Tuesday 1st June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 17 صفر


رحمك الله يا إمامنا الغالي

** الحمد لله القائل كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور .
والصلاة والسلام على خير ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القائل إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من اعظم المصائب وبعد:
فلقد فجع كل مسلم على ظهر هذه الدنيا ذكراً كان او انثى ممن عرف سماحة الوالد الامام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن باز بوفاته -رحمه الله- ليلة الخميس الموافق 27/1/1420ه بمدينة الطائف بعد عمر مديد يقرب من تسعين عاماً قضاه -رحمه الله- في الدعوة الى الله والذب عن هذا الدين والدفاع عن قضايا المسلمين وتلمس حاجاتهم والعمل على حلها بعلمه وماله وجاهه وقد ولد -رحمه الله- في مدينة الرياض في شهر ذي الحجة سنة 1330ه وحفظ القرآن الكريم قبل البلوغ وتلقى العلم على يد كثير من علماء الرياض واشتهر -رحمه الله- بالنباهة والذكاء وسرعة الحفظ حتى فاق الكثير من اقرانه وبلغ منزلة بعض مشايخه بل ربما فاق بعضهم ممن تلقى العلم عنهم وكان -رحمه الله- مبصراً اول حياته ثم اصيب بمرض في عينيه عام 1346ه واخذ بعده يضعف بصره حتى ذهب بالكلية في مستهل محرم من عام 1350ه,
لكن الله اكسبه بصيرة نافذة وعلما ورفعة ومكانة في قلوب المسلمين وقبولاً لما يصدر منه, وقد تولى -رحمه الله- عدة مناصب كان اولها القضاء في منطقة الخرج في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وذلك بترشيح من سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ- رحمه الله- مفتي المملكة في زمانه وآخرها رئاسة ادارة البحوث العلمية والافتاء عام 1395ه حتى وافاه الاجل - رحمه الله- ومن اراد المزيد من ترجمته ومعرفة مشايخه ومؤلفاته والاعمال التي قام بها فليرجع الى كتابه الموسوم مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الاول.
وقد وفقني الله في العمل في مكتب سماحته بدءاً من العام المذكور حتى وفاته -رحمه الله- اي مايقرب من خمسة وعشرين عاماً واكسبني القرب منه -رحمه الله- معرفة الكثير من مناقبه وصفاته منها غزارة العلم والحلم وحدة الذكاء والزهد في الدنيا والكرم والتقوى والصفح عن الجاهل وحب الخير للناس والعطف على الفقراء والمساكين والاحسان اليهم، حيث كان لديه -رحمه الله- حساب خاص بالفقراء والمحتاجين يعرف بالحساب رقم 2 يجمع فيه مايصل اليه من بعض المحسنين لهذا الغرض ويوزع عليهم حسبما يراه سماحته منه فبعضهم يتلقى راتباً شهريا وبعضهم اعانة مقطوعة وبعضهم يساعد بقيمة الايجار كل بحسب حاله وظروفه كما ان لديه -رحمه الله- بنداً خاصا بنشر الدعوة الى الله خارج المملكة يعرف بالبند الخيري يضم مجموعة كبيرة من الدعاة من جنسيات مختلفة.
كما كان -رحمه الله- يحرص على بذل الشفاعة سواء بجاهه او ماله او قلمه وذلك في كثير من الامور امتثالاً لقول الله سبحانه من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها وقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان رسوله ماشاء كما كان -رحمه الله- يكره المدح لنفسه ويكره التحدث في الامور الدنيوية وقد قال له احد المراجعين مرة من المرات الله يخليك للناس فقال -رحمه الله- الله يقدر الاصلح- كما كان يحرص اشد الحرص على الاستفادة من الوقت وصرفه فيما ينفع الناس من دعوة وغيرها حتى خارج وقت الدوام الرسمي فكان يستغله في الاعمال الصالحة وفيما ينفع الناس فعمله كان مستمراً بالسيارة وفي المسجد وفي المناسبات التي يحضرها فقد كان -يرحمه الله- يجلس للناس بعد المغرب في منزله كل ليلة للفتوى وسماع حاجاتهم عدا الليالي التي خصصها للدروس في المسجد حيث كان له دروس ثابتة في المسجد في اي مكان يستقر فيه يحضرها جمع غفير من طلاب العلم وغيرهم وكان -رحمه الله- مرجعاً لكثير من طلاب العلم من القضاة وغيرهم في الامور التي تشكل عليهم,
وحتى يوم الخميس فكان -رحمه الله- يستقبل الناس فيه من الساعة العاشرة صباحاً حتى اذان الظهر وبعد الظهر الى وقت الغداء يحل مشاكلهم ويقضي حاجاتهم وكان بيته مفتوحا للضعفاء فكان بمثابة الفندق لهم يبيتون فيه ويأكلون ويشربون حتى تقضى حاجاتهم وكان ايضا يحب السفر في ويوم الاثنين او الخميس صباحاً اتباعاً للسنة,
وقد سئل -رحمه الله- مرة من قبل احد موظفيه هل تمتع بإجازة من اجازاته الطويلة فقال لقد عملت بالدولة مايقرب من ثلاثة وستين عاماً لم آخذ فيها اجازة ولايوما واحدا ومهما قلت فسيعجز القلم عن ذكر جميع مناقبه واللسان عن تعداد مآثره, وقد فاتني الكثير من مناقبه -رحمه الله- فله في كل ميدان من ميادين العمل الصالح يد تذكر سواء في داخل المملكة او خارجها,
ومما يسلي النفس خفة ميتته -رحمه الله- فقد احس بالموت حسبما بلغني عند الساعة الثانية ليلاً تقريباً وكان نائما فاستيقظ يذكر الله ويستغفره فلما احس به اهله قاموا اليه وسألوه عن حاله وحاجته فطلب منهم ايصاله الى دورة المياه وكان به نشاط غير عادي حتى ان اهله استغربوا منه ذلك وكأنه في اول شبابه فتوضأ ثم عاد الى فراشه واضطجع على جنبه واخذ يذكر الله ويستغفره وبعد فترة علا الصوت من صدره فقام اليه اهله مرة ثانية يطمئنون على صحته ويسألونه عن حاجته فقال وهو يبتسم ويذكر الله ويستغفره ليس بي شيء ثم فاضت روحه الشريفة قرب الثالثة صباحا تقريباً في منزله, ولا يفوتني ان اذكر انه كان في تلك الليلة التي توفي فيها جالساً للمراجعين بعد المغرب وقد انجز الكثير من معاملاته ومما يسلي النفس ايضاً ويخفف من حزنها وألمها كثرة الرؤى الصالحة التي رآها كثيرمن الناس من رجال ونساء نحسبهم من الصالحين قبل موته وبعده لايسع المقام لذكرها فرحمه الله رحمة الابرار واسكنه مع النبيين والشهداء والصالحين وجمعنا به في دار كرامته وجزاه عما قدم لاخوانه المسلمين بأحسن مايجزي به عباده الصالحين انه ولي ذلك والقادر عليه، واختم مقالتي هذه بأبيات من قصيدة طويلة قالها فضيلة الشيخ ابراهيم بن حسن الشعبي من مدينة صامطة في رثاء سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز فجزاه الله خيرا اذ يقول:
دهى ارجاءها خطب جسيم
وغادر هذه الدنيا الزعيم
زعيم العلم والفتوى بعصر
خوت فيه العزائم والفهوم
وروع عالم الاسلام خطب
وقاصفة له ريح عقيم
اصاب العين في الإسلام منا
فما قلب لنا إلا كليم
لفقدك قد طعمنا الحلو مراً
وخيمت المآسي والهموم
فيا عبدالعزيز وانت حي
تسنمت المكارم ياكريم
وماخلناك منتقماً لنفس
اذا جلف تطاول او زنيم
زهدت بهذه الدنيا احتساباً
وكم اثرى بها قزم دميم
اعزي كل من صلى ولبى
ووحد ربه وله يقوم
اعزي كل ارملة وطفل
يتيم في مرابعها يهيم
اعزي الجاليات بكل صقع
فما من واحد إلايتيم
ويا افراد اسرته اصطباراً
فماحي على الغبرا يدوم
وكتبه/ محمد بن عبدالعزيز الراشد
* مدير عام المكتب الخاص بمكتب سماحته
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الخدمة المدنية
الثقافية
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved