تحقيق: عذراء الحسيني
بعيدا عن نظرتنا الاحادية الجانب التي اغرقتنا في تفاصيل المعلومات والاحصاءات الرقمية والحديث المتكرر عن الطرق السريعة لوصول المعلومات، الكلمات، المعاني، والكتب الالكترونية، والموسوعات الناطقة والاسواق التلفزيونية، والمراسلات المرئية المشوبة بألف سؤال وسؤال.
وبعيدا عن المطروح حول السموم والافتراءات والحملات المملوءة بالطعن والتهجم والتضليل والتزوير وما الى ذلك من استخدامات سلبية التصقت في اذهاننا حول (شبكة الانترنت) وما تحتويه من شوارع معلوماتية فيها كل ما يخطر على البال.
فان الجديد الان الذي نتابعه او ما يجب ان نتابعه هو الوجه الناصع الذي نطل عبره من خلال الاستخدام الشعبي بعيدا عن اطار الاهداف المبطنة التي تواكب عادة بدايات كل ما هو جديد.
وتتجلى هذه الاطلالة من خلال اتاحة الفرصة لا تكاءه هادئة مع الكلمات والابداعات ولعل حكاية الفنان التشكيلي المصري المعروف صلاح طاهر الذي بيعت لوحته بسبب الانترنت بمليون دولار مؤخرا وهو اعلى سعر للوحة تشكيلية مصرية تضيف ميزة اخرى اتاحتها لنا هذه الخدمة من خلال دعوة ضمنية للتبحر في معرفة فنوننا وابداعاتنا المهدورة التي حظيت للاسف باهمال كبير من المؤسسات المعنية جعلنا نتلقف هذا الخبر مشدوهين امام الاصفار الستة التي ذيلت الرقم الذي بيعت به لوحة فنان عربي.
هذه الحكايات المتتالية تستدعي سؤالا مهما حول علاقة المبدعين بالانترنت كوسيلة لنشر اعمالهم عالميا وكيف ينظرون الى هذه الخدمة ونحن على ابواب القرن الجديد كوسيلة لتدعيم الذائقة البصرية بعيدا عن المضامين التسويقية التي ندرجها عادة ضمن اوليات اهتمامنا خصوصا بعد ازدياد نشاط الصالات الفنية عبر الانترنت وفي ضوء تزايد اعداد المشتركين والمستخدمين للشبكة الدولية الذين يلهثون باحثين عن المعرفة والمتعة والتسوق والتجارة ومتابعة المستجدات واستقاء المعلومات التي تتدفق من كل صوب وحدب حول كل ما هو جديد اضافة الى السعي لفتح آفاق جديدة لبرامج تفتيش جديدة خصوصا في ضوء جائزة (ويب) التي اعلنتها منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لافضل تصميم لموقع ثقافي على الشبكة الدولية والتي تشمل منح شهادة تقدير ومكافأة مالية من المدير العام لليونسكو في باريس.
هذه المستجدات تدفعنا الى اعادة النظر في تعالمنا مع خدمة الانترنت بعيدا عن الدهشة والاستغراب او الاستخدام العشوائي لنصبح قادرين على فك ألغاز كل المفردات المستعصية على السمع والبحث.
وهذا الرأي ليس احادي الجانب حيث جاءت اجابات الفنانين والمهتمين حاسمة وملحة وبصوت واحد (نعم للانترنت) الذي يحقق التسويق الجيد والترويج لاعمال راقية التي نحن احوج ما نكون الى معرفتها في اطار الضرورة المعلوماتية والتنافس المشروع لابراز نتاجات يمكن ان يطلع عليها حوالي 800 الف مستخدم عربي.
وهذه فرصة جماهيرية كما يقول الفنانون لا تتكرر او تعوض.
وهذه القواسم المشتركة في الرأي على اهمية البعد الثقافي في الخدمة لم تلغ خصوصية الاجابة عند كل مشارك في الاستطلاع.
نافذة الكترونية
الدكتور يوسف العامود رئيس قسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود وله اهتمامات ثقافية متعددة يرى أهمية شديدة لهذه الخطوة لما لها من ابعاد جديدة ذات مضامين عميقة ونافذة يمكن ان نطل منها على العالم من حولنا,, نتواصل معه,, نأخذ منه ونعطي.
ويضيف الدكتور العمود ان الابداع من منظور شمولي يقوم في اساسه على قدرة الفرد المبدع على ابتكار الجديد في حقله وفي مجال الفنون التشكيلية يكون العمل الابداعي اكثر بروزا نظرا لخصوصية البعد الجمالي في العمل الفني التشكيلي.
واضاف بان الانترنت نافذة الكترونية نرى من خلالها العالم وماذا يدور فيه ومجال الرؤية في مواقع الانترنت هي مثال واضح وقوي لدور الفنان التشكيلي سواء كان مصمما او رساما او مصورا في تشكيل وصياغة تلك المواقع الاليكترونية بشكل يسر الناظرين ويكون كفيلا بجلب وزيادة اعداد العملاء والزائرين لتلك المواقع, والمبدعون في الفن التشكيلي ربما يكونون اكثر الشرائح الثقافية قبولا وترحيبا بالانترنت نظرا لتطور وعيهم الفني ونضج ثقافتهم البصرية.
وعن التجربة التي تناقلتها الصحف حول بيع لوحة الفنان المصري صلاح طاهر بمليون دولار عبر الانترنت قال: قبل كل شيء الفنان صلاح طاهر من الفنانين العرب البارزين وانتاجه الفني بحق قائم على الابداع لانه يسعى للربط بين الاصالة والمعاصرة ولا نستغرب ان يصل مستوى العمل الفني الى هذا الرقم لان العمل الابداعي في الاصل لا يخضع للتسعيرات المادية ,, فهو فوق المادة والعمل الفني المبدع مهما بلغ ثمنه فيظل هذا الثمن رمزيا لانه لا يمكن بحال ان يعكس القيمة الحقيقية لذلك العمل.
المبدعون واعمالهم الفنية الابداعية تكون بؤرة اهتمام الدول المتقدمة,, فيجب النظر لهؤلاء المبدعين على انهم ثروة قومية وهي مصدر العز والفخر وهذه الثروة لا تخضع لبورصة البيع والشراء ولدينا الكثير من المبدعين في شتى الفنون الذين لديهم القدرة ويملكون الخبرات الناضجة والمتقدمة التي تجعل منهم مبدعين على قدم المساواة مع غيرهم سواء في الشرق او الغرب.
والسؤال المطروح هنا: كم فنانا عربيا تفرد في طرح تجربته الخاصة سواء على صعيد الفكرة او التقنية التي يطرحها مقارنة بالاساليب المتنوعة التي ينتهجها الفنان الغربي الذي اتخذ من الانترنت وسيلة فاعلة تربطه بالعالم وتدفعه الى التجديد وابتكار اساليب مستحدثة كل يوم لتطوير تجربته؟
يقول الدكتور العمود: يجب ألا ننسى ان المجتمع الغربي مجتمع متقدم جدا من الناحية التكنولوجية وبالذات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالمقابل نجد ان بعض الفنانين لدينا لم يستعمل او حتى لم يفكر باستعمال الكمبيوتر سواء في مجال التطبيقات العامة او التطبيقات الفنية.
فالمجتمع لدينا بشكل عام للأسف مجتمع امي واعني بأمي هنا في حسابات عصرنا الحالي والعقود القادمة فمصطلح الامية يتغير الان من افتقاد الفرد للقدرة على القراءة والكتابة الى عدم القدرة على التعامل مع الكمبيوتر فأمية الكمبيوتر اذا لم يكن هناك خطط استراتيجية على اعلى المستويات لمحوها ستكون من ابرز عوائق اللحاق بركب الحضارة فالمعارف والخبرات الانسانية التي كانت تتطور في مئات السنين في الماضي اصبحت الان تتم في ازمنة قياسية لا تقارن البتة بما كان يتم في الماضي.
ويضيف بأنه خلال العقدين الماضيين وبفعل التطور المذهل لشبكة الانترنت وظهور العديد من المواقع الخاصة بالفنون التشكيلية سواء التابعة لفنانين تشكيليين مستقلين او لمؤسسات حكومية او اهلية اصبح الفنان التشكيلي في جميع انحاء العالم امام دفق هائل من المعلومات والاخبار والخبرات والتجارب والصور الحية بشكل يجعل هذا الفنان يشعر بخطورة وضخامة التحديات امامه فالانترنت مثال حي لما يمكن ان يكون عليه التثاقف A cculuration وهو من مصطلحات علم الانثروبولوجيا الثقافية.
والتثاقف يعني بكل بساطة عملية التغيير الثقافي الناتجة من حصول اتصال بين ثقافتين مختلفتين وشبكة الانترنت سوف تكون من محطات الاتصال والتواصل الثقافي التي سينتج عنها تغيرات ثقافية كبيرة جدا, ومنظومة الثقافة في السياق الانثربولوجي تمثل مظلة كبيرة ينطوي تحتها الدين والفن والسياسة والاقتصاد والاخلاق والعادات والتقاليد وغيرها بمعنى ان العالم مقبل على تغيرات ثقافية كبيرة في جميع القنوات الثقافية، فالثقافة الغربية بقوتها وسطوعها الاعلامي العالمي سوف تجد في الانترنت المجال الواسع في التبشير لها ولاشك ان ذلك سيهدد الثقافات الاخرى وبالذات الثقافة العربية الاسلامية.
ومن هنا يبرز دور المثقفين والمفكرين في توظيف الانترنت في تقديم ثقافتنا بالمستوى القادر على مواجهة هذه التحديات ويعتبر الفن التشكيلي من ابرز قنوات الثقافة القادرة على تقديم ثقافتنا العربية الاسلامية للعالم عبر الانترنت والذي يجعل للفن التشكيلي هذه الاهمية كونه يتعامل مع الصورة Image والمثقفون في جميع انحاء العالم يدركون جيدا قيمة واهمية وثراء المعلومات والمعارف من خلال الفنون البصرية,, ففي الثقافة الغربية يقول احد الامثال ان صورة واحدة تفي عن الف كلمة ووظيفة الصورة في التربية والثقافة حديث طويل ليس المجال هنا للتوسع فيه.
سألت (العمود): في ضوء تعدد العروض والمبالغ الزهيدة مقابل تحقيق ذلك الانتشار لماذا يعزف الفنان العربي عامة والسعودي خاصة عن انشاء مواقع وصفحات للاعمال المميزة؟
يقول (العمود): السبب في ذلك يعود الى حداثة تجربة الانترنت كما ان امية ورهاب الكمبيوتر بين العديد من الفنانين التشكيليين السعوديين من العوائق الكبيرة التي تحد من الاستفادة من امكانيات وخدمات الانترنت واعتقد انه خلال الاشهر القادمة سوف تستقبل الانترنت العديد من المواقع الخاصة بفنانين تشكيليين سعوديين ولا استبعد خلال فترة قصيرة قيام جمعية اوناد انترنت للفنانين التشكيليين السعوديين لتحقيق التواصل والتفاهم وتبادل الخبرات فيما بينهم خصوصا في ظل غياب تكتل يمكن ان يحقق مثل هذه الاهداف.
هبة من الله
وانطلاقا مما كتبه الالماني جيهار سفيلجز بان تطبيقات تكنولوجيا المعلومات تخدم الافراد اولا وقبل كل شيء يبلور الفنان التشكيلي ناصر الموسى رأيه في هذا الموضوع مؤكدا اهمية نشر مواقع للفن العربي على الانترنت بتعريف المجتمع العالمي بأنماط الفنون المتعددة على مستويات الابداع.
جاءت هبة من الله وعلينا حسن الاستفادة منها في شتى المجالات في حياتنا وهي الى جانب ذلك تجعل وسيلة الاتصال بالمبدع اسهل واكثر انتشارا,, وتزيد من مساحة الذائقة البصرية لدى المتلقي,وعن اتهام البعض باصرار الفنان العربي بالابتعاد عن الصالات والجاليرهات العالمية وعدم تواكب هذه الرؤية مع تطورات العصر قال الموسى بان هناك حقيقة غير مدركة من قبل بعض المحررين والصحفيين والذين يتهمون الفنان العربي بانه لا يريد الاتصال مع المتلقي عبر المناسبات الفنية او وسائل ووسائط الاعلام المتنوعة.
خطوة مهمة
سعد العبيد احد الفنانين التشكيليين ويرى اهمية هذه الخطوة في تخطي الحواجز ويقول نتيجة للتطور السريع في برامج الاتصالات العالمية الحديثة نرى التسابق على اشده في انتاج الاقمار الصناعية مختلفة الاغراض لتجوب الفضاء وتسبر اغواره وتمد سكن الارض بكل ما يدور في كوكبهم وعن اسرار الكون من حولهم.
وهذا التطور الذي اختصر المسافات بين قارات ودول العالم, اوجد تقاربا.
ومن جانب آخر استعرض العبيد اسباب عزوف الفنان والمبدع السعودي عن انشاء مواقع وصفحات بالانترنت وقال: اول الاسباب لهذا العزوف يرتبط بالامية العصرية العامة وعدم امتلاك الكثيرين لمفاتيح فك الغاز ورموز اشياء مثل البريد الالكتروني والحزم الضوئية وغيرها من المسميات او منهم المستجدات على هذا الصعيد في اطارها الضيق عبر الاستخدام العشوائي على حساب جودة العمل الذي تصوغه الانامل الحرة اليدوية.