Friday 21st May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 6 صفر


دكتورة جمال حسان في حوار خاص لـ الجزيرة
لهذه الأسباب اسمحوا لي أن أقتل شهرزاد

* منذ زمن بعيد حملت جمال حسان حقيبتها وأوراقها ورحلت لدراسة الطب النفسي,, وفي مدينة الضباب لندن كان الفصل الأهم في حياتها,, فصل اثبات الذات كامرأة عربية في تخصص نادر لدينا,, وبعد كفاح وعمل دؤوب حصلت الدكتورة جمال حسان على زمالة الأكاديمية وأصبحت استشارية في الطب النفسي,, لكن هذا لم يرض طموحها، لقد تعلمت من الهجرة ان تعي نفسها أكثر,, ان تنجح,, وفي لحظة حاسمة تفجر تكوينها الابداعي عن مجموعتين قصصيتين هما: عصف اليقين وشهريار ينتظر ,, والبقية تأتي,.
حول تجربة السفر والابداع، وعلاقة الطب بالأدب، كان هذا الحوار:
امرأة على سفر
* نبدأ من البداية,, لماذا قرار السفر؟.
- لقد سافرت الى لندن بغرض دراسة الطب النفسي منذ عشرين عاما، وكان هذا قرارا خاصا بي بعد الانتهاء من كلية الطب بعين شمس, لكن علاقتي بمصر مستمرة، لأن مصر جزء من وجودي، فأنا أزورها كلما سنحت لي الفرصة، وهذا يحقق بالنسبة لي نوعا من التوازن، رغم أنني متوافقة مع عملي ومع ظروف الحياة في لندن.
* وخلال رحلة الغربة هذه,, كيف ترين المجتمع العربي الآن؟.
- تواجدي في لندن، سواء على المستوى الشخصي كأصدقاء، أو من خلال علاقتي بالمرضى، أعطاني الفرصة لتأمل المجتمعات العربية من الخارج، مما أثرى معرفتي بالشخصية العربية، وكل بلد عربي بدايةً له صفات خاصة به سواء كمكان أو كأفراد، ولم أكن لألاحظ هذه الفروق لولا وجودي في الخارج، خاصة في مدينة مثل لندن التي تضم جالية عربية كبيرة, ومن الأشياء التي تستوقفني بالفعل ان الهجرة العربية في العشر سنوات الأخيرة زادت، وأغلبها بغرض الاستقرار في مجتمع الهجرة، أي أنها ليست هجرة عائدة الى المجتمع، وقد ترتب على ذلك زيادة مدارس تعليم العربية، وزيادة التعاون بين الجاليات العربية حتى لا يصبح تواجدها عشوائيا.
* برؤية طبيبة نفسية,, كيف ترين الشخصية العربية في الداخل؟.
- تعلمت من خلال عملي ألا أصدر أحكاما بقدر ما أحاول أن أتفهم فأنا أمزج نظرتي باعتباري خارج المجتمع بنظرتي، باعتباري جزءا من هذا المجتمع، وأحاول الفهم والتعامل مع الناس الذين هم أهلي, وما أراه من تغيرات أتفهمها بحميمية دون ان أحزن، لأنها - شئنا أم أبينا - جزء من التغيرات في المجتمع العالمي, ومن الظواهر التي لفتت نظري ان الانسان العربي حاليا يعاني -نتيجة للضغوط الاجتماعية- من حالات كثيرة تدخل تحت نطاق المرض النفسي لكن ليس بالضرورة أنها شديدة الخطورة، مثل حالات القلق والاكتئاب، والمجتمع الغربي يعاني منها أكثر لكنه في النهاية يتعامل معها ويتوصل للعلاج عن طريق الطبيب والمعالج، أما لدينا فتبقى هذه المعاناة دون علاج، مما يحدث تأثيرات سلبية في العلاقات داخل الأسرة الصغيرة، فتقع أشياء غير قابلة للتصديق، ولم نكن نسمع عنها من قبل كأن يقتل الابن أمه، وهذا لا يعني أننا كبشر أصبحنا سيئين ولكنه يعني الحاجة الى معالجة هذه الضغوط وما تؤدي اليه من أمراض نفسية، هذا ما نحتاج اليه بالفعل.
طبيبة وأديبة أيضا
* بعيدا عن عملك كطبيبة,, متى بدأت علاقتك بالأدب؟.
- أتصور أن علاقتي بالأدب قديمة للغاية، بدأت منذ تعلقي الشديد باللغة الرصينة الجميلة، منذ سن مبكرة حاولت أن استعذب اللغة,, اللفظ,, هذا جعلني قريبة من مجال الكتابة والابداع.
* لكن لماذا تأخر نشر أعمالك الأدبية؟.
- عندما توجهت لدراسة الطب كان من الصعب الجمع بين الأدب والطب، لهذا أعطيت الفترة الأولى من حياتي للطب العمل والأسرة, والى الآن لست كاتبة متفرغة، فالكتابة مازالت بالنسبة لي ترفا بعد العمل المهني وشؤون الأسرة والأولاد، فأنا أعمل وقتا كاملا ثم تأتي الكتابة كهواية.
* هناك نصوص تشكل محطات في تكوين كل مبدع,, ماهي بالنسبة لك؟.
- يصعب أن أتذكر ما كونني من أعمال شعرية أو روائية، أو مواقف سياسية واجتماعية عايشتها، فالإنسان مثل الإسفنجة التي تتشرب وتمتص وتحول ذلك الى انتاج أدبي دون وعي منه.
*وهل تذكرين اللحظة التي كتبت فيها قصتك الأولى؟.
- بالفعل كانت قصتي الأولى وليدة لحظة عصيبة، حين كانت أزمة الخليج الثانية، التي عايشتها من لندن، وجعلتني لا أنسى انني عربية وأنني مستثارة المشاعر نتيجة هذه الحرب، ونتيجة تواجدنا معا كجاليات عربية كُتب عليها ان تتعايش مع هذا المأزق, هذه الحرب فجرت فيّ حس الكتابة من جديد فكتبت عنها قصة، وتلك القصة هي التي دفعتني الى لملمة أعمالي ونشرها, وللأسف كانت قصة برغم أثرها الايجابي- مليئة بمشاعر العجز وعدم القدرة على الرفض والقبول.
* تواجدك في لندن يفرض سؤالا,, كيف تتعايشين مع ثقافتين؟.
- في لندن توجد حياة ثقافية نشطة، أشارك فيها وأتواصل مع المبدعين العرب سواء من خلال النادي العربي أو المركز الثقافي المصري،كما أساهم فيما يصدر من دوريات أو مايعقد من ندوات، فلا أنفصل بالتالي عن الثقافة العربية، بجانب ما يبث من خلال الستالايت، أو الترجمة,, وأتصور ان كل ابداع اضافة، فالحياة تتطلب كل ابداع، ومعنى ان هناك ابداعا يعني ان هناك حياة, لذلك اعتبر جميع المشروعات الثقافية - أيا كان حجمها ظاهرة صحية وضرورية نحن في حاجة لتوصيل ما ننتج الى العالم الآخر، كي يعرف الأخرون ما لدينا، والعكس ايضا، فالتواصل الفكري- رغم الشعور بالعجز لدى الشعوب النامية- لا يزال حلما يمكن ان يتحقق من خلال تبادل الانتاج الثقافي.
تجربة خاصة جدا
* ماذا يشغلك في تجربتك الابداعية؟.
- يشغلني احترام الذات واحترام الآخر، وهذا ينطبق على العلاقة بين البشر، بين الرجل والمرأة,, الاساس هو الاحترام والاعتراف بأن كلا منا يضيف الى الحياة لأننا بدون توافر هذا الأمر لن نتغير.
* أي تشغلك علاقة المرأة بالرجل؟.
- التوازن بين الرجل والمرأة من أصول المجتمع السليم، ولوحدث هذا التوازن لاستقامت أمور كثيرة - أيا كان المنطق الذي ننطلق منه- فليست العلاقة بينهما علاقة طرف ضد الآخر، وانما هي علاقة احتياج كل منهما للآخر.
* في مجموعتك الثانية شهريار ينتظر لماذا قتلت شهرزاد؟.
- شهر زاد قتلت حبا، لأن القتل في تصوري كان نوعا من الذوبان والحب بين الرجل والمرأة، فالقتل كان تطلعا الى شهريار، وتأكيدا على حقيقة الأمر بينهما هو التواصل والمودة بين الطرفين,, القتل اعتراف بواقع,, اعتراف بأهمية التلاقي بين الاثنين ولو عن طريق الموت, ففي لحظة القتل حدث نوع من التحول، لقد شعر شهريار بقتلها أنه يحتفظ بها للأبد، وشعرت شهرزاد أنها تذوب في شخصيته وتلتحم به,, انه نوع من المصالحة بين الطرفين,, فشهرزاد قوية باستسلامها لشهريار ايا ما كان يفعله بها.
* بمناسبة الكلام عن المرأة,, ألاحظ في أغلب قصصك أنك تضعين المرأة في اختبار باستمرار,, لماذا؟!.
- اعتقد ان الأنثى دائما في موضع اختبار من ساعة ان تولد، بدليل انها في الزمن القديم كانت مجرد أن تولد تختبر: هل هي ذكر أم أنثى؟ وكانت تقتل للخوف من عدم جدواها، لأن الأسرة تحتاج الى ولد يجلب لها الجاه والقوة والرزق؟ وهذا وضع الأنثى ليس في الثقافة العربية فقط- حتى في الأسر المالكة في أوروبا، يعتبر زواج الأنثى نوعا من توطيد العلاقات والسلطات، وهذا لا يحدث مع الرجل مثلا، فما أكثر أن تقدم الأنثى كجزء من دعم حرب أو ايقاف حرب، وغير ذلك مما يجعل الأنثى في اختبار.
* ترد في قصصك بعض العبارات الغامضة,, مثل: اليقظة أعظم جزء في المأساة,, ما تفسيرك؟.
- اليقظة بمعنى البصيرة، فالمريض الذي يعرف مرضه ومضاعفاته والى ماذا يؤدي,, هذا الوعي الكامل بحجم المرض هو أعظم جزء في المأساة,, لكن أحيانا الجهل بجزء من المشكلة يحمينا نفسيا ويجعلنا نتعايش مع المأساة,, من هنا فاليقظة أعظم جزء في المأساة بمعنى الاستبصار والوعي الكامل بها، ولكنها ايضا قد تكون أسوأ جزء حين يحدث التكشف ولا يحدث تغيير أو لا نملك القدرة على التصرف، لأننا عندما ندرك مشكلة لابد ان يكون هناك رد فعل وحل للمشكلة، هذا هو المفترض، لكن لو حدث تكشف بدون قدرة على التغيير فهذا هو العجز الكامل.
* لماذا تكتبين؟,, هل لتقديم الحقيقة مثلا؟.
- أنا أؤمن بأنه ليس هناك حقيقة واحدة، فالعبارة الغامضة تتيح للقارىء ان تكون له رؤيته فيما أكتب، فأنا أشركه فيما أكتب لأنني لا استطيع ان أقدم له الحقيقة كاملة ان كانت موجودة,,وأنا كقارئة حين أطلع على كتاب ما، فإنني أبحث عن شيء واحد: الصدق والحقيقة، فلكل كتاب خصوصيته، وكل كتاب يحمل شيئا لكنه لا يعني أبدا الحقيقة المطلقة.
شريف صالح

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
جبل الدعوة الى رحمة الله
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved