Sunday 6th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 22 صفر


شبح المدير العام

- 1 -
فجأة اختفى المدير العام,.
تساءل الناس لماذا؟! لا احد يجد اجابة شافية قال احدهم انه كان متوقعا اختفاؤه في اية لحظة لماذا؟ طرح السؤال من شخص اخر,.
قال ثالث انه كان في سنواته الاخيرة يردد كلمات مثل العمل صار طفش التقاعد مناسب,, الاعمال الحرة حان وقتها,, الفلوس الكثيرة حان قطافها.
قال مدير مكتبه ذو الشنب المرسوم كهلال: لكل شيء اذا ما تم نقصان,.
قال مدير صغير مقرب الى المدير العام: المفروض الواحد لا يمكث في الوظيفة اكثر من عشر سنوات,, والايتسرب اليه الملل والرتابة.
اجاب زميله: وكيف تعرف هذه الحقيقة وانت مدير جديد ثم اضاف وهو يجول بنظراته بباب مكتب المدير العام وهو يتخيله يخرج اليهم بهيبته الطبيعية، قال: كلما امضى الانسان وقتا اطول بوظيفة خصوصاً اذا كانت هامة شعر بالتشبث بها,, الوظيفة مرض,.
- 2 -
اينما ذهبت هذه الايام اجد الكل يتحدثون عن سر اختفاء المدير,, كنت في المكتبة اتجول في عالم الانترنت واتابع الجديد في موقع (أمزون) المتخصص بالكتب الجديدة، عندما مر بالقرب مني خالد,, فرح بي من خلال نظراته البريئة ,, ضحك وهو يشاركني تصفح اسماء الكتب الجديدة عرفت من خلال حديثه ان لديه اسئلة كثيرة عن سر اختفاء المدير كأنه اطمأن الي سحب كرسيا وجلس بالقرب مني وهو يخفي شبه ابتسامة قال:
-صراحة عسفنا قبل ان يروح,, وهذه هي الدنيا,, تشاغلت عنه بالانترنت وقلت له: من هو الذي عسفكم؟! ضحك ببراءة وقال: اشعر بشبحه في كل مكان في زوايا هذا المبنى لا اصدق انه راح,, اكثر من عشرين عاما,, ويختفي فجأة!! قلت له: الى هذه الدرجة يخيفكم!! اعتدل بجلسته وعيونه مصوبة بأسماء الكتب الجديدة التي اخذت تقذف بها الطابعة,, ثم قال:
- تصدق انه يخرج علينا هنا ولا ندري كيف اتى,, انه ساحر,, وغالباً ما يصطاد الموظفين في مكاتبهم عندما يكونون متأخرين اوخارجين يرون اعمالهم,, ضحكت عليه بصوت عال وقلت له ربما يكون لديه عيون وآذان,, نحن في عصر التقنية,, ضحك خالد وهو يتلفت يمنة ويسرة وكأنه يخشى خروج المدير المختفي عليه من أي باب من هذه الابواب المتعددة,, ثم قال هو (جني) يخرج متى ما يريد وكيفما يريد,, لا تستطيع التقنية ان تقلده! ضحكت مرة ثانية منه وقلت له مازحاً: انتبه للطابعة لا يخرج عليك منها، او من الحاسب نحن في عصر الفيروسات المتعددة,, ابتسم وفي وجهه علامات استفهام ثم غادرني الى مكتبه بعد ان ترك لي وعده لزيارته بين وقت وآخر.
(3)
في المطعم الصغير والانيق جلسنا نحن الزملاء نتناول طعام الفطور قبل موعد العمل، طغى الحديث عن سر اختفاء المدير العام قال وليد وهو يشم رائحة الفول صراحة من زمان عن الفول والحمص في هذا المطعم,, ما بعد تلك الايام الجميلة التي كنا نتناول الفطور مع بعض,, نرتشف الشاي مع طعم الحمص,, ثم ضحك بثقة, واضاف: تصدقون اني عفت هذا المطعم بعد قرار منع اكلنا هنا,, شعرت اننا مثل (حمار البرسيم الذي يحمله ولا يأكله) ضحك الجميع وهم يستعدون لتناول الفطور مع البعض ولاول مرة,.
قال احمد: ياالله عليكم بالفول والحمص,, لقد عادت اليكم السعادة من جديد,, والباقي على الدوام عشرون دقيقة,.
رد عليه منصور اشعر اني امارس حريتي لاول مرة بعد مصادرتها من زمان, قهقه الجميع ثم ساد صمت لم يقطعه الا صوت عبد الله وهو (يتطعم) بالشاي والحمص وبصوت عال,, تحدث سعيد وقال صراحة لا تبخسون الرجل حقه وعلينا ان نقيم مزاياه وعيوبه,, ونتذكر احسن الاشياء الجميلة التي قدمها.
انبرى حسام وقال: صراحة هو يذكرني بالاب الذي ساهم في تربية ابنائه وحثهم على الجد والاجتهاد بالصغر وساعدهم في الدراسة في الخارج لمصلحتهم غير انه لم يصدق انهم كبروا حتى الان ومازال يعاملهم بنفس الاسلوب حتى هرب من هرب وبقي منهم من بقي,, ونافق من نافق,, وغضب من غضب,, ثم قال احمد: بالحقيقة ان مزاياه اكثر من عيوبه ومهما يكن من امر بعض تصرفاته، الا انه بشر وعلينا ان نتذكر احسن ما قدمه لهذه المؤسسة,, حتى ولو انه يعتبرها احياناً ملكاً له وحده,, قاطعه عبد الله وهو يرتشف كوب الشاي بلذة وقال الكمال لله وحده,, والانسان بشر والبشر خطاؤون، لكن المشكلة التي اشعر انه وقع بها هي حبه للتسلط المستمر ومع كل الناس، وشعوره بالغيرة من الآخرين حتى وان كانوا طيبين معه دائماً ولكن يظل الانسان بطبعه غير كامل,,اعتدل منصور وتحدث بهدوء كعادته وقال: يبدو ان المشكلة في عالمنا العربي هي مشكلة تنشئة وحتى التعليم والشهادات العليا احياناً لا تستطيع تغيير الطبع وبعض العادات لدى المديرين, ثم اضاف والمشكلة مع صاحبنا انه يعرف كل شيء ولكن يتصرف مع الناس وكأنه لا يدري انه يسبب لهم اشكالات واستياء,, ثم اضاف قائلاً ويبدو اننا كمجموعة لم نصارحه في يوم ما او نلمح له عن بعض تصرفاته,, ثم استدرك وهو يناظر الساعة ولكن كيف نصارحه؟ تدخل حمد الذي كان هادئاً طول الوقت وقال ان المشكلة تكمن جذورها في طول المدة التي يمضيها المدير في وظيفته، فكلما طالت مدته زاد تشبثه بحب الوظيفة,, وصار يخشى من الآخرين على مركزه لهذا فهو يتصرف من دافع الخوف على فقدانه، خصوصا عندما يكون المحيطون به مثله او احسن تلفت خالد يمنة ويسرة كعادته عندما يرغب في الحديث وقال الامور طبيعية في تغيير المدير في العديد من المؤسسات، لكن حتى الان لست مصدقا ان مديرنا قد غادر الى غير رجعة,, وعموماً بالرغم مما كان يمارسه من اساليب ادارية تصل الى التسلط احياناً الا انني اشعر في السنوات الاخيرة انه قدم خدمات وسمعة لمؤسستنا,, وانا شخصياً استفدت من علاقتي معه كثيراً، مع انني اشعر في اعماقي بالرهبة منه الممزوجة بالاحترام,.
ثم قال محمد ان مديرنا راح بخيره وشره وعلينا ان نذكره بالخير ونتمنى ان يعوضنا عنه بمدير يساهم في مواصلة المسيرة ويستفيد من اخطاء المدير السابق، ويحافظ على انجازات بيتنا الثاني,.
في هذا الاثناء وصل الينا عبد العزيز الذي قال لاحظت في المواقف وانا داخل شبح المدير العام السابق قال خالد: معقول!؟
نظرنا بوجوه بعض وتذكرنا ان موعد الدوام قد حان، ودعنا بعضنا البعض وخرجنا الى مكاتبنا من ابواب المطعم المتعددة.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
ملحق الدعوة
الاقتصـــادية
المتابعة
ملحق المذنــــب
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved