نحن وقارب الحياة,. د,فهد حمد المغلوث |
يأخذنا قارب الحياة معه ويلفنا بين جنباته ويرحل بنا بعيداً عبر المحيطات دون ان ندري الى اي ميناء سوف يحط بنا الرحال.
يطوف بنا هذا القارب عوالم مختلفة غريبة وجديدة لم نعهدها من قبل، وكل هذا، ونحن راضون لانملك سوى التسليم بالامر الواقع المفروض علينا ممن هم حولنا وممن لانستطيع سوى ان نوافقهم الرأي ونحن له كارهون! سوى ان نبتسم والالم يعتصر قلوبنا! سوى ان نسايرهم ونحن غير مقتنعين!
يجوب بك هذا القارب بلاد العالم عبر امواج هادئة ومريحة احيانا، وامواج متلاطمة عاتية احياناً اخرى، وانت ومقدار الحظ المكتوب لك والقدر المخبأ لك والذي لاتستطيع ان تهرب منه او تغير مساره.
احياناً تكون محظوظاً اذا كنت انت من يمسك دفة ذلك القارب إن كانت له دفة اصلاً: انت من يوجهه الوجهة التي تريدها وتتوق للتوجه اليها ومشاهدتها- هذا ان كان للقارب مجداف اصلاً!- واحياناً لاتملك سوى ان تكون تابعاً ليس لك من الامر حول ولا قوة، ليس لك سوى ان تسلم بكل وجهة يختارها لك هذا القارب ويحط رحاله بها.
وهكذا هي حياتنا في الكثير من جوانبها او في معظمها لانملك سوى ان نهز رؤوسنا كدليل على علامة الرضا بينما من داخلنا وواقعنا نرفض مانمارسه وبشدة, واتمنى ان تكون انت عكس ذلك تماماً، ولو كنت كذلك فيا لك من محظوظ.
نعم احياناً تكون محظوظاً حينما يجوب بك ذلك القارب البحر عبر امواج هادئة خفيفة ترى من خلالها عالم البحر الجميل وصفاءه، ترى تلك الاسماك والحيوانات البحرية المختلفة الانواع بأشكالها المتغايرة واحجامها المتباينة وألوانها الزاهية تراها تقفز من حولك كاراجوز يريد ان يريك مواهبه المتعددة ومداراته المتفردة.
ترى تلك الاسماك وغيرها من الكائنات البحرية تنتقل من مكان لآخر بحرية، وانت تنظر لما يدور حولك وتتابع المشهد بكل اهتمام وحرص ولسان حالك ربما يقول :ليتني اعيش تلك الحرية التي تحياها تلك الكائنات البحرية، ليتني انطلق مثلها بحرية مشروعة دون قيود، ليتني اعبر مثلها عما اريده واتمناه دونما خوف من إساءة فهم او تأنيب او احتقار وتجاهل متعمد، ليتني فقط اعيش في هدوء وسلام دونما مشكلات وإهانات! وبين هذا وذلك، تعاود النظر لما يجري حولك في البحر من مشاهد طبيعية تأخذ الالباب، اجواء غير عادية تجعل لحظات التفكير معاني اخرى جميلة هادئة تستطيع ان تتأمل وتفكر فيها بصفاء ذهن حيث رذاذ نسمات البحر الباردة تلفح وجهك، فتتساقط برفق على خديك ويديك، لتكون اشبه بقطرات ندى فجرية منعشة تلطف حرارة الجو من حولك.
نعم اجواء رومانسية حالمة تجعلك اثناء تلك الرحلة الرائعة تعيد حساباتك في هدوء، وتسترجع ذكريات الماضي الجميلة على اقل من مهلك وتبني احلامك وطموحاتك المستقبلية, بمجرد وصولك لشاطىء المستقبل الذي ينتظرك بشوق فاتحاً لك ذراعيه.
وانت في مثل هذه الاجواء الرائعة التي يحلم بها كل انسان ينشد السعادة والهدوء والبساطة، وانت في مثل هذه الاجواء، لاتفكر في وقت الوصول بل تريد ان تطول تلك الرحلة وتطول، لايهمك الوقت الذي تقضيه فيها بقدر ما يهمك كمية المتعة التي ستحياها كلما طال وقت الرحلة وكلما رأيت زرقة ذلك البحر وامتداده اللا محدود واسراره التي لاتنتهي وكنوزه التي تعرف جزءاً من المفاتيح السرية لبوابته الغامضة التي يحار في فهمها كل انسان حاول الوصول اليها او كلما اعتقد انه نجح في ذلك.
هذه الامواج الهادئة قد نواجهها في حياتنا اليومية بأشكال وانماط مختلفة، نواجهها بالتفاهم ولغة الحوار المشتركة، نواجهها بالصراحة الهادئة وتوضيح نقاط الخلاف، نواجهها بالتسامح وعدم التشدد في كل صغيرة وكبيرة تواجهنا وبالذات مع من نحب، نواجهها بمجرد ان نشعر بقوة وصدق حبنا بعضنا لبعض وتضحياتنا المستمرة من اجل ان يستمر هذا الحب الطاهر وتدوم تلك الوشائج الاسرية والقرابية على نحو يقوي من وحدة المجتمع ويزيد من ترابطه.
واحيانا ومن دون ان تشعر او تخطط لذلك ورغما عنك، يرحل بك ذلك القارب عبر عاصفة هوجاء حيث الامواج المتلاطمة التي لاتعطيك الفرصة الكافية لارتياد قوارب النجاة- هذا ان كان هناك قارب واحد متاح لك في مثل هذه الظروف العصيبة-! عاصفة لا تسمح لك حتى بالتفكير في كيفية الحفاظ على توازنك ريثما تصل الى الشاطىء القريب منك بأمان.
رحلة مزعجة لاتعطيك الفرصة للاستمتاع بمعالم البحر واجوائه تلك التي طالما درستها في مواد الجغرافيا والتاريخ على امتداد المراحل الدراسية الاولية من حياتك في يوم من الايام.
وهكذا نحن ايضاً في واقع حياتنا اليومية لهاث مستمر لتحقيق امانينا ورغباتنا، اقصد جزءاً منها، واي جزء! وليتنا ننجح في ذلك!
سعي متواصل للنجاح في تثبيت اقدامنا على خريطة الحياة، لاثبات وجودنا لمن هم حولنا، لاشعارهم بأننا نستحق منهم التفاتة ولكن ينبغي ان ندرك ان الله سبحانه وتعالى له حكمة في كل شيء، فلربما كان في ألمنا مصدر سعادة للآخرين، لربما كان في مصائبنا اجر وثواب, لربما كان في تلك الدموع الغزيرة التي تنزل منا رغما عنا ربما كان فيها عبرة لغيرنا وربما وربما.
ويكفي ان تعرف انه اذا كان هناك من لايعترف بك، من تجاهلك من لايعتبر لك موجوداً، فهناك بالمقابل انسان آخر عكس ذلك تماما ولكنك لاتراه بشكل مباشر، ولكن دعواته تصل اليك من بعيد, مكانتك لديه كبيرة لايضاهيها احد آخر غيرك, هي فقط الظروف الصعبة وسوف تزول بإذن الله تعالى، المهم ألا تيأس وتذكر ان الله سبحانه وتعالى معك طالما كانت احلامك وطموحاتك مشروعة,, ومرة اخرى فأنت لست لوحدك، بل هناك من يحيطك بحبه ويظللك بحنانه ويحتضنك بعطفه مهما كنت بعيدا عنه، لانك ببساطة لست اي انسان من نظره!
همسة
ما أروع قارب الحياة,.
حينما تكون وجهته,.
مكانا تتحقق فيه احلامنا,.
فضاء يتسع لحبنا,.
اجواء لاتصلح سوى لنا,.
***
ما اعذب قارب الحياة,.
حينما تكون نهاية رحلته,.
مكان تكمل فيه سعادتنا,.
لقاء تكتحل فيه اعيننا,.
تسكن فيه ارواحنا وقلوبنا,.
***
ما اجمل قارب الحياة,.
حينما تكون مهمته,.
ايصالنا لبوابة مستقبلنا,.
تسليمنا مفاتيح منزلنا,.
تأكده من سلامة وصولنا,.
***
بل ما اعذب رحلة الحياة,.
حينما تكون انت رفيق دربها,.
انت سر سعادتها,.
انت بطل روايتها,.
مهما طال امدها,.
|
|
|