Sunday 6th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 22 صفر


في الذكرى المئوية لميلاد بورخيس,,إبداعات عمقت مشهد ذاكرتنا
رضا الظاهر

مازال العالم الحالي يشهد فعاليات مختلفة بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الكاتب الارجنتيني البارز جورجي لويس بورخيس، الذي اشتهر، بين امور اخرى بمعرفته بالثقافة العربية، وتأثره بشكل خاص بقصص الف ليلة وليلة مستلهما رموزها وحكاياتها، وموظفا اياها في اعماله الأدبية.
وفي اطار هذه الفعاليات صدرت بالانجليزية مؤخرا ترجمة جديدة لاعماله في مجلد ضخم تحت عنوان (الروايات الكاملة) ورغم ان هذه الترجمة التي قام بها اندرو هيرلي اثارت ردود افعال متباينة تناولتها الصحافة الادبية البريطانية فان جميس وودال مؤلف سيرة حياة بورخيس (الانسان في مرآة الكتاب) يعتبرها نوعا من استعادة الاعتراف الذي يستحقه عملاق الارجنتين الادبي.
عندما رحل بورخيس عام 1986 كان واحداً من اشهر الكتاب في العالم، مع انه لم يكتب رواية طويلة, وعند رحيله كانت أهم اعماله، وهي الروايات القصيرة، الغريبة والعصية على التصنيف، تعود الى اربعين سنة من ذلك التاريخ, لقد عاش بعيداً في بوينس ايرس، غير انه ينتمي، بمعنى ما، بالنسبة لمن قرأوه واهتموا به، الى العالم كله, فتأثيره على الكتاب في كل مكان - غابرييل غارسيا ماركيز، كارلوس فونتيس، اومبرتو ايكو، غونتر غراس، ايتالو كالفانو، جون بارث، جون ابرايك، ماريو فارغاس لوسا، انجيلا كارتر ، من بين آخرين، كان تأثيرا عميقا ودائما، فقد شكل، بالنسبة لهم، الكاتب المثال.
ومع ذلك فان سمعته الادبية الاوسع تعرضت الى سوء فهم، ارتباطا بغارسيا ماركيز, فقد ذكر الكاتب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل عام 1982 انه عندما بدأ كتابة الرواية في الستينات كانت غرفته مليئة بكتب بورخيس, وعندما اصبح اسم ماركيز مرادفا ل الازدهار الادبي في امريكا اللاتينية، غالبا ما غطى على بورخيس وكل مشهد الادب الامريكي اللاتيني, والانكى من ذلك تحول تلك العبارة الجذابة الواقعية السحرية التي اعتبر ماركيز رائدها منه الى بورخيس الذي كانت اعماله تزخر ب الواقعية السحرية ولكن بورخيس لم يعرف بذلك بقدر ما عرف بانه كاتب اللغة الاسبانية الجديدة على نحو مذهل, وحتى اذا ما قرأ المرء كتابه الشهير (المتاهات) فانه يكتشف ان بورخيس اكثر ابداعا وغزارة فمن الشعر النابض بالحياة الذي نشره في العشرينات، الى الروايات الاخيرة وكتب المقالات المتألقة في الثمانينات، اثبت بورخيس انه واحد من قمم الأدب الاسباني.
ولد بورخيس في 24 اغسطس/ آب 1899 في بوينس ايرس, كان جده لامه انجليزيا، وكان يفكر بان اسلاف امه خاضوا حروبا مديدة مزقت اوصال الارجنتين في القرن التاسع عشر وفي البيت كانت العائلة تتحدث الانجليزية وكان اول صديق حقيقي لبورخيس هو مكتبة والده التي تضم في معظمها كتب الادب الانجليزي.
وفي عام 1914 انتقلت عائلة بورخيس الى جنيف، ولم تكن تتوقع اندلاع الحرب في اوروبا, كان والد بورخيس يبحث عن علاج لبصره الضعيف، وهو مرض وراثي نقله الى ابنه, ففي اواخر الخمسينات اصيب بورخيس بالعمى الكامل.
وما ان اندلعت الحرب حتى حوصرت العائلة في سويسرا وكان الصبي جورجي لويس، في تلك الفترة، يتشرب الادب: الارجنتيني ، الفرنسي، الالماني، الامريكي الشمالي.
وعندما عادت عائلة بورخيس ال بوينس آيرس عام 1921 كان جورجي واثقا انه سيصبح شاعرا، وقد كتب، بالفعل، مجموعات صغيرة، لكن ذلك الطموح انتقل اوائل الثلاثينيات الى نمط اخر من الكتابة، وان لم يكن رواية، ذلك انه لم يكن واثقا مما اذا كان يتمتع بالموهبة او القدرة التخيلية على كتابة الرواية.
وفي عام 1938 اصيب بضربة في رأسه فوجد نفسه يرقد لاسابيع في الفراش، يعاني من تعفن الدم الذي هدد حياته, وفي اثناء ذلك وجد نفسه يتجه نحو الرواية, فبعد ان استعاد عافيته كتب قصة قصيرة حول رجل ميت كان يرغب في اعادة كتابة سرفانتس، من خلال اعادة انتاج نص (دونكيشوت), وفي عمل هجين بين المقالة النقدية والقصة البوليسية، كانت قصة (بييرمينارد مؤلف دونكيشوت) اول قصة من مجموعة رائعة زادت على الثلاثين وغيرت الطريقة التي كان ينظر بها الكتاب والنقاد والقراء الى الخيال القصصي.
وبنشر هذه القصص في كتابين هما الروايا عام 1944 و(الالف) عام 1949 ترك الكاتب جورجي خلفه واصبح بورخيس الذي يتسم بجرأة اكبر في الخيال القصصي مجسدا باسبانيته الجديدة التي لم تقطع جذورها مع لغة سرفانتس, وقد استغرق ظهور هذه النواحي عند بورخيس الرائد، ومبدع اللغة اللادبية شأن جيمس جويس، سنوات عديدة، قدم خلالها اعمالا متميزة بينها (المتاهات) التي صدرت عام 1953، وهو كتاب يعالج فيه طبيعة الزمن، الموضوع الذي عالجته قصص كثيرة كتبها بورخيس، وهي متاهات في شكلها، وميتافيزيقية في تأملاتها، وتشبه الاحلام التي لانهاية لوجوه الواقع والمعرفة التي تعكسها, ومن بين المجاميع القصصية الهامة التي اصدرها بورخيس في مابعد المجموعة الموسومة (تقرير الدكتور برودي) التي ظهرت عام 1971.
ومن اللافت للانتباه في اطار سمعة بورخيس الادبية في العالم الناطق بالانجليزية والفرنسية، انه كانت هناك حالة مشوشة وسمت ادب بورخيس في هذا العالم.
وعندما ترجم الكاتب الارجنتيني اول مرة، الى الفرنسية في الاربعينات، بدا الامر كما لو ان اوروبا اكتشفت قارة ادبية جديدة, وفي الخمسينات ارتبط اسمه ب الرواية الجديدة الى حد انه كان يعتبر كاتبا فرنسيا اكثر منه ارجنتينيا، وبحلول الستينات تسربت قصصه الى الجامعات الامريكية بترجمات يشير الباحثون في ادبه الى انها كانت سريعة وغير دقيقة الى حد ما.
وعلى خلفية هذه القصص وعمله (الروايات) اشار الكاتب الامريكي المعروف جون ابدايك عام 1965 الى انه بالاعتراف الامريكي الشمالي المتأخر بعبقرية بورخيس، وجدت الرواية قاسما فكريا مشتركا مع الفلسفة والفيزياء, ان قائمة الكتاب والنقاد البارزين الذين وضعوا بورخيس في طليعة كتاب القرن العشرين تتزايد، وتضم، بين اخرين، ميشيل فوكو، جورج شتانير، وهارولد بلوم.
ان احد الاوسمة التي افتقدها بورخيس هو جائزة نوبل للادب التي كان يستحقها عن جدارة، لكنها لم تمنح له لاسباب تعود الى اتخاذه مواقف سياسية متطرفة ومتقلبة، وبينها تصريحاته السياسية المعروفة خلال سنوات السبعينيات والتي كانت تخلو من الحذر, فقد بدا هذا الكاتب ذو المزاج المحافظ، في بعض الاحيان، مساندا لانظمة استبدادية بما فيها نظام الارجنتين ذاته، ونظام بينوشيت في شيلي, وفي احيان اخرى كان يستمتع بالعبث بقضايا سياسية مثيرا غضب اليسار عليه.
وكان بورخيس مبهما، بمعنى ما، شأن كتاباته، فبين اعوام 1924 و1961 لم يغادر منطقة ريفر بليت ابدا.
وكانت لديه بعض المعارك والنزاعات الشخصية، واحتفظ باشمئزازه المديد والعلني لدكتاتور الارجنتين خوان بيرون, وكان بورخيس اميناً لمكتبة بوينس ايرس خلال السنوات من 1938 حتى 1946، وقد انعكست معاناته في هذه المهنة في عدد من اعماله الادبية وقصصه، وبينها (مكتبة بابل) وقد ابعد عن هذا المنصب لاسباب سياسية، ولكن مع الاطاحة بالنظام البيروني اصبح منذ عام 1955 امينا للمكتبة الوطنية في بوينس ايرس ومن المعروف ان بورخيس عاش مع والدته حتى وفاتها عام 1975, ولم يكن موفقا في علاقاته مع النساء.
لقد دخلت ابداعات بورخيس القرن العشرين مثلما دخلت يولييس والأم شجاعة والغريب والكثير غيرها من الابداعات العظيمة المميزة، ف عمقت مشهد ذاكرتنا كما يقول الناقد البارز جورج شتانير.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
ملحق الدعوة
الاقتصـــادية
المتابعة
ملحق المذنــــب
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved