رُزئت الأمة الاسلامية في الآونة الاخيرة بفقد عالم من خيرة علمائها، ورجل من اعز رجالها، ألا وهو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء، وانتقال الشيخ -رحمه الله- من حياتنا الدنيا الفانية الى الحياة البرزخية التي هي اول منازل الآخرة مصاب جلل وخطب عظيم ألمَّ بالامة الاسلامية عامة، وبالمملكة العربية السعودية بصفة خاصة، لما كان لسماحته -غفر الله له- من مكان ومكانة في قلوب الجميع، سواء ولاة امورنا- حفظهم الله- الذين يكنون له ولجميع العلماء كل تقدير واحترام وعرفان لجهاده وفضله، واخلاصه ونبله، وسماحته وكرمه، او للعلماء وطلبة العلم الذين كان مجلسه لايخلو منهم صباح مساء سواء من داخل المملكة أو خارجها ولقد عاش الشيخ -رحمه الله- مع الناس بلباسهم ولغتهم، ولكن قلبه وروحه وفكره وفقهه وعلمه وفضله كانت تشابه المثقفين الأوائل فعاش عيشة روحانية، كتلك التي نقرأ اخبارها في سير النبلاء والاخيار، وقد تميز -رحمه الله- بقوة تمثله لمنهج السلف الصالح في الدعوة والعلم ورعاية المصالح ودرء المفاسد، وكان يتحرى الدقة في فتاوه، اخذاً بأسباب الحيطة والحذر، وتصحيحاً للعقيدة لدى الناس، واداء للامانة التي حمله الله اياها ولقد كان الشيخ -رحمه الله- انموذجاً فريداً للعالم المسلم بكل مايجب ان يتصف به من صفات واخلاق ومزايا، جمع سماحته العلم والفضل وحسن الخلق وكريم السجايا وسلامة الصدر ونقاء القلب وطهارة السيرة وحسن السريرة كان في العلم قمة شامخة وعلماً بارزاً لايملك من استمع اليه او قرأ له او سمع عنه الا ان يقابله بالاجلال والتقدير والاحترام.
كان رجل علم ودين حريصاً على مصلحة الامة ورفعة دينها قوياً في الحق لاتأخذه فيه لومة لائم، سخياً في عطائه العلمي وبذله المادي واضحاً في منهجه الدعوي، حتى غدا مرجعا فريداً في العلوم الشرعية، وبرحيله فقدنا واحداً من اقطاب العصر الحديث الذين جاهدوا في الله حق جهاده وحملوا لواء الدعوة الى الله على عاتقهم فذاد عن العقيدة الاسلامية السمحة ورد عنها شبهات الاعداء وتصدى للعديد من القضايا المعاصرة بفتاواه التي اكدها بالادلة القاطعة والبراهين الساطعة كما تصدى للفتاوى المشبوهة وانار الطريق الصحيح والقويم للمسلمين بشأنها.
ولاشك ان وفاة الشيخ جعلت في الحناجر غصة، وفي القلوب لوعة، لانه -رحمه الله- لم يكن من ذوي العلم الذين يباهون بعلمهم لكن العلم يزهو به، ويفخر بأمثاله، حيث كان في جميع اعماله ينظر ببصيرة العالم الورع، يراعي مصلحة الدين وتعاليمه، ويهتم بالضعيف والمحتاج حتى غدا مدرسة بأخلاقه، ومدرسة بحماسته للدعوة الى الله، ومدرسة في حب الخير والمساعدة للقاصي والداني ومدرسة في التواضع النادر في هذا الزمان، كانت سجيته الكرم، وديدنه الوفاء، راحته في كثرة الضيفان، وسعادته في قضاء الحاجات لذوي الحاجات.
وحقاً,, إن العين لتدمع، وان القلب ليخشع، وان الفؤاد ليحزن، وإنا لمؤمنون بقضاء الله وقدره، ولانقول الا مايرضي ربنا.
,, حقا إن رحيلك ايها الشيخ لمفجع، وان فقدك لموجع، اهتزت له مشاعر العالم الاسلامي قاطبة من اقصاه الى اقصاه:
لعمرك ما الرزية فقد مال ولاشاة تموت ولابعير ولكن الرزية فقد فذ يموت بموته خلق كثير |
اجل,, ان موت قبيلة لأهون على الله من موت عالم، لكنك ياشيخنا وان انتقلت الى رحاب الله فأنت باق فينا بعلمك,.
باق فينا بخلقك,, باق فينا بآثارك الطيبة وخلالك الحميدة,,
باق فينا بفتاواك,,
بفقهك,, بفضلك,, بكرمك,, وحقاً.
مامات من ورث علماً,,
وأرسى في الناس خلقاً(إنا لله وإنا اليه راجعون)
*عميد كلية المعلمين في الأحساء
د, عبداللطيف بن حمد الحليبي*