضعافا مضاعفة ليتحقق مبدأ الردع بشكل صحيح وحبذا لو انضم السجن الى العقوبات التجارية حتى يتسنى لأولئك الغشاشين في ارزاق المجتمع مراجعة أي حماقة تجارية, فعقوبة وزارة التجارة الحالية لا تفي بالغرض ولا تحقق السلامة التجارية للأسواق والمستهلكين, ففي اعتقادي هناك كم وكم من شخص يملك الاستعداد الكافي لدفع العقوبة المالية سلفا قبل الاقدام على الغش التجاري وذلك لتدني حجم العقوبة المتواضعة المحتمل تنفيذها مقارنة بالحجم الكبير من الأموال التي سوف يجنيها من وراء الانتهاك السهل لسطح الانظمة التجارية لوزارة التجارة,