Wednesday 2nd June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 18 صفر


يارا
سعد بن ناصر آل مثلوثة
عبدالله بن بخيت

انتهى سعد من لحمة الظهر بعد أن قضى عليها أكلاً وتنطيلاً ودخل ما يمكن أن نسميه المرحلة الذهبية,, فدربه كما يقولون أصبح بسعة مربض أرنب، وأصبحت يده تلمع كالسيف والدهن يرشح على أكمامه ليصل الى كوعه, هنا يبدأ مرحلة الانتقال الى الجولة الثانية من الأكل فيضغط اسفل كف يده على حافة التبسي ثم يسحب الى اسفل حتى يعود الزفر مرة اخرى الى التبسي فيرفع يده بعد ذلك ويلحس كفه ثم يديرها ليلحسها من كل الجوانب وكأنه في طريقه الى الشبع, حيث يلج سبابة يمناه في فمه ويغلقه عليها بعد ان يضع براطمه تحت أسنانه حتى لا تجرح إصبعه, ولتعرف شدة الكبس لاحظ صرقعة الصوت عندما (يمصُّ إصبعه) وذلك بانتزاعه عنوة من فمه ليزيل عنه الزفر (صرقع صرقع صرقع) ثلاث أو أربع مرات متتاليات يسمع صرقعتها الجالسون في أقاصي الصالة, ثم يمرر كافة اصابع يده اليمنى بنفس الطريقة, وستلاحظ أن أقلها حظاً في الصرقعة هو أبهام يده لقصره ولقلّة مشاركته في الغوص العميق في أعماق الخروف والرز, ثم تعود يمناه بعد أن أجرت كافة أنواع التنظيفات الضرورية الى التبسي مجددا وتجري تنظيفات سريعة (عظم سقط سهواً في دربه أو بقية سلطة غير ضرورية إلخ) ثم يسحب كمية من الرز من رأس التبسي ويدفن به دربه ليعود دربه جديداً كأنما لم يمسسه بشر.
ولأول مرة تتدخل يسراه للمساهمة في العمليات الجارية اذ تمتد على علبة الببسي وتقبض عليها من وسطها وترفعها ثم تسمع بعد ثوانٍ تشتشة علبة الببسي فتسلمها لليمنى الممول الرئيسي للفم ويعبُّ منها نصفها دفعة واحدة وبعد ان يضع علبة الببسي على جنب يبدأ في التجشؤ.
هنا سيبدو لك أن سعد بن مثلوثة دخل مرحلة النهاية وقريباً سينهض معبّراً عن امتنانه ولكن الاحداث القادمة ستكذب آمالك وآحلامك, فبعد ان قضى على لحم المتن هناك قطع الهبر التي وضعها اصحاب العزيمة لتوازن التباسي ستكون هدفه، فهي قطع من فخذ او يد أو حتى لحيمات صدر.
يمكن ببعض التسامح اعتبار علبة الببسي معيار مراحل الأكل عند سعد فإذا بلغت علبة الببسي نصفها فهذا قد يعني انه بلغ منتصف الطريق، وهناك معيار آخر يمكن الاستفادة منه وهو كمية اللحم المتبقي على التبسي.
على فكرة فكل هذا الذي جرى لم يستغرق اكثر من عشر دقائق فبعض المعازيم ما زالوا في مرحلة (بسم الله), وهذا هو الذي دفعك لمواصلة الجلوس والكفاح ضد بداد وتجشؤات سعد, فليس من الذوق والأدب والمرجلة أن تنهض من فوق الأكل بهذا السرعة احتراماً لصاحب البيت او العزيمة, فعشر دقائق لا تكفي ان تقول بعدها (أكرمك الله) وإلا كأنك تعلن نوعاً من التذمر او الاحتجاج الذي لا يليق بمضيفك، فليس أمامك الا ان تواصل الكفاح مع سعد بن مثلوثة وتتحمل النتائج.
على كل حال، إذا كنت تراقب يمناه لتعطيك اشارة على النهاية فأنت مخطىء، لأن كمية اللقمة المنقولة لا تتغير مع تغير مراحل الاكل, فمستوى الجوع عند سعد ثابت من اول لقمة حتى آخر لقمة, لذا فلن تجد اي انحدار في كميات اللقم الصاعدة الى فمه, فاللقمة الأولى واللقمة العاشرة واللقمة السابعة عشرة تأخذ نفس الوزن حتى لو وزنتها بميزان الذهب في سوق الذهب ولكن يمكن ان تستفيد من مراقبة اليد اليسرى المولجة علبة الببسي, فحركة هذه اليد قد تعطيك مؤشرات عامة على النهاية اذا ازفت, فمن الواضح ان سعد قسم علبة الببسي الى قسمين بحيث يشرب القسم الأول مع نهاية المرحلة الأولى ويشرب القسم الأخير مع نهاية الأكل ككل, فاعقد آمالك على علبة الببسي وليس على التبسي.
مشكلتك ليست مع سعد الآن فقط، بل مع الجميع, فكل من سيلقي نظرة على تبسيكم سيقول: ماشاء الله نسفوا ظهر خروف في سبع دقائق, ستكون شريكه وأنت في الواقع لم تحصل الا على البداد ومطاريس لحم ولعنة خيّر.
على كل حال فبعد ثوانٍ من التنظيفات يواصل سعد انجازاته,
ثم يبدأ بعد ذلك في الحديث عن الكلسترول والسكر ويوجه نقده المبني على التجربة لهؤلاء الذين يسلمون امرهم للأطباء وخصوصاً هؤلاء المايعين الذين يأكلون بملاعق, ويحاول ربط ذلك بالقيم وبالاخلاق وبعاداتنا العربية الأصيلة, وبعد سبع دقائق اخرى يكون اللحم على تبسيكم أثراً بعد عين, عندها تمتد يسراه الى علبة الببسي وتسلمها ليمناه فيدربي محتوياتها بالكامل في فمه، فيضعها بسرعة على جنب وهو ينهض ويصرخ بأعلى ما يستطيع من صوت (أكرمك الله, يزيد فضلكم) وكأنه رأس المعازيم فيضطر الخجولون للنهوض من التبسي وهم ما زالوا في البداية وعندما ينهض الخجولون يضطر حتى اصحاب البطون الحارة الى النهوض, فسعد يدخل المقلط الأول ويخرج الأول.
حاول أن تتذكر كم سعد بن ناصر آل مثلوثة في حياتك؟!!!.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
شعر
عزيزتي
الرياضية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved