Thursday 3rd June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 19 صفر


عن سلبيات السياحة الخارجية
إنها الظاهرة النشاز

عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يتهادى العمر ناكصا، وتخطو السنة مثقلة، وتدول الاسابيع، وتفر الايام، وتتسابق الساعات مع عقاربها على ذلك الميناء اللامع، ليفغر الزمن فاه مدويا بالعد التنازلي الحثيث حتى يصل الى ساعة الصفر الموعودة، المودعة كل عام بدموع سخينة وزفرات محرقة على امل انتظارها في العام القابل.
عندها تجف الصحف، وترفع اقلام الطلاب والمصححين عن اوراق الاجابة لتذهب الى حيث لا ترجع، فيسترخي الجميع اتكاء على المقاعد بعد عناء الانحناء المتواصل، وتغمض الاجفان بعد التحديق المركز، كل ذلك يوجد ميدانا رحبا في خلد طائفة من البشر، لتعتلج فيه افكار مزيفة لها (أس) قديم، وجذور ضاربة تطالب بدينها وديدنها الذي اعتادت عليه كل عام في هذا الوقت دون غيره، ويشتد الالحاح اذا كانت تلك الافكار جديدة هي بنت لحظتها لم تنقدح في ذلك الذهن الساذج الا مؤخرا علقت نواتها ثم تضخمت متمخضة لاشباع غريزة التقليد والمحاكاة، او حب الاستطلاع والمغامرة، او لتغيير متطور يرقى ليهوي منحطا يمليه مفهوم منتكس، مع شديد الاسف, لعل قارئي العزيز ادرك كنه هذا المعنى المراد سليقة وتأكد ادراكه حين يلتفت فيرى الطوابير المتهادية داخل المكاتب السياحية وامام موظفي المطار كل واحد قد ارتسم في مخيلته مقعده الوردي الوثير الذي رمز اليه ب (ok) ليطير مسافرا الى المجهول فارا من موطنه الام وموئل عقيدته وساحة اهله وارض عاداته المشمخرة الاصيلة الى مضائق الغربة والوجل، الى مآزق التربص والخوف، الى غياهب الدنس المتعفن، ناهيك عن تلاشيه ذائبا داخل ذلك المجتمع الهابط بما يأطره به من عادات ممقوتة هي للغاب اقرب شرعة، وبالجاهلية اشد تشبثا، وتزداد النار توهجا والجحيم تسعرا اذا كان في ركبه ثلة من افراد رعيته الضاحكين الباكين السعداء الاشقياء، وقد غطى الغبش مآلهم المنتظر ومصيرهم الرمادي - يضيق صدري فلا يسعفني البنان الا بالبيان الكوني البنوي (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته,,) وقوله: (كل مولود يولد على الفطرة,,,) إنها الامانة السامقة والعقيدة الراسخة المتغلغلة في نفوس ابناء هذا البلد القمم، تمازج الدماء جريانا، وتخالج الانفاس زفيرا، أليس من الظلم ان تبعد عن ارضها لتمتهن في معركة قاسطة لا تكافؤ في اطرافها؟! أليس من الجور ان تصفع وتلطم وحيدة بين اعدائها؟!
انه الخسران المبين والهلاك الجلي.
لعمرك ما الرزية فقد مال
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد دين
يموت بموته خلق كثير
قارئي، غاية مقصدي، ومهجة فكري، خذ معي هذا المثال الحي المتأرج نشره يتضوع للاجيال اللاحقة ولمن بعده من امم منذ خمسة عشر قرنا ولا يزال نابضا بالحيوية والدفء وبالمثال يتضح المقال, لما شعَّ نور الاسلام في يثرب هاجرت اليها افواج المسلمين تاركين ديارهم واموالهم واهليهم، فارين بدينهم الى حرز حصين يأمنون به على عقيدتهم الجديدة، ويلوذون في جنباته بإسلامهم، آلامهم مد، وآمالهم جزر في خضم متلاطم.
بيد انه بقي فلول منهم لم يخرجوا للمدينة لعدم تمكنهم ولقساوة ظروفهم التي اجبرتهم على البقاء في مكة المكرمة، حبا لوطنهم، وادارة لشؤونهم، ورعاية لاهلهم، ومكة هي مكة عزا وثباتا ورسوخا في نفوس اهلها، لم يخرج منها الرسول صلى الله عليه وسلم الا متلفتا لشعابها وجبالها يمشي ويقف (ان الله ليعلم انك احب البقاع الي,,,) ومع ذلك كله اوجب الله عليهم الخروج منها بدينهم مهما يكن الامر، بل عاتب الذين لم يغادروها وزجرهم وقذفهم بحمم الوعيد الشديد,, (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا).
وبعد ذلك كله تنقلب المفاهيم، وتختل الموازين، فيجوز اناس من حرزهم الايماني الى بلاد الضلال والسفور! لعمرك أهو خطل في العقل والتفكير ام رعونة في التصرف والسلوك؟!
هلا جلونا غشاء ابصارنا الذي راكمته الدعايات المغرضة والافكار العقيمة! لكي نلحظ عن كثب ما تكتنفه بلادنا الشاسعة بين فجاجها، وما تلفه اطرافها وسروحها من جنات وارفة الظلال، وغابات طامية العرامض، واماكن ترفيهية,, ليس هذا مقام اطرائها.
لندقق النظر، ولنرجع البصر، ولنستصحب الوازع، ولنكن فطناء في المقارنة لا نخدع بالمادي على حساب المضمون المعنوي، ولا نصفق للاشكال الظاهرة مهملين المبادىء والاسس الراسخة.
ألم تر ان السيف ينقص قدره
اذا قيل ان السيف امضى من العصا؟
فلا مجال للمفاضلة! اذ نحن اهل التميز والاصالة، وابناء الملّة الأُنف، واحفاد كل رجل مغوار همام، تذوب الزخارف والنظريات امام طودنا الراسخ، وتتهالك الحضارات حاثية حذو كياننا الاسلامي السماوي، فتتخبط عاتية ترمي بشرر كالقصر,.
حديث مداده دمي، ويراعه مهجتي أتشهى صريره على اوراقي المكفهرة المتفائلة، عله يجد موقعه وكما قال محمد إقبال:
حديث الروح للارواح يسري
وتدركه القلوب بلا عناء
هتفت به فطار بلا جناح
وشق انينه صدر الفضاء
ومعدنه ترابي ولكن
جرت في لفظه لغة السماء
لقد فاضت دموع النصح مني
حديثا كان علوي النداء
وجاوبت المجرة علّ طيفا
سرى بين الكواكب في خفاء
وقال البدر هذا قلب شاك
يواصل شدوه عند المساء
ولله الامر من قبل ومن بعد
فهد بن علي بن دخيل الغانم
الرياض

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved