Friday 21st May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 6 صفر


طول الأمل واقتراب الأجل
أحمد بن محمد اليحيى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الله تعالى:قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتّقى، ولا تظلمون فتيلاً النساء: 77 ، ويقول سبحانه: وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون (القصص).
وكما وصف الله هذه الحياة بأنها متاع قليل، وصفها أيضاً بأنها متاع كما قال سبحانه: إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار غافر ، يقول سعيد بن جبير- رحمه الله- متاع الغرور، ما ألهاك عن الآخرة، وما لم يلهك فهو متاع، وبلاغ إلى حين.
ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم- لابن عمر: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، البخاري: كتاب الرقاق .
وهذا الحديث أصل في قصر الأمل، والأمل ماتحبه النفس، وترغبه، مما يمكن من طول العمر، وكثرة المال، أو هو إرادة الشخص تحصيل شيء يمكنه، فإذا فاته تمناه، فطوله مذموم وقصره محمود؛ لأنه يلزم من طوله عدم الاستعداد، يقول إبراهيم بن أدهم: من طال أمله، ساء عمله، وخط النبي- صلى الله عليه وسلم- خطوطاً، وقال: هذا أجل ابن آدم، وهذا أمله، فقصره يبعث على الجد والاجتهاد والاستعداد ليوم المعاد، ويوجب محبة لقاء الله، ومن احب لقاء الله أحب لقاءه، ولا يركن المؤمن إلى الدنيا، ويطمئن إليها، ويرضى بها دون الآخرة لأنها تشغل العبد، فإذا أحبها، وبالغ في الاشتغال بها أنسته الآخرة، يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: إن أخوف ماأخاف عليكم طول الأمل، واتباع الهوى، أما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه .
قال الله تعالى في وصف الكفار: إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، والذين هم عن آياتنا غافلون، أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون يونس 7-8 .
يقول أحد الصالحين: اطلبوها ولاتحبوها، واشغلوا بها أبدانكم، وعلقوا بغيرها قلوبكم، الزاد منها، والمقيل في غيرها.
ويقول أمير المؤمنين علي لابنه الحسن- رضي الله عنهما-: كن في الدنيا ببدنك، وفي الآخرة بقلبك.
فطول الأمل يورث التواني والتراخي، ويكسل عن العمل، وكلما قصر الأمل جاد العمل، وطوله له سببان: الجهل، وحب الدنيا، فإذا أنس بها وبشهواتها وعلائقها ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من التفكر في الموت؛ لأنه السبب في مفارقتها، وكل من كره شيئاً دفعه عن نفسه، والإنسان مشغول بالأماني الباطلة التي توافق مراده، فإذا خطر بباله بعض الأحيان ذكر الموت، سوّف ووعد نفسه، وقال: مامضى إلا القليل إلى أن تكبر، ثم تتوب، وتقبل على الطاعة، فلا يزال يمني نفسه، إذا فرغت من كذا وكذا من انتهاء أشغاله، أو تكميل دراسته، أو زواج ونحو ذلك من الأماني التي يتلذذ بذكرها، ولا تجدي شيئاً، لكن يرتاح لها، فلا يزال يمني نفسه بالبقاء في الدنيا طويلاً، وخاصة إذا صفت له الحياة،مع أن ذلك يدل على التغيير، أو قرب زوال، كما قال تعالى: حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لّم تغنَ بالأمس يونس 24 .
ولا يزال الشيطان بقلب المؤمن يشوش عليه، لأنه إذا صفا تعسر عليه، فلا يزال يشغله لعله أن يقع في ورطة يبيع دينه بشيء من الدنيا، ولعله يؤثر الدنيا على الآخرة، فإذا حصل هذا فقد استغنى أن يعود إليه، يقول - صلى الله عليه وسلم-:ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا- أو تبسط الدنيا عليكم- كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم متفق عليه.
والناس متفاوتون في طول الأمل، فمنهم من يأمل البقاء إلى زمان الهرم، منهم من لاينقطع أمله أبداً، وبقصر الأمل استشعار قرب الموت، وهو دليل كمال العقل، وصحة الإيمان، وضده طول الأمل، وهو حجاب على القلب يمنعه من رؤية قرب الموت, وأرباب القلوب الواعية تعمل للآخرة، وأصحاب القلوب المؤمنة لها في كل أمر فكرة، وما ترى من الحوادث إلا ويحدث لها عبرة، والحياة وسيلة، وليست غاية، فكل ما فيها وسيلة لتلك الحياة الأبدية، والزهد في الدنيا عسير، ولكن احذر من مصايدها، وما تخفيه من مهالكها، فيحذرها اللبيب، ولا يسر بها الأريب، وكيف يركن إليها ويطمئن بها، وهو يرى من عجائب تقلبها وفجائعها وكثرة آلامها وأسقامها وقوارعها.
ومن ضعف اليقين إيثار الدنيا علىالدين، ومن نظر في زوال الدنيا وسرعة تقلبها وذهابها، وإقبال الآخرة وبقائها، وما فيها من مسرات وخيرات كاملة، وما في الدنيا من لذات منقطعة وناقصة، فكل أحد مطبوع ألا يترك النفع العاجل، واللذة الحاضرة إلى النفع الآجل واللذة الغائبة، إلا إذا تبين له فضل الآجل، يقول ابن القيم- رحمه الله-: فإذا آثر الفاني على الباقي كان ذلك إما لعدم تبين المفضل له، وإما لعدم رغبته في الأفضل، وكل واحد من الامرين يدل على ضعف الإيمان، وضعف العقل والبصيرة، أما الأول فلفساد الإيمان، والثاني لفساد العقل، لأنه- صلى الله عليه وسلم- عرضت عليه مفاتيح كنز الدنيا فردها.
يقول بعض السلف: ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم، ولا عصى الله كريم.
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
جبل الدعوة الى رحمة الله
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved