Sunday 6th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 22 صفر


أطياف من الأحلام

اصطف الى جوارهن بوجل,, ترى ماذا سيحدث لي في اللحظة الآتية,,؟
افكاري تترى,, هل سأتشنج ام سيغمى علي,, ام سأصرخ بكل قواي دونما يستطيع كائن ما ان يحد من صراخي,.
عرق ودموع وافكار تصعب السيطرة عليها,, حجابي الاسود ملتصق بظهري وعنقي يبل من العرق,, ورائحة حناء قديمة تعبق من شعري,, اشعر بها تقتحم انفي بقوة وكأنها قد وضعت للتو,, ضربات قلبي تسارع ,, تنفسي يزداد صعوبة متى يحضر الشيخ؟
اخترقني صوت بالجوار: مم تشكين؟
السؤال يغمد خنجرا في احشائي ويتغلل ببطء حيث بركان الالم والانين,.
ماذا اشكي؟ بل من ماذا لا اشكي؟,, ماذا بقي في جسدي لا اشكو منه؟,, قدماي المضعضعان,, يداي المتخشبة,, ظهري ،آلام لا توصف,, ذلك الورم الصغير في صدري, عيناي,, عنقي,, كتفاي,, واخيرا شعري المتساقط,, ما الذي بدأ اولا وبماذا انتهيت؟ هل كان شعري الذي ابتدأت خطوطه واضحة جلية للعيان,, خصلاتي اصبحت تتسرب من بين اصابعي كأوراق فقدت رابطها,, على المشط خصلات وعلى الوسادة اخريات وفي ملابسي تجتمع العشرات,.
سألني الطبيب وقد اذهله ما رأى: منذ متى؟ لا اتذكر بالضبط بيد ان هناك تاريخا لا ينسى,, هو يوم نجاحي في الثانوية العامة بتفوق,, واحتلالي للمركز الاول على مستوى المنطقة,, اعقبه بايام لا أتذكر عددها تساقط شعري,.
هل هي السعادة تعقبها التعاسة؟,, صمت الطبيب وبقي سؤالي معلقا بلا اجابة وادوية لا حصر لها ترافقني حتى البيت,, (مينوكديل) ,, (نيزروال) للقشرة,, (لوسيون للشعر)و,, و,,.
مرت ايام كثيرة قبل ان اتيقن بعدم جدوى تلك الادوية,, شيء طبيعي ان اتجه بعد ذلك للاعشاب,, زيت الجرجير,, خلطة الزيوت السبعة,, زيت الحبة السوداء,, الصدر,, الحناء,, اخيرا عرفت الحناء طريقها الى شعري وقد رفضتها مرارا,, وانفت حتى من وضعها على يدي مما كان موضع الخلافات مع امي دائما,.
لكنها اصبحت تملأ شعري وتسيل على عنقي ووجهي وتخضب يداي وثيابي,.
المح التهكم والسخرية تلون وجوه من حولي ولم تفتني تلك الضحكات المكنونة من امي واخوتي,.
وشعري لايفتأ يتساقط,, ومعه يتساقط آخر امل لي في اعادته من جديد,, بدأ اليأس يتسرب الى نفسي رويدا رويدا وانا ارى تاج جمالي وقد استحال الى ارض جرداء تتخللها بضعة شعيرات,, حانت مني التفاتة الى المرآة لارى ذلك الشيء الذي استوطن صدري ولم اشعر به,.
كلمة صغيرة تبرز للاعلى بدون اية آلام,, تراكمت الاحزان داخلي وان ارى دموع امي,, فلم اجد حيالها سوى البكاء,, وما يجدي البكاء!!
فحوص مخبرية,, تحاليل,, صور شعاعية مختلفة,, اشعة سينية,, الموجات فوق الصوتية (الالترا ساوند) وغيرها الكثير ثم عملية عاجلة لاستئصال الورم,, بدون ان ادرك ماذا يحدث لي بالضبط,, وما هية هذا الورم؟
سقطت البقية الباقية من شعري وبدون اسف,, وارتديت الشعر المستعار لاول مرة في حياتي,, وانا اشعر وكأنني احمل صندوقا ثقيلا على راسي,, والاحزان داخلي تزداد وتعرض وتعمق بغير نهاية.
خرجت من المستشفى لا اكاد تحملني قدماي,, بصعوبة كنت اسير وكأن كل قدم مشدودة الى الارض بقوة لا تقاوم,, ثم سقطت طريحة الفراش لا يزورني الناس الا لماما,, ولا ارى من غدر البشر سوى عيني امي اليائستين ووجه ابي المتغضن ودموع اخوتي ولا شيء آخر,.
ثم افقت ذات يوم على يدي وقد غدت كتلة من الخشب بلا اي حراك وكأنها قد خلت من الدماء والاعصاب,, ثم تلتها يدي الاخرى وان لم تكن بنفس الشدة,, حمدت الله من أعماقي أن بقيت لي بعض القوة في يدي لأتمكن من القيام ببعض شؤوني,.
لم يجد العلاج الطبيعي ولا أي علاج آخر في عودة يدي أو حتى قدمي لوضعها السابق ,.
غرقت في الدوامة من جديد وظهري يئن تحت وطأة الآلام ثم كتفاي ,, الطامة الكبرى حين تلونت عيناي باللون الأحمر القاني بدون سبب,.
عجز الأطباء عن ايجاد دواء لي أوحتى تشخيص لدائي الغريب,, تعددت الأقوال والتقارير ولا شئ,.
وقف الطب بمستشفياته وأجهزته المتقدمة وكوادره الطبية المؤهلة قزما أمام حالتي لايستطيع حيالها شيئا,.
انتبهت على رخيم يقرأ بإيمان وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ,.
أشعر بالآية الكريمة تخترق أعماقي,, وتزلزلني ,, تتفتح الجراح على الصديد ,, واذا مرضت فهو يشفين الخدر يسري في أوصالي المرتجفة,.
تذوب آلامي كما لم تكن,.
النوم يداعب أجفاني بعد طول غياب ,.
أشعر بأنني أتلاشى ,, وتغدو آلامي كأطياف من الأحلام,.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
ملحق الدعوة
الاقتصـــادية
المتابعة
ملحق المذنــــب
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved