Friday 21st May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 6 صفر


شخصيات قلقة
إيزادورا دنكان
الفراشة الطائرة,, تحترق حزناً

ولدت ايزادورا دنكان في عام 1878 في مدينة سان فرانسيسكو الامريكية وعاشت حياة هادئة وناعمة تدور كلها في فلك العناية بالجمال وشجونه، إلا انها منذ بدأت اهتمامها بفن الباليه واحترفت الرقص الاغريقي، تحولت حياتها إلى سلسلة من الحركات الصعبة التي لا تؤديها فحسب وإنما تبتدعها بالدرجة الاولى, إن ايزادورا دنكان تعتبر اول من اسس فن الباليه الحديث وأخرج فنا جديدا من عباءة الباليه الكلاسيكي، وبهذه الطريقة بدت فنانة رائدة تضع الحروف الاولى من ابجدية لم يسبقها إليها أحد, لقد كرست حياتها اذن من اجل تعليم صغار السن وتدريبهم على هذا الفن الجميل، فتحولت بدورها إلى مربية.
وفي الحقيقة ان اول الاحداث العصيبة في حياتها كان في لقائها بالشاعر الروسي سيرجي يسينين بالاتحاد السوفيتي في زيارتها لموسكو فقد تزوجته وسافرت معه إلى برلين وباريس لكنها لم تكن تعرف لغته، ولم يكن يعرف لغتها، وقيل انه كان يضربها ويعاملها بقسوة لا تتناسب مع طبيعة المرأة فما بالنا بفنانة رقيقة تحتوي اطفالا صغارا في قلعة حب الفن وابداع رقص الفراشات بل قيل انه هددها مرة بمسدسه، لذا انتهت هذه العلاقة الزوجية بالطلاق بعد بضعة اشهر وعاشت ايزادورا فيما بعد في اضطراب نفسي على اثر هذه التجربة لكنها حاولت دوما تركيز طاقتها وأفكارها في محبة تلاميذها الصغار والتوغل في ابداع فنها غير المسبوق.
وبالرغم من ذلك كان القدر يخبئ لها ما هو افدح، فقد لاقى ولداها الصغيران حتفهما في نهر السين بباريس فكانت الطامة الكبرى التي لم يكن هناك شيء ليمحو آثارها النفسية المدمرة، تلك الآثار التي رافقتها حتى يوم انتحارها الغامض في 14 سبتمبر عام 1927م، وهي في التاسعة والاربعين من عمرها تقريبا, وفي العام السابق للانتحار، ظهرت ايزادورا على خشبة المسرح تريد ان ترقص كما كانت تفعل في الماضي القريب، فكانت السنوات التي حملتها على كتفيها قد ايبست اعضاءها وافقدتها الرشاقة والجاذبية، كما جثمت على قدرتها على القفز والدوران والطيران احزانها واضطراباتها النفسية العميقة، فما استطاعت ان تقدم الحركات الفنية التي اشتهرت بها، وخرج الناس آسفين على شبابها الذابل الذي كان مضرب الامثال, وفي العام التالي داهمها الموت, وكان انتحارها من ابشع الميتات, حدث ذلك في مدينة نيس الفرنسية التي عاشت بها ايامها الاخيرة, إذ التف طرف وشاحها حول عجلة السيارة التي ركبتها فخنقها بعد ان انكسرت رقبتها وسالت دماؤها, حدث ذلك عندما تحركت السيارة التي كان يقودها سائق إيطالي، وكان الوشاح قد التف كالأفعى حول عنقها الجميل، الذي كان له ماض في عالم الفن طالما ابهر العيون، ويبدو ان طرف الوشاح قد علق بالعجلة الخلفية للسيارة.
لقد اعتبر كثيرون موت ايزادورا دنكان مجرد حادثة عادية إلا انه من الارجح اعتباره انتحاراً غير معلن كنهاية حزينة لسلسلة الاحداث المؤسفة التي تعرضت لها وحولت مسار حياتها الهادئ الناعم إلى بركان من القلق والحزن كان هو النقيض الحقيقي لفن الرقص والتحليق الذي ارست دعائمه الحديثة بينما روحها تغوص في بئر من القلق والآلام, وقبل انتحارها بيوم واحد كانت تبكي على طفلين غرقا في البحر، وفي تلك الليلة الحزينة نهضت من فراشها وهي تقول:
لا أستطيع ان استمر هكذا أشكو من وجع القلب اربعة عشر عاما, إن الحياة مستحيلة ما دام فيها اطفال صغار لهم عيون زرقاء وشعر ذهبي وابتسامة بريئة .
وهكذا كان من الواضح ان ضعف الامل يعجل بالموت ويسرع من سريان المرض دون شك، فإرادة الحياة تقف طويلا امام إرادة الموت، وكذلك يحفر الفن لصاحبه اسما خالدا في ذاكرة تلاميذه وزملائه ومن يأتون من بعده حتى لو استسلم هو شخصيا لأوجاعه الخاصة وآثر الرحيل بدلا من الحياة في قلق وهم مستمرين.
نورا أمين

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
جبل الدعوة الى رحمة الله
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved