Sunday 6th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 22 صفر


مفاهيم ملتبسة في الخطاب الإسلامي - الغربي!!
محمد الحرز

ان المفاهيم المتداولة في الحقل المعرفي المختص برؤية الاسلام للغرب والعكس وجدلية العلاقة بينهما هي مفاهيم تخضع في تشكلاتها وانبناءاتها للادلجة السياسية التي تلامس الواقع المعاش بوصفها منظومة (تسعى لقولبة السياقات) المعرفية الثقافية واختزالها ضمن الاطار الذي تتحرك فيه دون ان يكون هناك اي انفكاك وانفراج على المستوى المنظور لتلك الرؤية التي هي بحق مصدر قلق وتشويش للمخيلة المعرفية لكلا الطرفين وليس بمستغرب شيوع مفاهيم كالاصولية والتطرف والعنف في منطوق الخطابات المعاصرة ومحاولة تخريجها للسطح في ظل الالتباس المعرفي الراهن ودفعها الى اقصى نقطة بحيث تظل متداولة في بعض الخطابات الفكرية المعاصرة وهي منزوعة من سياقها المعرفي والتاريخي ومحملة بمحمولات معرفية من خارج السياق نفسه، الامر الذي يسبب بالتالي خلخلة في انتاج المعرفة والتي لا يمكن ان نتلمس آثارها الا بوجود تراكمات كمية من المعرفة متعينة داخل السياق وهنا تكمن الخطورة، اذ ان انتاج معرفة داخل اي مجتمع كان بمنأى عن مفاهيم ثابتة غير متحركة وواضحة داخل حركة الفكر واللغة يؤدي بالضرورة الى انزلاقات غير محمودة ولا سيما عندما تغيب عن الوعي الفكري تاريخيا المعرفة وكيفية فاعليتها ومدى حضورها وغيابها في المكونات الثقافية لاي مجتمع.
ان الازمة الراهنة تخلق نوعا من الفوضى المسيّسة لحساب اجهزة الاعلام الغربية تتأسس من خلالها صورة مشوهة عن الاسلام داخل نسقه الحضاري التاريخي والتي يسميها اركون (أدب الدراسات السياسية الاسلامية الصحفية) حيث وجدت رواجا كبيرا في اوساط الجماهير الغربية في ظل غياب الدراسات والمناهج (المدرسية والجامعية في كل ما يتصل بتاريخ الاديان ومعرفة الثقافات المتعددة والاساسية في عالم البحر المتوسط) في الغرب كما يؤكد اركون ذلك,, وبالقدر الذي يصل فيه الاستيعاب للاسلام عند الغرب في اللحظة الراهنة الى حالة من التجزؤ والانتقائية والتشتت وخصوصا عندما يشكل الوضع الراهن للعالم الاسلامي بما يفرزه من صراعات سياسية وتحزبات قومية ومذهبية ذريعة للاستغلال الاقتصادي ذات البنية الاستعمارية للدول السبع الكبرى مدعوما برؤية للاسلام لا تتجاوز حدود القرن التاسع عشر حيث هنا تصبح الحاجة ماسة في السياق نفسه لفتح الابواب للدراسات الفكرية لاحتواء الازمة وتلمس عناصرها وايجاد الحلول والاقتراحات للخروج من هذه الشرنقة المميتة وهذا في حد ذاته يعطي مؤشرا على مدى التحرك الواضح والجاد والسعي الحثيث للمفكرين واشتغالاتهم التي تحاول ان تتعمق رؤية الاحداث الراهنة ومدى مشروطيتها التاريخية لحظة بروزها على الساحة الامر الذي يتطلب جهدا كبيرا في ايجاد اللحمة او الصلة الدياليكتيكية بين التاريخ وتدفقاته عبر الصيرورة وبين لحظته الراهنة للاحداث، قلما توجهنا نحوها نتيجة الفجوة المتزايدة التي نشاهدها حاليا والتي تتأسس علىالنظرة المهمشة للانسان العربي العادي وهمومه ومشاكله الحياتية اليومية والتي تشكل هاجسه الاول والاخير فيما ترحل بعض الخطابات الفكرية متقافزة عن هذا الهم المشترك في الوطن العربي بعمومه وتصبح بالتالي - هذه الدراسات - تكريسا للوضعية الراهنة هذا اذا لم تكن تؤدي الى حالة معاكسة تفضي الى التأزم اكثر منها الى الانفراج ,,
مثلا حين يقترح المفكر هاشم صالح ضمن منظوره للخروج من ازمة الوعي العربي الاسلامي ان نقوم بإزاحة (الصورة الاسطورية عن العصر الاسلامي الاول ونقدم صورة تاريخية وبدل الصورة الاسطورية التي تحيط بالتراث الفكري والروحي نقدم صورة تاريخية عن كيفية تشكلها خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة) ان هذا الحل بما يحمله من توجهات صائبة في النظرة وفي الطريق للخروج من الازمة الراهنة الا انه من جانب آخر يثير الاسئلة الصعبة والتي تصطدم بوعي المثقف العربي فكيف يتم فعل الازاحة المقترح؟ وبماذا يكون؟ وما هي شروط تحققه وانوجاده؟,,
وما ادواته المعرفية والسلوكية التي تحقق ذلك؟,, كلها اسئلة تمارس هيمنتها على التفكير كلما سلّمنا بمشروعيته او حاولنا تطبيق مثل تلك الحلول, وعلى افتراض اننا نجحنا في ذلك بطريقة او بأخرى الا نجد في الوقت نفسه رؤيتنا تلامس الداخل دون ان تحاول انشاء علاقة جدلية بين الداخل والخارج قائمة على رؤية العالم تحت مظلة نظامه العالمي الجديد المزعوم واذا كان ثمة متغيرات سريعة الحركة يجب علينا ان نأخذها بالحسبان عند تحليلنا للوضع الراهن، فان المتغيرات الخارجية هي اكثر خطورة وعمقا في التأثير على الرؤية والتحليل.
ان إيجاد هذا التوازن قليل في التوجهات الفكرية المعاصرة حيث يتحول الفرد العربي من كونه فاعلا في توجيه الدراسات الفكرية الى منفعل داخلها دون ان يكون له حضور متميز مؤثر على الرؤية والحدث.
ان الاقتراب من رؤية العلاقة بين الاسلام والغرب يضعنا في قلب الجدلية ذاتها الغائبة مدلولاتها عن الوعي الفكري الممارس وان كانت مضمرة في داخله بشكل خفي، فهذه العلاقة الجدلية لا يمكن ان تحدد الا بوجود التوازن بين الخارج والداخل وهذا التوازن يتحرك ضمن اطار من المفاهيم المشتركة بين الأنا والآخر والتي تعطي بالتالي تقاربا اكثر في الرؤيا وتعطي تناغما في الحركة بين الأنا والآخر وهذا مشروط كما قلنا سابقا بعدم تدشين المجال المعرفي - الثقافي في الرؤية السياسية المؤدلجة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات

الاولــــى
محليـــات


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved