فيما بدأ السأم يتسلل إلى نفوس البعض فيعتاد تلك المشاهد اللاانسانية على الشاشة لكارثة مسلمي كوسوفا.
فيما يتحصن البعض باللامبالاة او بشعارات العجز والبعد عما يحدث ليتعايش بشيء من السلام مع حالة الاقصاء السياسي المعاشة في مناطق عدة من العالم بما فيها بالطبع الوطن العربي.
فيما البعض يغط في اللغط والبعض الآخر تستبدبه الاسئلة اسئلة معظمها - مع الاسف - اسئلة عاطفية وقليل منها اسئلة عقلانية عن طبيعة حرب البلقان: هل هي حرب تطهير عرقي او حرب محو عقائدي؟ هل تدخل الناتو ضد الصرب في حربهم على مسلمي كوسوفو مجرد فصل آخر من الاستبداد الامريكي بالقرار الدولي او انه غطاء اخلاقي مضلل لتتم أكبر عملية استئصال في نهاية القرن العشرين للوجود التاريخي لذلك التجمع البشري الاسلامي في بقعة اوروبية واحدة؟ هل ما يجري في كوسوفو حلم او علم,, ام ان المقصود تفريق دم الاسلام كعقيدة وحضارة وهوية على قارات العالم بمالا يجعل للمسلمين الاوروبيين وجوداً جغرافياً او موضوعياً في اوروبا خارج هوية الاقليات وبما يقضي نهائيا على بؤرة ذلك التجمع الاسلامي، بأبعاده الجغرافية والسكانية والتاريخية في الغرب ويحول مسلميه الاوربيين الى اقليات متشظية يعمل على استيعابها في اطر مجتمعاته المختلفة.
فيما آخرون يكتفون بتفسير ما يجري حسب ميولهم الايدولوجية ويجدّون في ايجاد مفردات جديدة للفظائع التي ليس لها ما يقابلها في القاموس السياسي المثالي ,, فيما البعض يولول من حملات التنصير ويرسمها بتلك الصور التبشيرية الساذجة التي اصبح الكمبيوتر اشد دهاء من البشر في تظهيرها.
فيما بعض البعض في احسن الاحوال يسأل: هل يقضي وضع كوسوفو بين سنديان وحشية الصرب ومطرقة حنان الناتو على الأمل بتشكيل حركة مقاومة داخلية شعبية تشكل نواة لاستقلال الاقليم هوية حضارية ووحدة سياسية؟!,, فيما الذين ايدوا أمريكا في افغانستان ينددون بنفس امريكا في كوسوفو,, فيما تختلط الاوراق فلا تعرف الضحية من الجلاد.
فيما لا أحد يجرؤ على مصارحة نفسه بسؤال إلى أين يتجه الشجر؟! او عن علاقتنا بهذه الحرب ودورنا العربي فيها غير دهشة المشاهد الذي يسمع تشويشا من مختلف المحطات ولا يرى,,.
فيما قد لا نجد وقتا لمتابعة ما يجري ونحن مشغولون نهش اشباح الامتحانات عن اولادنا كما تهش الفزعات الجامدة الضربات الجوية الموجعة بخرق بالية.
فيما بعض ذلك اوكله انسل مواطن عربي سعودي في جنح النهار على حين غرة منا نحن زملاء المهنة على الاقل بصحبة فريق الاغاثة لقواتنا المسلحة وذهب ليطرح بعضاً من تلك الاسئلة الحائرة على ارض الواقع عله,, عله يستطيع ان يُرى مالا يرى بعين لا تكسرها الوسائط الاعلامية في نقل الخبر,, برمجته وحشوه بالعبوات الاعلامية للأهواء السياسية السائدة أياً كانت,,.
وإذا كان ليس لي إلا ان أغبط الزميل الروائي القاص الصحفي سعد الدوسري على مغامرة سفره المفاجئ إلى ارض كوسوفو خصوصاً لو استطاع ان يغلب حسه الابداعي على حسه الاداري في التفاعل مع مخاطر الرحلة, وإذا كنت ايضا لا املك إلا ان اقدم اجمل تحية للسيدة نوال ولابنائها هلا وهتان وهياف وهزار على تسامحهم مع غيابه عنهم في معمعة الامتحانات، فإنني املك كثيرا من الاسئلة عن اسباب غياب صحافيينا وصحافتنا وكتابنا عن بؤرة الحدث, ففيما عدا ما قرأته عن تجربة ادريس الادريس في كتابه عن البوسنة والهرسك مع واقع تجربة معاشة في متابعة الاحداث هناك ؟؟؟ فإن التجربة الحية للانتقال الى بؤر التوتر بواقع معرفي وليس بدافع سياسي وفي مستواها الصحفي بصورة خاصة ظلت تجربة صغيرة ومحددة وتبعث على التساؤل,, وكذلك فإنه في ما عدا ما قرأته عن تجربة امجاد رضا في مخيمات افغانستان ابان تلك الحرب فإني لم اسمع بامرأة سعودية صحفية او كاتبة تجرب ان تخرج على انحناءات الاعمال المنزلية والاعمال المكتبية وتتورط بان تكون شاهدة عيان على مثل تلك القضايا الشائكة من واقع المجتمعات في ظل الحروب.
مع الاسف انني لا أذكر ان صحفيا أو كاتبا سعوديا واحدا ورد اسمه في الوقوف وجها لوجه مع مجريات الحرب اللبنانية رغم استمرارها 17 عاما ولا.
حتى في ذروة الاجتياح الاسرائيلي للبنان ورغم أنه وقتها لم يبق بلد عربي لم يأت منه صحافيون ليعايشوا ذلك الحدث, ويمكن القياس على ذلك في مناسبات تأزمية اخرى في شتى بقاع العالم.
على انه اذا كان لابد منها تجربةً عادية يمارسها صحافيو العالم كل يوم وهم يزجون انفسهم في قلب الحدث فانها -ولابد- تجربة غير عادية للكُتّاب الادباء بالذات عندما يحاولون ان يخرجوا من ترف مسيراتهم المتوهمة ليسيروا على ارض الواقع وليس في الخيال على الالغام خارج قضبان القطار اليومي من البيت إلى المكتب او المقهى ليرموا أنفسهم في فضاء الحرائق لاستنبات ريش جديد للكتابة,, هل بلغ بي الانحياز الابداعي الى حد ان اقول ان الرحلة الى بؤر حريق الحروب نزهة ضرورية لاضرام خيال الكُتّاب,, لا ليس هذا ما أريد ان اقوله,, ما أريد ان اقول هو انه إذا كان ليس للكُتّاب يد في اشتعالات الحروب فإنه ليس لهم خيار ان يشيحوا بوجوههم عنها وكأنها تقع على كوكب آخر.
والسؤال لماذا لم يشكل فريق صحفي من الصحافيين والكتاب الراغبين في مثل هذه المغامرة المعرفية والحياتية بالطبع، ليكونوا ضميرنا الجمعي في رصد ما يجري على ارض كوسوفو في هذه اللحظة الرهيبة التي تضع كارثتها الحضارية والانسانية من التهجير والذبح والعنف اللمسات الاخيرة على المشهد السياسي السريالي لجرنيكا نهاية القرن في صراع الحضارات والثقافات والتعصب العرقي والعقائدي والاستبداد السلطوي.
***
قرأت قبل ايام ترجمة د, حمزة بن قبلان المزيني لمقال الباحث الألسني والكاتب السياسي الامريكي نعوم تشومسكي في الحرب الصربية ضد مسلمي كوسوفو وعلى وجه التحديد في تدخل الناتو العسكري في هذه الحرب بقيادة امريكا, وبغض النظر عن نقاط الالتقاء او الاختلاف التي قد يطورها القارئ مع مقال تشاومسكي، فقد شعرت ان المزيني عبر جريدة الحياة والدوسري عبر الرياض وآخرين من شباب هذا الوطن وشاباته وان كانوا قلة يحاولون بمجهودات فردية ان يسهموا في ان يجعلوا لنا دورا في متابعة ما يجري غير دور شاهد ماشفش حاجة ولو كان ذلك على الاقل بوضع ايدينا على مصادر معرفية مباشرة وغير مباشرة تساعدنا على تكوين رأي موضوعي لا يخضع للاهواء الاعلامية الرائجة أياً كانت اتجاهات رياحها.
** دهشت باكبار عندما علمت بفعالية طاقات شباب صغار في بعض المدارس مثل مجمع الملك سعود التعليمي بجامعة الملك سعود وقد استطاعوا في بضعة ايام وفي عز استعدادهم للامتحانات النهائية ان يجمعوا مبلغا محترما من المال ليساهموا به في التخفيف من المأساة الانسانية لمسلمي كوسوفو.
فوزية أبو خالد