*الجزيرة -خاص
مع ما تعانيه الدعوة الى الله من عدم توفر مصادر لتمويلها ودعمها، برزت الحاجة الى اهمية العمل على احياء سنة الاوقاف المباركة من خلال الجمعيات، والمؤسسات الاسلامية، والمكاتب الدعوية في الخارج.
وقد رأت الجزيرة ضرورة إلقاء الضوء حول اهمية هذا الموضوع -خاصة مع الظروف الراهنة التي تمر بها الامة الاسلامية- من خلال لقائها بعض اصحاب الفضيلة مديرى مراكز ومكاتب الدعوة فى الخارج، التابعة لوزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد.
أمر بالغ الأهمية
اللقاء الأول كان مع مدير مكتب الدعوة في موسكو سليمان بن ابراهيم المقوشي الذي قال: نظرا الي ما يمر بالعالم من ازمات اقتصادية خانقة، وتحولات سياسية كثيرة، يوما بعد يوم، تبرز اهمية ايجاد مصادر ثابتة ومستقرة لدعم المشاريع والاعمال الدعوية في العالم بدلا من الاعتماد الكلي على الدعم القادم من الخارج، وبما ان استمرار هذا الدعم يخضع للتغيرات السياسية والاقتصادية، فانه من الخطأ ان يكون استمرار تلك المشاريع والاعمال الدعمية بوجه عام مروهنا بمدى استمرار ذلك الدعم الذي يخضع لمعايير سياسية، واقتصادية، يصعب الاعتماد عليها.
واضاف يقول : لهذا فإن الاخذ بمسألة الاوقاف الخيرية يبدو امرا بالغ الاهمية، واذا اخذنا بعين الاعتبار غفلة الامة الاسلامية عن ذلك خلال السنوات الماضية- على الرغم من المبالغ الضخمة التى صرفت، وما تعانيه كثير من المشاريع الدعوية والخيرية اليوم من توقف، وعدم الاستطاعة على الاستمرار، نظرا الي النقص الكبير فى مصادر التمويل- بدا لنا جليا اهمية هذا الامر وحتمية القيام بخطوة ايجابية نحو تنفيد ذلك، بحيث تكون دراسة ايجاد المصادر الثابتة لدعم المشاريع الخيرية ملازمة تماما لفكرة القيام بأي مشروع ، او عمل خيرى.
مشروعات توقفت
وعن الجهود المبذولة فى هذا الصدد في روسيا الاتحادية اوضح المقوشي : ان اكثر المشاريع التي بدأ العمل بها من قبل المؤسسات الخيرية بعد مرحلة الانفتاح، لم يستمر نشاطها في المنطقة لاسباب مختلفة, وانها قد توقفت تماما، أو على وشك ذلك، بسبب انقطاع الدعم القادم من الخارج، وعدم وجود مصادر داخلية ثابتة توفر لها الدعم اللازم لاستمرارها.
ثم ابان ان مكتب الدعوة في موسكو لديه قناعة تامة باهمية ذلك، لما يلمسه من واقع مرير تعانيه المشاريع الخيرية، بسبب توقف الدعم القادم من الخارج، الا ان القوانين المطبقة هناك تقف حاجزا دون اتخاذ خطوات ايجابية في هذا الاتجاه، لكون قضية التملك للافراد والمؤسسات المحلية والاجنبية امرا غير وارد في القانون الروسي، مما يمنع الكثير من المحسنين من العمل بفكرة الايجار الطويل المدى، وهو المعمول به في روسيا الاتحادية.
ويرى المقوشي ان البديل لذلك - مؤقتا- هو تبني المشاريع الخيرية لحين سن قوانين جديدة تتيح الفرصة لتملك الاوقاف الثابتة.
علاقة عريقة بالأوقاف
كما تحدث الملحق الديني في بنجلاديش المكلف علي بن حسن الجرعي مؤكداً ان الهيئات والمنظمات العاملة في مجال الدعوة الى الله تعاني من عدم توفر مصادر مالية ثابتة لتنفيذ برامجها الدعوية المتنوعة، وان الحاجة اصبحت ماسة الى اهمية العمل على احياء فكرة الاوقاف الخيرية التى وضعها الاسلام للانفاق على العمل الاسلامي من عائداتها.
واشار بأنه من الافضل للجمعيات والمؤسسات الاسلامية ان تعتمد على ذاتها بدلا من طلب المساعدات المؤقتة من هنا وهناك.
مبينا انه توجد محاولات جيدة في مجال الاوقاف الخيرية في بنغلاديش لعلاقتها العريقة مع الاسلام من القرون الاولى، وان هناك كثيرا من مؤسسات الاوقاف تشرف على، وتدير المدارس الاسلامية، والاعمال الخيرية من كفالة الايتام، ومساعدة البائسين، وتقديم الاغاثات وقت الكوارث الطبيعية.
لا وجود للاستثمارات
أما مدير مكتب الدعوة في باكستان المكلف عبد الرحمن بن محمد العطاالله فقد قال - متأسفا- : إن فكرة الاوقاف االخيرية التى وضعها الاسلام لدعم الاعمال والمشاريع الخيرية التي تعود على الامة وابنائها بالنفع العظيم، معطلة في هذا الوقت، او تكاد تكون معطلة في كثير من البلاد الاسلامية.
وانه مما لا شك فيه أن هذه المسؤولية العظيمة تقع على كاهل العلماء، والدعاة والمصلحين، لتوضيح الاهمية الكبيرة لهذا العمل، وحث الجمعيات والمؤسسات الاسلامية والمكاتب الدعوية على احياء هذه السنة المباركة، وتحديد موارد مالية ثابتة لدعم العمل الدعوي في مجالاته كافة.
أما بالنسبة للاوقاف الاستثمارية الخيرية فى باكستان فيقول العطاالله عنها: إنه لا يوجد مثل هذا النوع من الاوقاف، ولكن هناك بعضا من رجال الاعمال من يقفون ارضا لبناء مسجد، او مدرسة ، او جامعة، وتجمع الاموال من عامة الناس لبناء المشروع.
نحن أحق من غيرنا
ويرى مدير مركز الدعوة والارشاد بام القوين فى دولة الامارات العربية المتحدة عبد الإله بن مبارك الدوسري: أن سنة الوقف سنة اسلامية قائمة ونافعة عبر الاجيال، وفي وجوه الخير المتعددة، وانه مهما حاول اعداء الاسلام استغلال بعض المناشط والوسائل الا اننا احق واولى منهم بذلك.
واكد بأنه على الرغم من قلة مصادر التمويل لدعم الجهود الدعوية فى العالم، الا أن الجهود المباركة القائمة داخل المملكة وخارجها يمكن أن تنسق عبر وزارات الاوقاف والشؤون الاسلامية لتحديد الاحتياجات، ووجوه الصرف، وطرق الاستثمار والنماء لهذه الاوقاف، حتى تؤتي ثمارها بشكل افضل.
وافاد عبد الإله الدوسري بأنه توجد بعض الجهات الخيرية التي تسلك هذا المسلك فى دولة الامارات العربية المتحدة، مثل: (هيئة الاعمال الخيرية فى عجمان وفروعها، ودار البر فى دبي وفروعها، وهيئة الإغاثة الإسلامية فى الشارقة) كما أنه يوجد مدارس خيرية، يشارك فيها بعض الدعاة التابعين للمركز، مثل: (مدرسة منار الايمان، والمدرسة الراشدية فى عجمان، ومدرسة تحفيظ القرآن الكريم والسنة في أم القيوين، ومركز الكتاب والسنة فى رأس الخيمة).
التوجيه لمتطلبات العصر
ومن ناحيته اكد الملحق الديني المكلف بسفارة المملكة في نيودلهي عبد الرحمن بن سليمان المزيني أن التحديات والعقبات التي تواجه الامة الاسلامية اليوم من مختلف الجهات تفرض علينا ضرورة تطوير الاوقاف بما يحقق احتياجات الامة، وان ذلك لا بد أن يتم من خلال توعية اصحاب الاموال بالمفهوم الصحيح للاستثمار الامثل للوقف، ليشمل نفعه، وينفق منه على المشروعات التي تفي بحاجة ابناء المجتمع الاسلامي.
وقال: ان الدعوة الى الله من المجالات التي تعاني من مشكلة عدم توفر مصادر لتمويلها ودعمها ، مما يجعل الحاجة ماسة الى الاستفادة من الوقف على المشروعات الخيرية الاستثمارية التي تعود على دعم العمل الدعوي بصورة كافة، كما يجب الوقف على المشروعات الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، والصحية ذات النفع العام، وهذا لا يتحقق إلا بتوعية المسلمين لتوجيه اموال الوقف لمتطلبات العصر الحديثة في اطر التشريع الاسلامي وتعاليم ديننا الحنيف,واعرب المزيني بهذه المناسبة عن شكره لوزارة الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد بالمملكة على ما تقوم به من جهود محمودة في سبيل ترشيد استخدام الوقف، وتعميم فائدته، ليتحقق ما ينبغي أن يحققه الوقف الاسلامي من غايات ومقاصد نبيلة في اطار يستوعب مستجدات العصر ومقتضيات التفاعل معه,كما نوه الملحق الديني المكلف في الهند بعناية ولاة الامر بالمملكة بانشاء المساجد والمراكز الاسلامية، ودعمها في شتى انحاء العالم، مشيرا الى انها ليست خافية على احد، وان المسلمين في دولتي الهند ونيبال اللتين يشرف عليهما المكتب يشيدون باهتمام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - ببناء واعمار المساجد والمراكز ودعمها، ويقدرون الجهود التي بذلها في توسعة الحرمين الشريفين، وفي نشر الخير والدعوة الى الله بوسائل عديدة منها بناء المساجد والمراكز الاسلامية في دول اسلامية، وذلك كله انطلاقا من سياسة المملكة الثابتة القائمة على خدمة الدعوة والاسلام، ومؤازرة المسلمين في كل مكان،
الحل الأمثل في أمريكا
كما تحدث مدير مكتب الدعوةفي امريكا خالد بن ابراهيم السويلم، فقال: من خلال معايشة الواقع الاسلامي في امريكا وظروفه واحتياجاته يتبين أن الوقف هو الحل الامثل لمشاكل العمل الاسلامي المادية في امريكا، وهي اكثر المعوقات التي تحد من نشاطه وانطلاقه.
واضاف يقول: وكثير من الجمعيات والمراكز والمدارس الاسلامية التي تخدم الجاليات الاسلامية في امريكا، وتعرّف بالاسلام بين غير المسلمين، بحاجة الى الدعم، لكي تستمر في اداء عملهاالخيري، ولاسيما المدارس الاسلامية، التي تعتبر بمثابة المنقذ بعد الله لابناء المسلمين المقيمين، من مشاكل التعليم في امريكا، وآثاره الخطيرة على التلاميذ، لما فيه من اختلاط ، وعدم مراعاة للقيم الاخلاقية، حيث تتاح جميع اسباب الفساد والانحراف، وهذه السلبيات تكفل الاوقاف -بإذن الله- تلافيها لما فيها من ريع مادي يستثمر للصرف على المدارس والمؤسسات التي تعنى بالاوقاف الاسلامية.
الا ان عليها بعض الملاحظات بسبب التجاوزات التي ارتكبت في حق بعض المراكز الاسلامية التي لم تر النور حتى هذا اليوم، والحاجة قائمة لانشاء وقف اسلامي في امريكا بعيد عن الحزبيات والمصالح الشخصية، لتنتفع به الجالية والمراكز الاسلامية.
دعوة خالية من الشوائب
وحول جهود المملكة في خدمة العمل الاسلامي اكد مدير مكتب الدعوة في امريكا ان اهتمامات ولاة الامر - ايدهم الله بنصره وتوفيقه- لم تقتصر على احتياجات المواطن وخدمة الحرمين الشريفين والمساجد في الداخل، بل تعدت ذلك الي احتياجات المسلمين في الخارج,وقال لقد لبى ولاة الامر - حفظهم الله - نداء المسلمين في شتى بقاع الارض، فأنشأوا المساجد، والمدارس، والمراكز الاسلامية، وانفقوا - ولا يزالون - عليها، يحدوهم في ذلك العهد الذي قطعوه علي انفسهم بنشر الدعوة الصحيحة الخالية من الشوائب والشبهات,ويدين المسلمون - في هذه البلاد - بالفضل لله ، ثم لحكومة المملكة على دعمها للمشاريع والمراكز الاسلامية، وهو دليل على ما تتمتع به المملكة من مكانة جعلتها محط انظار المسلمين عامة,واردف السويلم قائلا: ويتجلى هذا الامر من واقع طلبات المساعدات العينية والمالية التي يتلقاها المكتب من الجهات الاسلامية، وكذلك الدعوات التي توجه للمكتب لحضور المؤتمرات، والندوات، والتجمعات الاسلامية ، يضاف لها ما يلقاه دعاة الوزارة من تقدير واحترام الجاليات الاسلامية، وثقتها في المناطق التي يزاولون عملهم فيها، وما يطلب منهم ايضاحه من فتاوى شرعية لعلماء المملكة ، ومتابعة التطور الذي تشهده المملكة في الاصعدة كافة، وعلى وجه الخصوص ما تم تنفيذه في الحرمين الشريفين من لدن خادم الحرمين الشريفين -ايده الله- والامكانات التي توفرها المملكة للحجاج والمعتمرين، من خلال التنظيم والتغييرات التي يشهدونها سنويا لتسهيل أداء مناسكهم.
نواة لمشاريع الموسرين
بعد ذلك تحدث مدير مركز الدعوة والارشاد في دبي ابراهيم بن ابراهيم التركي فقال: الاوقاف الاسلامية تعتبر دعامة هامة للاعمال الدعوية والخيرية ، وسنة مباركة اخذ بها سلفنا الصالح، فكان لذلك ثمرة كبيرة، وذكر جميل على مر العصور الاسلامية.
ولا بد ان نستفيد من هذه السنة المباركة باحيائها والتشجيع عليها، وذلك نظرا لحاجة العمل الدعوي الملحة - في هذا العصر- للدعم الكبير في مواجهة التحديات التي تواجه الامة الاسلامية، والحمد لله يوجد في منطقة عمل المركز عدد من الاوقاف الخيرية كغيرها من المناطق الاخرى.
واضاف بأنه من الملاحظ في الاونة الاخيرة اتساع هذا الافق، وتوجه الكثير الى ذلك مما يعد نجاحا وفهما ودعما للمشاريع الخيرية والدعوية بشكل عام.
ونوه التركي - بهده المناسبة - بما تجده المساجد والمراكز الاسلامية بناء ودعما وتشجيعا في كل انحاء العالم، من ولاة الامر بالمملكة العربية السعودية - حفظهم الله ووفقهم الى كل خير -واصفا ذلك بأنه يعد مفخرة، وتاجا لاهله في الدنيا والاخرة.
ثم قال: وقد جاء في فضل ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم - :(من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة)، وابناء المسلمين يقدرون هذا الصنيع الطيب، ويدعون بالاجر والمثوبة على هذه الجهود الكبيرة - ويباركون للهمم العالية، كما ان لهذه الاخبار وقعا جميلا ومباركا حيث انها اصبحت نواة لمشاريع عديدة مماثلة في ارجاء المعمورة من الموسرين والقادرين في عالمنا الاسلامي الكبير.
|