Thursday 3rd June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 19 صفر


حقيقة وأد الحقيقة (3)

ذكرت في مقالة سابقة بالعنوان أعلاه ما نصه ماذا عن صورة العربي المسلم في الاعلام الغربي والحط من قدره بل وتجريده من انسانيته؟! ,,,، وهنا استعرض في تلك الحلقات تعاملهم الاعلامي مع حادثين ارهابيين قتلا من الأبرياء ما قتلا وروعا من الآمنين ما روعا, الأول: وقع في مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك وقام به- كما دلت التحقيقات لاحقا- زمرة من المحسوبين علينا ديانة وقومية, الحادث الثاني: وقع في مدينة اوكلاهوما ستي في ولاية أوكلاهوما وتبين فيما بعد ان من قام بتنفيذه - بعد اتهام العرب أولا بالطبع!- شاب أمريكي ابيض مسيحي الديانة, هنا دعونا نتحدث عن اعلامهم والحادث الأول! , في الوهلة الأولى من وقوع الحادث يصدمك! خطابهم الاعلامي بموضوعيته! حين يقوم بتذكير المشاهد بضرورة توخي الحذر والتزامه فيما يخص القاء التهم جزافا على هوية فاعله, ولكن وبقدرة قادر! وبعد ان يلوح في افقهم! أمل يوحي بأن الفاعل من حثالتنا ينقشع الهدوء وتهب العاصفة وتتطاير ذرات موضوعيتها, فيلجأ خطابهم الاعلامي أولا الى اغتيال شخصية الفاعل Character Assassination وذلك باضافة مزيد من الصفات اللاإنسانية الى ذلكم الحدث اللاانساني اصلا!, فتبدأ المسيرة المنحوتة! من نظريات علم النفس وغيرها من العلوم الانسانية الخبيرة بخفايا الطبيعة البشرية! لتسلط الأضواء وبطريقة غير مباشرة! على الفاعل وتبرزه بصورة الحاقد المتربص بضحاياه، مما يرسخ يقين المشاهد بأن هذه هي صنعته وذاك ديدنه, هنا تحل الخطوة الثانية، والتي دوما ما يستهلها اساطين اعلامهم بتجاهل حقيقة طالما تشدقوا بها فخرا واعتزازاً!: ألا وهي: الايمان بفردية الانسان البالغ واستقلاليته ومسؤوليته هو وهو فقط! عما تقترفه يداه،فيسارعون بالنبش! عن خلفية الفاعل العائلية ليحظوا غالبا بلمحة تاريخية صوتا وصورة! عن أسرته والأسرة بالطبع تمثل النواة الأساسية للثقافة! فترى أمه وأباه الطاعنين بالسن وقد أحاط بهما الأولاد والأحفاد والجميع يصارعون وطأة الألم والحسرة! في تلك اللحظة لا بأس من ابراز صورة حائطية تظهر المجرم مبتسما في صورة جماعية مع العائلة! , هنا يضيف هذا المشهد المتناقض والممتزج بالفرح والحزن والتجهم والخوف من المجهول القريب والبعيد مزيداً من الجرعات اللاانسانية من حيث انه قد وسع نطاق المسؤولية عن الجرم وذلك بايحائه الى المشاهد - المستعد لتصديق أي شيء في تلك اللحظة، والمصدوم اصلا من هول الحادث!- بأن ذاك الشبل المجرم من لدن تلك الأسود أفراد عائلته! ,, ولِمَ لا؟! فكل الدلائل تشير الى ذلك: فالعرين واحد والدين واحد والهوية واحدة والملامح واحدة كذلك!, بعد فراغهم من مهمة! إدانة الفاعل ومن ثم عائلته في ذهن المشاهد! ، تبدأ خطوتهم الثالثة باستغلال ثمار ما زرعوه حتى الآن ومن ثم استخدامه في تأسيس ومن ثم تأصيل ما يعرف بالنمطية أو القولبة stereotype والتي تعني خلق صورة ذهنية مشوهة عن جماعة أو سلالة ما من خلال استغلال حدث فردي! ومن ثم تعميمه جزافا على كل من ينتمي اليه هذا الفرد!, الآن إذن قد آن الأوان لمرحلة ادانة الأمة التي ينتمي اليها مجرمنا وثقافتها المنبثقة من ديانتها!, وعليه، تسارع علوم الجغرافيا والأديان وايكلوجية الجريمة,, لتقدم مشهدين: أحدهما قريب من المشاهد جغرافيا والآخر بعيدا عنه وفي قارة نائية!, أما المشهد القريب فيظهر المسجد الذي يرتاده المجرم في أمريكا وهو مليء بالمصلين لتأصيل الخوف في قلب المشاهد من خلال اشعاره بقرب الخطر منه Fear Factor ليعقبه مباشرة مشهد لمسجد اكبر حجما واكثر ازدحاما في احد الديار الاسلامية!, ما المراد من وراء هذين المشهدين؟, وماذا عن تلك المسافة بينهما؟ هنا تقوم عوامل وحدة شعائر الصلوات وتراصف الصفوف وتشابه الهندام,, تقوم بدور اختزال المسافة الجغرافية بين المسجد القريب والمسجد النائي اللاشعوري في ذهن المشاهد، الأمر الذي يزيده اعتقادا بأن ما يحدث هنا يحدث هناك كذلك، فالخطب يعم العالم بأسره! فيشعر هذا المشاهد باحداق الخطر به وتُشل قدرته على التفكير بموضوعية وحينها لا يعد قادرا على التمييز بين الحادث الارهابي وفاعله وأسرته وأمته وثقافته ودينه!, وهنا يأتي دور الأرشيف التلفازي فيبرز صورا وثائقية لحوادث ارهابية سابقة قام بها أناس ممن هم على شاكلة هذا المجرم مما يجسد بالتالي يقين المشاهد بأن كل من يدين بدين هذا المجرم فهو مجرم مثله! They are all the same! .
الآن وقد تحقق المبتغى! يقوم التلفاز بعد ذلك بقطع تغطيته للحادث ليبث اعلانا تجاريا وكأني به يهدف الى اعطاء مشاهده المفجوع فرصة لبلورة وهضم أفكاره الجديدة! ليعود مرة أخرى ويصدمه بمقابلة مع أُسر الضحايا من الأرامل والأيتام والجيران وزملاء العمل كذلك! وأخيرا يختتم هذا التلفاز صدماته ويقصم ظهر ما تبقى من شك بلقاء مع خبير بشؤون الشرق الأوسط، الذي غالبا ما يكون صهيونيا أو صنيعة صهيونية تراه والفرح يشع من عينيه رغم تصنعه الحزن!.
فيقحم معاناة اسرائيل من الارهاب!! ويؤكد ما تم استعراضه سابقا من حقائق!!! ضحيتها أولا وأخيرا رحمة وسماحة وعالمية دين رباني عظيم وبراءة ما يفوق الألف مليون من أتباعه، ناهيك عن حقوق إسلامية مسلوبة في مشارق الأرض ومغاربها, يتبع .
د, فارس الغزي.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved