Sunday 6th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 22 صفر


المؤسسة الثقافية
حسين المناصرة

مع المؤسسات الثقافية، بمجملها، أنت تقف أمام واحدة من اثنتين، الأولى مؤسسة خاملة، لطاقاتها في الهباء، لتغدو بالتالي وكأنها ليست من الثقافة في شيئ باستثناء التسمية التي ألصقت بها بطريقة مستفزة أو شكلية لا أكثر ولا أقل,.
وفي العادة تكون العلاقة بين المثقفين وهذه المؤسسة علاقة مبتورة، غير طيبة، متوترة، عدائية,, وكأن أمر هذه المؤسسة ليس أكثر من لعبة في أيدي اشباه مثقفين انتهازيين، لاصلة لهم بالثقافة إلا عن طريق انهم اشتغلوا يوما ما في هذا المجال، فأصدروا كتابا أو عدة كتب,, ثم جلسوا فوق هذا التاريخ الثقافي يعبون من ماضيهم العادي سطوة نفي الآخرين وتغييب وجودهم، لتبقى الساحة الثقافية في المؤسسة الثقافية وخارجها متاحة لهم وحدهم، وكأن مشروعهم الثقافي هو أن يمارسوا قبل أبنائهم وإخوانهم,, ليغدو آباء مزورين مهيمنين انتهازيين، يتشدقون بعبارات الثقافة، ولاشيء منها في أخلاقهم,.
وبشكل عام، ربما وضعت المؤسسات الثقافية في أي بلد كان لخدمة الثقافة والمثقفين لا لتدمير الوجود الثقافي وابتزازه,, ثم يستغلها هؤلاء، وكأن المسألة الثقافية عندهم ليست أكثر من طبق رديء الطعم التهموه على مضض في المناسبات، ثم أحلوا مكان الثقافة المنجزة الشعارات السطحية المزورة، فغابت بذلك التطبيقات الثقافية العلمية الفعلية المجسدة لروح الثقافة وإنتاج القيم الثقافية المتميزة بالإصدارت واللقاءات الثقافية المختلفة,.
وليس القصد هنا الإشارة إلى مؤسسات ثقافية بعينها على طول خريطة عالمنا العربي الممتد,, رغم أن الذي على رأسه بطحة يتحسسها!! وإنما الغرض هو وصم بعض المؤسسات المكشوفة لكثير من المثقفين بهذه الصفات السلبية.
ولعل المؤسسات الثقافية الرسمية هي الأكثر عرضة للتلاعب البيروقراطي والانتهازي، حيث تتكدس بمن يستغلون ثقة التشريع الرسمي، فيتلاعبون على هواهم ، علما بأن البنود الثقافية الرسمية كانت قد أسست بعض هذه المؤسسات بجهود المثقفين أنفسهم، وكانت البنود ذات قيم ثقافية تعد مثالية قياسا إلى الواقع المتردي في الممارسة فيما بعد,.
ويبقى التشريع الرسمي يعتقد ان الذين أحيلت إليهم إدارة هذه المؤسسات مازالوا في دائرة الثقة كما كانوا في بداياتهم المقنعة بالوجوه المصطنعة!! وقد يكونون في البداية جيدين ، ثم يتحولون بفعل تنامي الأنانية إلى رديئين,, لذلك لابد من المراقبة المستمرة، ومن ضرورة تغيير كوادر المؤسسات بين فترة وأخرى، لتعميم الحوارية والتواصل والإنتاج الثقافي!!
والأمثلة كثيرة لو أردنا الدخول في مغامرة التعيين، لكن هذا الأمر قد يجرنا إلى التموضع في دائرة السخط والمواجهة، وبالتالي فتح أبواب تجر المعترض الى العقاب أكثر فأكثر بحكم استنفاذ القائمين على المؤسسات الثقافية، وأياديهم الطويلة الطائلة كما يقال!!
ومع ذلك ، فمن الأمثلة ان رئيس احدى المؤسسات حبسها لنفسه، الى حد أنه شكل لجنة تقبل في العضوية كل ماهب ودب، إن كان يضمن أصواتهم لصالحه، ويضع العوائق في وجوه الآخرين المتوقع معارضتهم، بل يساهم في أن يحجبهم عن الساحة الثقافية، وكأنهم دخلاء على الثقافة والمثقفين، أو جلدتهم السميكة جلدة رقيقة غير نافعة!!
ومثال آخر معكوس لاحد المهيمنين على المؤسسة الثقافية، حيث تجده لا يكتفي بمحاربة أعدائه، بل يحارب أصدقاءه وتلاميذه ومريديه,, وخاصة الأذكياء منهم، فيفرقهم حيص بيص، أو شذر مذر,, وكل هذا من أجل أن يبقى سيدا!!
وقد تجد مؤسسة تهدر ميزانيتها في الحفلات والاطعمة والسمسرة,, وتعقد الأمور أحيانا بسبب الظروف المالية لسنوات في وجه ديوان شعر أو مجموعة قصصية أو كتاب نقدي!! علما بأن ميزانية حفلة عشاء واحدة لمحاضرة سخيفة لم يحضرها أكثر من عشرين شخصا، وقد تكلف آلاف الدولارات، يمكن أن تصدر عشرين كتابا في الشعر والسرد والمسرح والنقد والتشكيل,, فلماذا تصبح الثقافة ميتة والوليمة حية؟!
أمر يحتاج إلىإعادة نظر في ثقافتنا البيروقراطية المؤسساتية!!
أما المؤسسة الأخرى المناقضة للمؤسسة السابقة، فهي مؤسسة تحاول أن تنتج ثقافة متميزة رغم كثير من السلبيات، ومن لم يكن منكم بخطأ فليرجمهابحجر,,!! إنها تحقق تفاعلا ثقافيا واعيا وتواصلا ثقافيا مهما,, وكل هذا يكون ملموسا بالعين المجردة,, فهي ليست مثالية ولكنها ممكنة الفاعلية وهي تحقق مستوى رياديا في التحسن والفاعلية الثقافية.
ولانريد أيضا الدخول في طرح أمثلة لمؤسسات ثقافية جيدة، حتى لايفهم من ذلك التعريض بالمؤسسات الرديئة,.
فقط أحب أن أنوه في النهاية وأشيد بإصدارات نادي جدة الأدبي فهو عدا عن الكتب الغنية التي يصدرها بين الفينة والأخرى، وعدا عن مجلة علامات التي يصدرها منذ زمن، فقد أصدر مؤخرا عدة مجلات مهمة في أجناس أدبية متعددة، فكانت الراوي في السرديات ونوافذ في المترجمات وعبقر في الشعر، و جذور في التراث ,.
ولعلنا نرجو مستقبلا أن ينتج النادي مجلتين أخريين في أدب الأطفال والمسرحية.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
ملحق الدعوة
الاقتصـــادية
المتابعة
ملحق المذنــــب
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved