عزيزتي الجزيرة.
تحية طيبة وبعد,.
فقد قرأت في عدد سابق من جريدتنا الموقرة الجزيرة وفي صفحة (الثقافية) قصيدة بعنوان لولاك ما عرف الهوى وهو عجز البيت الأخير من القصيدة, واحب ان اداعب ابياتها بعزف على اوتار الفاظها ومعانيها، وكل ما اكتبه متعلق بالقول لا القائل راجياً ان يتقبل الشاعر الكريم محمد بن سليمان عبيد هذه المداعبة لأبياته بروح رياضية وتعامل سماحي - على حبي للشعر العمودي الخليلي الموزون المقفى.
العنوان: لولاك ما عرف الهوى
ولولا عند النحويين اداة شرط غير جازمة ويسمونها حرف امتناع لوجود: امتنع الجواب لوجود الشرط, ويأتي بعدها مبتدأ مرفوع وخبره محذوف وجوباً وعلى ذلك فالأفضل ان تقول لولا انت وفي القرآن الكريم لولا انتم لكنا مؤمنين سباً 31 - ومع ذلك وحتى لا تزعل وحتى لا ينتقد تعبيرك هذا غيري اورد لك ما جاء في مغنى اللبب عن كتب الاعاريب لجمال الدين بن هشام النحوي, قال: واذا ولي لولا مضمر (ضمير) فحقه ان يكون ضمير رفع، وسُمع قليلاً لولاي ولولاك ولولاه - قال سيبويه والجمهور: هي جارة للضمير مختصة به - فهي (لولا) على رأي شيخ النحاة سيبويه حرف جر.
وقول لولاك صحيح - على قلة - ]مغني اللبيب - دار الفكر - ص ص 360، 361[, وعلى فكرة معنى سيبويه (رائحة التفاح) وهناك نحوي اسمه نفطويه ومعناه رائحة النفط - البترول.
قلنا ما قلنا - لغةً - ونأتي الآن للكلام اصطلاحاً
1 - لولا الهوى والحب بل لولاك لم نحد تلك العيس نحو رباك |
فلولا عيون هذه الأمّورة لم تحد تلك العيس.
والحداء الغناء للابل لتغذ السير، والربى: المرتفعات المتوسطة، والعيس: قافلة الجمال.
والآن ونحن في نهاية القرن العشرين وبداية الالف الثالث نجد من يحدو العيس - ورحم الله شوقي حين حدا عيسه بهذه الابيات التعليمية:
هلا هلا هيا واطوي الفلا طيا وجاوزي الحيا للماء والعشب |
**
هلا هلا سيري واجري بتيسير طيري بنا طيري للماء و العشب |
يا عزيزي في عصر الكونكورد والبوينغ والقطار الاكسبرس والسيارة الشبح 500SEL ما زلت تحدو العيس: استأجر لك سيارة ليموزين بدلاً من ان تصل اشعث اغبر حماك الله من وعثاء السفر وكآبة المنظر.
2 - لما شكت طول المسير زجرتها ذكّرتها انا نروم حماك |
وشكوى الخيل والبعارين قديمة: قال عنترة عن حصانه في معلقته
فازورّ من وقع القنا بلبانه ورنا الي بعبرة وتحمحم لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو عرف الكلام مكلمي |
(وازورّ: انحرف - القنا: جمع قناة وهي الرمح - لبانه: صدره - العبرة: الدمعة, تحمحم: صوت الحصان من الألم).
اقول: لماذا زجرتها ولم تكلمها بلطف - والموقف موقف هوى وحب - ولماذا ذكّرتها: هل كانت ناسية, او لعلك لم تخبرها ألبتة والا لما بكت ولا اشتكت، اما قولك: نروم حماك,.
فما دام حمى فابتعد عنه لأن من حام حول الحمى اوشك ان يقع فيه,, هذا ما لم يكن هناك فترة سماح واسأل الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية مسؤولة المحميات.
3 - فأستسهلت صعب الطريق يشوقها هذا اللقاء لأنه رؤياك |
وهذا على طريقة لاستسهلن الصعب او ابلغ المنى ولا ادري كيف شاق الجمل اللقاء هل وصفتها له؟ او لعل للجمل عند الحبيبة ناقة يشتاقها على طريقة:
وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري |
أما الرؤيا فهي في الغالب للحلم في المنام ولكن قد تكون - على قلة ايضاً - بمعنى الرؤية العينية: قال الشاعر:
فكبر للرؤيا وهش فؤاده وطمأن نفساً كان قبل يلومها |
والرؤيا هنا رؤية المسجد الحرام بالعين.
4 - انت الرياض بحلوها وبمرها انت الهوى يا غادتي - اهواك |
فان كنت تقصد بالرياض الحدائق فكلها حلوة الا ما كان من شجر مر وان كنت تقصد الرياض عاصمتنا الحبيبة فهي حقا حلوة.
واما قولك: يا غادتي اهواك, فهذا فاكس والجواب: عُلم ويُحفظ.
وعلى ذكر الحلو والمر: فعسى ان يكون لديها شاي حلو وتمر حلو وقهوة مرة تقدمها لك.
5 - يا وردة قدمسها فوح الصبا يسمو على كل الورود شذاك |
كلام جميل شاعري ]وردة، فوح، شذا[.
اقول: يا وردةً - وردةً: منادى نكرة مقصودة حقه البناء على الضم لكن اجاز نصبه الجملة الوصفية بعده, قال شاعر يرثي طفله:
يا كوكباً - ما كان اقصر عمره - وكذاك عمر كواكب الأسحار |
ويصلح قولك الصَّبا وهي ريح خفيفة لطيفة تهب من الشرق.
كما يصلح ان تقول الصَّبا الفتوة ولا اظنها الا صبية فتية.
6 - والماء عذب ريّق قد زانه طعم الوصال مزجته بلماك |
وجميل طعم الوصال في عصر الاتصالات Communications وقد مزجته باللمى (واللمى سمرة في الشفتين محببة) ولكن متى كان الوصول والوصال؟ لم تخبرنا بموعد الوصول ولا اريد ان اعلق كثيرا على هذا البيت حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه.
7 - والريح تمنح في سرور شدوها صوت الحبيب اذا تحدث حاكِ |
اما الريح فكفى الله شرها قال تعالى: واما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية , (الحاقة 6 - 7 - 8).
فالريح لا تشدو ولكنها تصرّ واذا كان صوت الريح كصوت الحبيب فيا ساتر! فلعل الحبيب اسد يزمجر اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً فالرياح تحدو (على رأي الشاعر) السفن وتسوق السحاب على الأرض الجرز.
اما الحاكي فهو الفونوغراف او ما سمي بصندوق الاغاني ثم البيك آب واظنه الآن بعد الستريو والكاسيت والفيديو كليب في المتحف.
8 - يا درة الفردوس بالله ارحمي هذا المعنّى اعطه نجواك |
نوافقك القول على تشبيهها بالدرة البيضاء,, قال الأعشى في وصف صاحبته قتلة - هكذا اسمها بدون اي تدخل مني:
او بيضة في الدعص مكنونة او درة شيفت لدى تاجر |
والبيضة بيضة النعام لا الدجاج
والدعص كوم الرمال ولعله ما يسمى محلياً بالطعس .
وتطلب منها الرحمة - يا سيدي رحمة ربنا وسعت كل شيء.
ثم بماذا ترحمك؟ تعطيك نجواها؟ اذكرك بقوله تعالى:
(يا ايها الذين آمنوا اذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي اليه تحشرون, انما النجوى من الشيطان[ المجادلة 9 - 10.
اما المعنّى فهو من الشعر الشعبي الغنائي: المعنى يقول احبتي اوحشوني .
وعلى كل: من تعنّى نال ما تمنى .
9 - وترفقي بمشاعر الصب الذي مزج الهوى بالحب يوم اتاك |
والهوى: قال الرازي في مختار الصحاح: و(هوي) احب اما الحب فقال عنه: والحب المحبة.
والشاعر مزج الهوى بالحب يعني مزج الحب بالحب والنتيجة عند الشاعر.
اما الصب: قال الرازي: الصبابة بالفتح رقة الشوق وحرارته، والبيت هذا يذكرني بمطلع قصيدة مغناة:
سمراء رقي للعليل الباكي وترفقي بفتى مناه رضاك |
*********************
10- ولد الهوى واخضرّ عود شبابه فكأنه والحب يوم لقاك |
قلت: ولد الهوى فهو رضيع، واخضرّ عود شبابه اي صار شبابا, والشباب قوة وفتوة وليس اخضراراً والا فهو كما قال الشاعر:
همسات النسيم تجرح خديه ولمس الحرير يدمي بنانه. |
والبيت (بيت الشاعر رقم 10) فيه استعارات جميلة.
لكنه يذكرني بقول شوقي قي قصيدة يا جارة الوادي المغناة:
لا أمس من عمر الزمان ولا غد جمع الزمان فكان يوم لقاك |
*********************
11- قد صار ميعاد الهوى قدراً لنا لولاك ما عرف الهوى لا لولاك |
ويذكرني هذا ببيت شوقي:
يا لائمي في هواه والهوى قدر لو شفّك الوجد لم تعذل ولم تلم |
والقدر خيره وشره من الله تعالى.
اما (لولاك ما عرف الهوى لولاك) فلولاها: ما احب قيس بن الملوح ليلى ولا احب عنترة عبلة ولا احب قيس بن ذريح لبنى ولا احب عروة عفراء ولا احب جميل بثينة ولا احب حسن نعيمة ولا احب انطونيو كيلوباترا ولا احب ذكرٌ انثى.
واتمنى اخيراً ان يصل الحبيب الى المحبوبة فيجدها قد رحلت ليقف على الاطلال باكياً منتحباً فيكمل الناقص .
اما بعد,, فلا يضير الشاعر ما كتبنا فله ان يقول ما يشاء، والقصيدة خرجت من يده بعد النشر وصارت للقراء ليقولوا ما يشاؤون، وكما قال رؤبة بن العجاج الراجز لمن خطّأه: علينا نقول وعليكم تعربون .
شكراً لجريدة الجزيرة الطالعة وصفحة عزيزتي الجزيرة الساطعة والقراء الكرام,, والسلام ختام.
نزار رفيق بشير
الرياض