عزيزتي الجزيرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد:
لاشك ان المرحلة النهائية للطالب في دراسته الثانوية مرحلةمهمة جداً، كيف لا؟ وهي المرحلة الفعلية من مراحل بناء النفس ورسم طريق المستقبل، وهي ثمرة جهد كبير بذله الطالب على مدى اثنتي عشرة سنة بين جدٍ واجتهاد، وبحث وسؤال، وذهاب وإياب.
عزيزتي الجزيرة: ماهي إلا ايام معدودة ويودع هؤلاء الطلاب دراستهم الثانوية يحدوهم الأمل لتحقيق مستقبل مشرق لدينهم ووطنهم من خلال دراستهم الجامعية، ونظراً لأهمية هذه الشهادة - الشهادة الثانوية - ومايعقبها من مراحل دراسية, فليسمح لي إخواني طلاب هذه المرحلة أن اتحدث معهم حديث المحب المشفق، حديث الأخ لأخيه، وذلك من خلال هذا المنبر الهام,, منبر عزيزتي الجزيرة، فأقول مستعيناً بالله تعالى.
هنيئاً لكم وما وصلتم إليه من تقدم دراسي، هيئاً لكم وصولكم لهذه المرحلة المهمة في حياتكم التعليمية، أهنئكم لأني ارى الكثير من زملائكم تركوا مقاعد الدراسة لهثاً وراء الراحة والدعة.
عزيزي الطالب: إياك ان تظن أو أن يخطر ببالك ان هذا النجاح وان هذه الشهادة - وان كانت بتفوق - هي نهاية المطاف: لا ياعزيزي بل هي البداية الحقيقية للانطلاق في هذه الحياة، ولذك لابد ان نفكر بكل جدية، وان نعتني عناية فائقة بكل خطوة نخطوها في تحديد وجهتك المستقبلية ودراستك الجامعية.
أخي الطالب: هناك نقاط مهمة يجب عليك أن تضعها امام ناظريك ، وان توليها جلّ اهتمامك، حتى يكون النجاح رفيقك والتوفيق حليفك بإذن الله تعالى، وإليك هذه النقاط بشيء من الإيضاح.
النقطة الاولى: استعن بالله تعالى واحرص على اداء الامتحانات القادمة بكل هدوء وثقة، وإياك ان يخالط نفسك شيء من الرهبة والقلق, واعلم ان ثقة الشخص بنفسه هي المفتاح لكثير من الصعاب - بعد توفيق الله تعالى - كما أوصيك بعدم اشغال نفسك بمراجعة الاسئلة ومحاولة معرفة ماوقعت فيه من اخطاء، ان ذلك سيؤثر على ادائك في الامتحانات التالية لتلك المادة، واعلم ان المراجعة لن تفيدك ولن تجني منها إلا الندم والحسرة على ماوقعت فيه من اخطاء فالورقة سلمت ولايمكن استرجاع مامضى فلِم المراجعة؟؟
النقطة الثانية: عليك ان تعرف تمام المعرفة ان الرغبة والميول من أهم اسباب النجاح والتفوق، فلذلك عليك ان تتعرف على ميولك ورغباتك، عليك ان تعرف المواد التي ترتاح لها وتجد فيها نفسك، ومن ثم تحدد وجهتك الدراسية بناءً على ذلك، وهنا أود منك ان تتنبه لأمرين هامين هما:
أ - لا تتأثر بكلام الآخرين، وتسعى لتحقيق رغباتهم وطموحاتهم من خلال شخصك، فلا تترك ميولك اللغوية والنحوية مثلاً وتتجه إلى الطب أو الهندسة لتحقيق رغبة والدك او عزيز عليك.
كما يجب عليك ألا تتأثر بكلام زملائك ممن يثبطون الهمم والعزائم، ويسعون لوضع العراقيل والعقبات امام طموحك وآمالك، كوصفهم لذلك القسم او لتلك الكلية بالصعوبة المتناهية، ثم يتفننون بضرب الأمثلةبعمرو وزيد وفلان وفلان ممن تركوا ذلك القسم او تلك الكلية بعد الفشل الذريع وعدم القدرة على إكمال الدراسة فيها، وعليك ان تعلم ان هؤلاء وامثالهم ممن يثبطون الهمم إما حاسدون لا يريدون لك الإبداع والتفوق عليهم، أو انهم من قاصري النظر وقليلي الخبرة، لأنه لا صعوبة باي حال من الاحوال مع الجد والاجتهاد والمثابرة، كما انه لايأس مع الإصرار وقوة العزيمة، وإن استشهادهم بفشل أولئك فهذا لايدل بالضرورة على الصعوبة، ولعل من فشل من اولئك كان من المقصرين المهملين، او انه تعرض لبعض الظروف التي حالت بينه وبين النجاح، واعلم ان فشلهم لايعني باي حالٍ من الأحوال فشلك مثلهم.
ب - لايحملنك معدلك الممتاز ودرجاتك العالية على ترك ميولك ورغبتك بحجة الاستفادة من هذا التقدير المرتفع والدرجات العالية، واعلم علم اليقين ان زيادةالدرجات لاتعني بكل حال التفوق في اي مجال!!
عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الامور كلها كالسورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالامر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم اني استخيرك بعلمك،واستقدرك بقدرتك، واسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا اقدر، وتعلم ولا اعلم،وانت علام الغيوب، اللهم ان كنت تعلم ان هذا الامر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري او قال: عاجل أمري وآجله، فاقدر له ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وان كنت تعلم ان هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري أو قال: عاجل امري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم ارضني به، قال: ويسمي حاجته، اخرجه البخاري رقم (6382) كتاب الدعوات.
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - ثم بعد هذا الدعاء، ان انشرح صدره بأحد الامرين بالإقدام او الاحجام، فهذا المطلوب، يأخذ بما ينشرح به صدره، فإن لم ينشرح صدره لشيء وبقي متردداً أعاد الاستخارة مرة ثانية وثالثة أ,ه.
النقطة الرابعة: المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، فعليك ان تستشير اهل الرأي والخبرة والصلاح فيما تنوي الإقدام عليه من أمور، وخاصة هذا الأمر المهم واعلم انه ماخاب من استخار وماندم من استشار.
النقطة الخامسة: ربما تكون الكلية التي رغبتها او التخصص الذي هوته نفسك في منطقة بعيدة عن محافظتك، فلا يحملنك هذا على تركها، فأنت رجل تبحث عن المجد والسؤددوتحدوك الآمال لتحقيق مستقبل مشرق، ولعله لايخفى عليك ان البعض يسافر خارج المملكة لطلب بعض العلوم النظرية والتطبيقية، فكيف بك وانت ستدرس في داخل هذا الوطن الحبيب، الذي يعتبر كل جزء منه بلد لك وأهله اهل لك.
وفي النهاية عليك ان تهتم بوقتك ودراستك، وان تعلم انك سيد نفسك فأنت المسؤول عن حضورك وغيابك وعن جدك ونشاطك، فايام المتابعة والإلزام بالحضور وآداء الواجبات ودعتها مع آخر شهادة حصلت عليها، فعليك ان تتنبه لذلك خاصة في أوائل سنواتك الدراسية، وإياك ان تنشغل عن هدفك الذي جئت من أجله ببعض المغريات والملهيات، واحرص على الصحبة الصالحة فهي خير معين لك في امور دينك ودنياك، والله يحفظك ويرعاك.
أحمد بن محمد البدر