Monday 7th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 23 صفر


قطاع السياحة بين الأهمية وضياع المسؤولية
د, مفرج بن سعد الحقباني *

يعتبر قطاع السياحة من اهم مصادر الدخل للعديد من الدول النامية والمتقدمة على حد سواء خاصة تلك الدول التي تتمتع بطبيعة جغرافية وبيئية وفكرية مناسبة, ومما لاشك فيه فإننا في هذه الايام نعيش فترة زمنية يتسابق فيها المواطنون الى السفر الى خارج البلاد لقضاء اجازاتهم السنوية كل حسب مقدرته وكل حسب تطلعاته واهدافه, ولعله لايغيب عن الاذهان ماتنفقه هذه الجموع المسافرة من أموال طائلة وبالعملة الصعبة مما يكلف اقتصادنا المحلي الكثير ويفقدنا فرصة الاستفادة المثلى من دخلنا القومي, وهنا يجب علينا ان نعيد حساباتنا لنتعرف على الاسباب الحقيقية التي تحول دون صرف ولو جزء يسير من هذه الجموع الى السياحة المحلية التي لاتزال فقيرة في كل شيء ولكل شيء خاصة وان المملكة العربية السعودية كغيرها من الدول تحتاج الى تنويع مصادر دخلها حتى تتخلص من عقدة الاعتماد المباشر والرئيس على النفط وحتى تستطيع الحد من تأثير التقلبات المتكررة التي يواجهها القطاع النفطي في الفترة الاخيرة, فعلى الرغم من ان الخطة الخمسية السادسة قد أكدت على ضرورة تنمية قطاع السياحة وحددت لهذا الشأن الاهداف التالية:
1- تطوير قطاع السياحة ليصبح احد القطاعات الاقتصادية الهامة القادرة على تنمية مصادر دخل ذاتية وعلى الاسهام في التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
2- إيجاد مناطق سياحية وترفيهية لاتتعارض مع حماية المملكة لمواردها الطبيعية وآثارها التاريخية وتقاليدها الاجتماعية.
وعلى الرغم من ان المملكة العربية السعودية دولة غنية بمتطلبات السياحة والسائحين حيث تتوفر الآثار التاريخية والطبيعية الخلابة والبحر الجذاب كما تتوفر الاماكن المقدسة التي يمكن ان تكون مجالاً رحباً لتحقيق تطلعات الخطة الخمسية السادسة دون المساس بالوظيفةالرئيسة لحكومة هذا البلد الكريم القائمة على تيسير زيارة الاماكن المقدسة لكافة المسلمين دون ضرائب او رسوم مالية، الا ان المشكلة لاتكمن في عدم وجود مناطق الجذب السياحي ولكن تكمن في عدم وجود نظام وتنظيم دقيق يضع الإطار السليم لقطاع السياحة ويمكن من تحقيق الاستغلال الامثل لمكتسباتنا السياحية, بشكل عام يمكن القول بأن اهم الاسباب التي تحول دون تنمية السياحة المحلية تأتي على النحو التالي:
1- الاهمال الكبير لقطاع السياحة في الخطط التنموية المتتالية، فعلى الرغم من اهمية قطاع السياحة الا ان الملاحظ الدقيق يجد ان خطط التنمية المتعاقبة قد اكتفت بالتلميح المباشر دون العمل على ايجاد الآلية المناسبة لتفعيل دور هذا القطاع المحلي, لقد تجاهل المخطط السعودي هذا القطاع خاصة في مرحلة الطفرة الاقتصادية التي كان من الممكن الاستفادة منها في تطوير المرافق السياحية التي تتوافق مع تطلعات المواطن السعودي وتناسب مع تقاليده الدينية والاجتماعية.
وبالتالي فإن تجاهل هذا القطاع قد ساهم في اضعاف قدرته التنافسية بالمقارنة بتلك السائدة في الدول السياحية مما زاد من صعوبة التحول نحو السياحة الداخلية على الرغم من الظروف الاقتصادية التي تواجهها الاسرة السعودية في الوقت الراهن.
2- ارتفاع القيمة الاجتماعية للسياحة الخارجية بالمقارنة بالسياحة الداخلية مما زاد من ميل الافراد والاسر السعودية الى تفضيل السياحة الخارجية, لقد ساد في المجتمع السعودي شعور غريب يقوم على المفاخرة بالسفر الى الخارج بغض النظر عن مستوى وجودة التسهيلات السياحية في البلد الأجنبي, وهذا يعني ان الامكاناتات المتاحة ليست هي المحدد الرئيس للوجهة السياحية حيث تلعب النظرة الاجتماعية دوراً مباشراً ورئيساً في تحديد الموطن السياحي الذي يقصده المواطن السعودي.
3- عدم وجود جهة حكومية مستقلة مسؤولة عن تخطيط وتنشيط الخدمات السياحية حيث تضطلع عدة جهات حكومية بمهمة التخطيط والاشراف على مكونات قطاع السياحة مما أدى الىتفرق المسؤولية بين هذه الجهات والى ضياع وفقدان شخصية المسؤول, فنجد ان وزارة المعارف تشرف على المواقع والآثار التاريخية ووزارة الزراعة والمياه تشرف على الغابات ووزارة التجارة على الفنادق ونحو ذلك مما يعني صعوبة التخطيط والتنسيق لهذه الخدمات, لقد ساهم هذا الوضع الغريب في تهميش الجانب السياحي للآثار التاريخية والغابات والمنتزهات العامة كما ساهم في فقدان شخصية قطاع السياحة الداخلية دون ان يكون هنالك مسؤول مباشر يأخذ على عاتقه اصلاح ما افسده اهمال المخططين.
4- ضعف القاعدة التنظيمية ذات العلاقة بقطاع السياحة وذلك نتيجة لانعدام اهمية هذا القطاع في سلم اولويات البرنامج الوطني المكون للعملية التخطيطية, وهنا اعتقد ان عدم وجود جهة مركزية تتولى الاشراف على والتخطيط لقطاع السياحة قد ساهم مساهمة فاعلة في عدم تناسق عناصر القاعدة التنظيمية لهذا القطاع, لقد ساهم هذا الوضع المتشابك في عدم توحد الافكار وتطورها تبعاً للمتغيرات والمستجدات المكانية والزمانية, لقد سادت افكار قديمة ترى ضرورة قفل ابوب الوطن أمام الغير بحجة الخوف على تقاليد وعادات المواطن السعودي وتجاهلت كون العالم قد اصبح قرية صغيرة نسبياً لاتحول الحدود الجغرافية امام تواصل ابنائها الثقافي والفكري, لقد أصبح العالم صغيراً جداً نتيجة للثورة الهائلة في عالم الاتصالات وفي وسائل الإعلام المختلفة التي لم يعد يجدي معها سوى الشجاعة والتنمية والتوعية الفكرية التي ربما تكون وحدها الدرع الواقي امام العادات الغريبة المثيرة لمخاوف البعض, ان عدم قدرتنا على التعرف على معطيات الواقع قد ساهم في بقاء انظمتنا السياحية بعيدة كل البعد عن متطلبات الواقع مما ابقى مكتسباتنا الوطنية ذات العلاقة بقطاع السياحة حبيسة البيروقراطية الإدارية المميتة السائدة في الجهات الحكومية المشتركة في الاشراف على قطاع السياحة, يجب ان نعيد حساباتنا من جديد حتى نستطيع تحقيق الاستغلال الامثل لمواردنا السياحية وذلك عن طريق اعادة صياغة انظمتنا السياحية لتصبح منطقية في عصر العقل والمنطق ولتفتح المجال امام الغير لاكتشاف وزيارة مالدينا من مكتسبات سياحية.
5- عدم وجود خطة إعلامية مدروسة تستهدف توعية المواطن السعودي بأهمية السياحة المحلية وترفع من درجة استعداده لتقبل السائح الاجنبي باشكاله وعاداته المختلفة.
6- الارتفاع النسبي وليس المطلق لتكلفة السياحة الداخلية مقارنة بالمتاح من برامج السياحة الخارجية.
7- ضعف دور القطاع الخاص في توفير الخدمات السياحية مما ساهم في ارتفاع تكلفة المتاح وذلك على الرغم من التسهيلات المقدمة للقطاع الخاص كالقروض الميسرة في مجال مشروعات الفنادق ونظام تخصيص الاراضي في مناطق الجذب السياحي ونحو ذلك, وهنا اعتقد ان القطاع الخاص يهدف الى تحقيق الربح من وراء اي عملية استثمارية وبالتالي فإن هذا القطاع لامحالة سيتجه الى التوسع في الاستثمارات السياحية بمجرد ان يستلم اشارات السوق التي توحي بوجود فرص استثمارية مربحة, يجب ان نعي بان القطاع الخاص لن يتجه لهذا النوع من الاستثمارات مالم نمد له يد العون من خلال تعديل اجراءاتنا التنظيمية التي تكفل لقطاع السياحة مكانة وأهمية مرموقة بين قطاعات اقتصادنا الوطني.
8- عدم قدرتنا على تفهم احتياج السائح الوطني والاجنبي علىحد سواء وهنا اشير الى اننا لا نريد ان نتعدى اطارنا الشرعي الذي اليه نحتكم في كل الامور ولكن يجب علينا ان نحدد هذا الاطار بوضوح حتى نستطيع تلافي الكثير من القيود التي لاتقع في هذا الاطار ولها دور كبير في الحد من السياحة الداخلية.
9- واخيراً وليس آخراً، عدم توفر وتكامل الخدمات الضرورية التي يحتاجها السائح في المناطق السياحية، فعلى سبيل المثال نجد ان منطقة عسير ذات الطبيعة الخلابة تفتقر الى مراكز التسوق الراقية التي تتناسب وتطلعات السائح والى البرامج الترفيهية المتاحة للعائلة، وهنا اقصد بالعائلة الزوج والزوجة والابناء وليس الزوجة وابناءها فقط حيث نجد بعض المراكز الترفيهية التي تشترط بقاء الزوج خارج الاسوار مما يحول دون تحقيق الاستمتاع الجماعي للاسرة, ومايصدق على منطقة عسير ربما يصدق علىجميع مناطقنا السياحية ولكن بدرجات مختلفة مما يستدعي التدخل السريع لحل مثل هذه العوالق غير المنطقية, وكدليل اخر على عدم تكامل الخدمات السياحية اسوق للقارئ الكريم ملاحظة غريبة واجهتها عندما كنت متواجداً في فندق الانتركونتننتل في منطقة السودة بأبها لحضور ندوة في مجال التخصص حيث بقينا اكثر من ثلاثة ايام دون ان نجد خدمات الليموزين التي تنقلنا الى معالم المدينة السياحية, اذا كان ذلك صحيحاً في احد اهم المناطق السياحية فكيف سيكون الحال في المناطق الاخرى؟ بشكل عام يجب ان نعلم بان السائح يريد الاسترخاء والاستمتاع وبالتالي علينا ان نعمل على توفير كل مايؤدي الى ذلك ان اردنا فعلاً تنشيط السياحة الداخلية.
بعد هذا العرض الموجز لاهم الاسباب التي تحول دون تفعيل دور قطاع السياحة، يجب ان نشير الى الجهود الكبيرة التي يبذلها المسؤولون في بعض المناطق السياحية خاصة منطقة عسير ومنطقة الباحة حيث يبذل صاحب السمو الملكي امير منطقة عسير وصاحب السمو الملكي امير منطقة الباحة جهوداً مثمرة لتفعيل وتنشيط السياحة الداخلية مما دفع بالكثير من مواطني دول المجلس الى التفكير في قضاء اجازاتهم السنوية في هذه المناطق المتميزة, ولكن يجب ان نشير ايضا الىان الواقع يفرض علينا عدم ربط الهدف القومي بجهود ونشاط الاشخاص, يجب العمل على انشاء وزارة مستقلة تضطلع بمهمة تنشيط السياحة الداخلية وتضع الاسس والمعايير الموحدة اللازمة لذلك، فليس من المصلحة الوطنية ان تبقى الاثار التاريخية تحت اشراف وزارة المعارف المثقلة بالمهام الرئيسة الاخرى كما ان المصلحة الوطنية تقتضي فصل الاشراف علىالغابات والمنتزهات عن وزارة الزراعة والمياه, بشكل عام يجب توحيد الجهود وتنسيقها تحت مظلة وزارة السياحة التي لاشك ستكون الوحيدة القادرة على تحقيق الاهداف المرجوة التي نصت عليها الخطة الخمسية السادسة, يجب ان نعي اهمية الاستغلال الاقتصادي للموارد المتاحة بدلا من التعقيدات الادارية التي تفترض أسوأ الامور كمبرر لتعطيل هذا الاستغلال, نحتاج في هذا الوقت بالذات الىالاقتناع بعدم جدوى وصحة الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل حتى نستطيع طرد كل الافكار التي تحول دون تنشيط قطاعنا السياحي ودون الاستغلال الامثل لمواردنا الاقتصادية بشكل عام والسياحية بشكل خاص.
اشارة جادة: تضمنت الخطة الخمسية السادسة اشارة الى ان نسبة الايدي العاملة السعودية في القطاع السياحي لاتتجاوز 7% من اجمالي القوى العاملة في هذا القطاع وبالتالي فان اي سياسة تهدف الى تنشيط الخدمات السياحية يجب ان تكون شاملة ومتكاملة تضمن وجود الآلية المناسبة لتحقيق التوطين الكامل او شبه الكامل للفرص الوظيفية المتاحة في القطاع السياحي,
يجب ونحن في بداية الطريق ان نعمل على تلافي الخطأ الذي وقعت فيه قطاعاتنا الاقتصادية الاخرى التي اعتمدت في البداية على العمالة الاجنبية بحجة عدم توفر البديل المناسب ثم استمرأت الواقع واتخذته قاعدة تحارب من اجله مما ابقى شبابنا خارج اسوار العمل خاصةوان العوامل والمتغيرات الاقتصادية تلعب في صالح العامل الاجنبي الذي اصبح بقدرة قادر واقعاً مفروضاً في سوق العمل السعودي.
أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
ملحق الدعوة
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved