Friday 21st May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 6 صفر


في معرضه الفوتوغرافي المقام بجدة
أنس أبو السمح يخترق السائد ويشكل التجريد بكاميرا فوتوغرافية

* رؤية وقراءة: أحمد الزهراني
* لأول وهلة تصافح عيناي اعمال الفنان المبدع انس ابو السمح,, ظننت انني امام غابة من الاحلام تقودني الى غابة اخرى من الواقع وبين غابة الاحلام وغابة الواقع يقع نهر من الخيال تتشكل امواجه ومياهه بالوان مبتكرة تراها للمرة الاولى, لم تكن لوحات الفنان السعودي المغمور محلياً المشهور عربياً الفوتوغرافية سوى قصائد ممزوجة باللون والضياء، فالفنان لم يستخدم الفرشاة المغموسة في اللون كما هي عادة الفنانين التشكيليين ولم يستخدم عيون الكاميرا بواقعية وسطحية بل شكل لوحته الفنية بالكاميرا في قالب تشكيلي وبطريقة فريدة جعلت النقاد في العالم العربي يصفون الحالة بانها ثورة في علم التصوير والفنون التشكيلية.
جاء هذا المشهد المبهر ليس لي فحسب بل لأغلب من زار المعرض,, جاء المشهد حينما دخلت الى صالة اتيليه جدة للفنون الجميلة لأتصفح المعرض الفوتوغرافي الشخصي للفنان انس ابو السمح والذي افتتحته الاميرة مشاعل بنت فيصل بن تركي بن عبد الرحمن آل سعود خلال الايام الماضية.
ويعد الفنان الكبير انس ابو السمح واحدا من أهم المصورين الفوتوغرافيين في العالم العربي ورائدا من رواد فن التصوير الضوئي, ويتضمن المعرض خمسا وثلاثين لوحة تمثل آخر تجارب الفنان خلال رحلته الطويلة مع الفن الفوتوغرافي والتشكيل وتعكس الاعمال درجة كبيرة من الحس والتصوير المبدع للعوالم المرئية وغير المرئية وتمثل اضافة جديدة لحركة التصوير الضوئي الذي يتجه الى التجريد والابتعاد والاقلاع من ارض التوثيق والتسجيل الى سماء التعبير الانساني وترجمة الافكار والمشاعر.
سيرة الذات
والفنان ابو السمح تخرج من كلية التجارة- جامعة القاهرة وهو عضو في اكثر من جمعية فنية منها الجمعية الملكية للتصوير الفوتوغرافي في لندن والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وعضو بصالون مصر للتصوير الضوئي والجمعية المصرية للتصوير وجمعية محبي الفنون الجميلة وله مشاركات جماعية عديدة وكانت آخر معارض الفنان الشخصية في دار الأوبرا المصرية برعاية وزير الثقافة المصري فاروق حسني وقد حاز المعرض على اعجاب الفنانين والنقاد المصريين.
التجريد والإحساس
يقول الفنان ابو السمح عن تجربته بأنه لا يهمه ا اذا كان يمسك عدسة او فرشاة فما يهمه هو الاحساس والكاميرا مثل الفرشاة اداة للتعبير فالموضوع ليس فرشاة وكاميرا وانما الابداع بأية وسيلة كانت.
ويضيف ان معظم اعماله تجريدية لان العمل التسجيلي يمثل محدودية الابداع لانه لم يصنع شيئاً من العدم لكن في التجريد يضيف الفنان اليه من شخصيته.
والتجريد فيه الكثير من الاحساس يتيح الفرصة لخروج تلك الأحاسيس بصورة متدفقة.
قصائد الضوء
الاستاذ عالم عباس يقول عن الفنان في قراءة خاصة: قبل ان تتسلل الى هذا العالم المسحور ينبغي ان تتوقف ريثاً فتتحقق من حواسك ومشاعرك قبل الولوج اذ انك لا محالة ستخرج وستلحظ في نفسك وروحك شعوراً جديداً واحساساً غير الذي به دخلت نشوة وانبهاراً دهشة واشباعاً ارتياحاً او قلقاً خوفاً ووحشة ورهبة.
الآن انت في خلوة رجل يرسم بالضوء الملون!! الوانه يسيطر عليها لا حصر لها تتدفق في بذخ واسراف وغنى يشكل بها لوحات يستمدها من ذات قلقة مترعة بالاسرار والانعزال والغموض لا يلبث ان ينتقل اليك عدواها فور وقوفك امام احدى اللوحات لا يمهلك حتى لالتقاط انفاسك.
تقف امام اللوحات تشاهد الحمم واللهب تتدفق في ثورة عنيفة بالوانها الوحشية العارمة يقشعر لها جسدك وكأنها ثورة خارجة من صدرك منك انت عنيفة مزلزلة صاعقة في انفجارات تترى وتغشى الابصار.
تنتقل الى لوحة اخرى فاذا بك في السديم اللانهائي في عالم المجرات حيث الانفجارات الكونية الهائلة وحيث تتشكل الكواكب والنجوم وتصعقك الدهشة وتتحول عيناك الى عدسة ضخمة بحجم المجرة.
هذا الفنان القلق لم يرض من الفضاء الا بلمس النيازك والشهب ومن الشمس الا الاقتراب المهلك من انفجاراتها المدمدمة وإلا المجرات والسديم.
ها هو لا يستهويه في البحر الا الأعماق السحيقة لعرائس آسرة من اللآلىء والاصداف والقواقع والمحار في بذخ واسراف وتأنق خرزات من الجواهر في المخمل الأزرق المعتم في السكون المثير بين اللآلىء والاصداف والبحر في زرقته المعتمة العارمة, تخرج من هذا الحوار الصامت الى سكون الليل والى حيث يشتط بك الخيال في الحلم الجميل تجذبك لوحات اخرى، الوان حادة كتشظّي الالماس، كأطراف النصال، اللون البني كحرف من جبل انهار فجأة او كشهاب ساقط من نيزك هوى فلم يصل الى الارض بعد,لوحات ولوحات تجسد دهشة الاكتشاف والمقدرة الهائلة في ترويض هذا الضوء وابتداع هذا الكم الهائل اللامتناهي من الألوان.
محاكاة الطبيعة والتجريد
الناقد الكبير الاستاذ مختار العطار والذي ضمت موسوعته اسم الفنان السعودي أنس ابو السمح يقول:
عرفت الصور الضوئية منذ اربعة قرون كانت تظهر من خلال ثقب صغير في غرفة مظلمة وتزول عند سطوع الضوء لم تثبت على ورق الا في النصف الثاني من القرن الماضي فتنبأ أمير الرسامين آنذاك يهوجين دي لاكروا 1798 - 1868م باختصار فن الرسم والتلوين لان الكاميرا استطاعت محاكاة الطبيعة بدقة يعجز عنها امهر الرسامين، الامر الذي دفع هؤلاء الى ترك ميدان المحاكاة للكاميرا في مطلع القرن العشرين ولجؤوا الى التجريد بانواعه إلا ان التصوير الضوئي لاحقهم حتى كدنا لا نفرق بينه وبين الرسم بالقلم والفرشاة والالوان.
تعبير إنساني
لوحات الفنان انس ابو السمح اضافة جديدة الى حركة التصوير الضوئي في السنوات الختامية للقرن العشرين واقلاع نهائي عن ارض التوثيق والتسجيل الى سماء التعبير الانساني جنباً الى جانب مع الرسم والتلوين وتشكيل التماثيل,, لوحات تحلق بأجنحة الشكل والمضمون تدخل مع الفنون المرئية الى اجواء التأمل الداخلي والنظرة الخاصة لتسبر اغوار الطبيعة وتكشف اسرارها وتعيننا على ادراك مراميها حين تحدثنا بلغتها الصامتة لغة الشكل واللون والملمس.
الفن المرئي هو كل ما تراه عيوننا من ابداع الانسان وتتوافر له معايير الجمال سواء ابداعه بيديه المجردتين او بأدوات مثل الكاميرا التي ازدادت تعقيدا على مر السنين منذ اكتشافها، استخدمها ابو السمح بما اوتي من موهبة ومهارة واتقان واختفت الفروق بين لوحاته الفوتوغرافية والصور المرسومة بالقلم والريشة والألوان.
لوحات انس ابو السمح اعمال طليعية لا تصور موضوعات خارج الفنان وانما تصور مشاعر واحاسيس تسكن صدره ووجدانه كما تكمن الانغام في الاوتار لا يكاد العازف يلمسها حتى تغمر نفوسنا بالشجن.
كذلك تجذبنا لوحاته الى دنيا من الاحلام وتزيح الستار عن حقائق كنا عنها غافلين.
هكذا يجسد أشجانه وخواطره وظنونه اشكالاً والواناً وملامس وخطوطاً.
ان لوحات ابو السمح تتوزع عدة اساليب بعضها معروف وبعضها مبتكر.
نخبة طليعية
ويقول العطار عن الفنون في المملكة: حركة الفنون المرئية في المملكة العربية السعودية حديثة العهد اذا قورنت بمثيلاتها في بعض الدول العربية الا انها في هذا الزمن الوجيز تمكنت من تقديم نخبة من الفنانين الطليعين الى الحياة الثقافية العربية يلعبون دوراً هاماً في ميادين الرسم والتلوين والتصوير الضوئي وتشكيل المجسمات.
واذا كان التجريب هو اساس التقدم والتطور فلوحات ابو السمح ابداع غير مسبوق على طريق التصوير الذي لم يستكمل مقوماته على الساحة الدولية، فما زال العلم يزوده بامكانات تكنولوجية مذهلة تفسح له آفاقاً لاتدركها الفنون الاخرى، وتشير البيانات الاحصائية الى تصاعد عدد المعارض الفوتوغرافية وتنوعها وتألق المزيد من الفنانين المبشرين بنصر جديد للفنون المرئية ولاشك ان انس ابو السمح واحد من هؤلاء.
المتناقضات
الاستاذ هشام قنديل مدير اتيليه جدة والناقد التشكيلي يقول :
حينما تغوص في اعماق لوحات الفنان ابو السمح تكتشف انك امام لوحة متماوجة بين الفوتوغرافية والتشكيلية تأخذك الى عوالم مجهولة تارة وواضحة صريحة مرئية تارة اخرى وكأن الفنان اراد بأسلوبه هذا ان يكسر حاجز الرؤية الواقعية وان يعدلها الى مايشبه الاسطورة.
لوحات الفنان ابو السمح خيال فني مليء بالمتناقضات والبذخ اللوني الذي لم تتدخل في تكوينه اليد انما كان للخيال والمشاعر والاحساسيس الدور الاكبر فيه.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
جبل الدعوة الى رحمة الله
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved