ليس من المبالغة القول ان عشية الألفية الثالثة ستحدث فوضى في كثير من أجهزة الحاسب في العالم بسبب مشكلة عام الفين (y2k) كما وصفها ذوو الشأن الكمبيوتري, وليس المجال هنا لتعريف المشكلة التي يكثر الحديث عنها لكنها باقتضاب خلل يعمل على تصغير بعض خانات الزمن في الحاسب ما يربك التسلسل المنطقي لبرامجه الحاسوبية فتعود متخلفة قرنا كاملا الى الوراء، أي القرن التاسع عشر وذلك في منتصف ليلة الدخول الى القرن الواحد والعشرين, والشيء المؤكد أن لا دخل مباشر للإنسان في حدوث المشكلة مثل تسريب فيروس في البرامج تخل بنظمها إنما في تقديري ترتبط الى حد كبير بقصر مدى رؤية اولئك الذين وضعوا أسس البرامج الحاسوبية اذ لم يأخذوا في الحسبان المشكلة نظرا للفترة الطويلة التي كانت تفصلهم عن عام 2000م حين تم إعداد هذه الأسس وكأني بهم يقولون لندع لغيرنا في حينه حل المشكلة او ان المشكلة من أساسها ربما لم تخطر لهم على بال, وهذا قدرنا ان نكون ممن عاشوا في القرن العشرين الذي يعتبر اول قرن لتقنية الحاسب وبالتالي ندفع ضحية التجربة, فجيل القرن القادم ستكون الحلول إزاء المشكلة جاهزة أمامه بجهدنا نحن, في عشية الألفية الرابعة بعد ان نكون ودعنا الأرض ومن عليها!! فلن يصبه وقتئذ الذعر الذي يعيشه العالم ترقبا وتحسبا لما ستحدثه المشكلة صباحية الأول من يناير عام 2000م, غير ان معظم الدول النامية ستكون في منأى عن المشكلة، او على الأقل لن تعاني منها بنفس القدر الذي تعاني منه الدول الصناعية كونها أي الدول النامية لا تتصل مع التقنية بوثيق صلة، فهي ما تزال ترزح تحت الأساليب التقليدية في تعاملاتها، وبهذا ستنام تلك الليلة هادئة البال والعالم من حولها في فوضى عارمة، وربماب ستكون المرة الوحيدة التي يكون فيها التخلف عن الركب (نعمة) وليس (نقمة) كما يظنه بعض المفكرين!! وكأن لسان حال الشعوب النامية يردد وهو يرى ما حل بالدول الصناعية المتقدمة، هذا الغرب وحال تقنيته، فدعهم يحصدون ما زرعوا؟!
المهم في الأمر ولكي يكون الموضوع متسقا مع هدف الصفحة هنا هو ما ستتعرض له إشارات المرور في عشية الألفية الثالثة وتحديدا في منتصف الليلة الأخيرة من شهر ديسمبر لعام 1999م فالمعلوم ان معظم إشارات المرور الضوئية تعمل بحسب برامج حاسوبية تقوم بترتيب مراحل الإشارة وتوزيع اوقاتها على طرقات التقاطعات وأيضا في حالات اخرى بربط عدد من الاشارات المتتالية لتكون ما يعرف بالموجة الخضراء, وإن مثل هذه الوظائف تتم في نسق محدد لبرامج مكتوبة بلغة الحاسب تنفذ خطواتها وفق منطق محدد ودقيق، وإعادة ما تحفظ هذه البرامج، وتعرف الغوريثمات في شرائح حاسوبية ترتبط في أحيان بحاسبات مركزية تتواجد في غرف التحكم والسيطرة المرورية, وعند حدوث أي خلل في الشرائح او برامجها فالمتوقع ان ينتهي الأمر بفوضى مرورية في الشوارع قد تفضي الى وقوع حوادث مرورية خطيرة ناهيك عن ما تولده من اختناقات مرورية في معظم أنحاء شبكة الطرق التي تنظم التقاطعات فيها بإشارات ضوئية.
وعليه فان سؤالا يطرح نفسه بالحاح: هل سنعايش فوضى مرورية في طرقاتنا بسبب المشكلة؟ ان الإجابة تستدعي وقفة من قرب لأجهزة تشغيل الإشارات الضوئية في مدن المملكة، خصوصا ما رتبط منها بغرف العمليات ذات التحكم المروري بواسطة أجهزة الحاسب، فاذا كان تشغيل الإشارات يتم عن طريق البرمجة فإن الأمر يقتضي مراجعة الشرائح الالكترونية المسؤولة عن برمجة التشغيل وتحصينها بما يكفل التصدي للمأزق على أساس علمي دون الانتظار حتى ذلك الحين, وأحسب ان الأمن العام وهو الجهة المسؤولة عن تشغيل الإشارات الضوئية قد قام باحتياطات تجاه المشكلة هذه التي لسنا نقف أمامها لوحدنا بل العالم بأسره, غير ان من الواجب التنبيه عن ذلك، مرة اخرى وأن المشكلة يتوقع ان تظهر في الإشارات المشغلة ببرامج حاسوبية، اما التي تعمل آليا فلن تتأثر بها وهناك سؤال آخر: كم تشكل نسبة الإشارات الضوئية التي تعتمد على الحاسب في تشغيلها من مجمل الإشارات لدينا؟ بقدر هذه النسبة سيكون حجم المشكلة الناتجة، اذا ما حدثت حقا.
* أستاذ المرور والنقل المشارك - قسم الهندسة المدنية جامعة الملك سعود