الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد:
فان الله تعالى شرع دين الاسلام نظاما لحياة الناس ينظم علاقتهم بربهم- تبارك الله- وعلاقتهم بخلقه، وينظم علاقة المرء مع نفسه، وجعله سبحانه سبيلاً الي طيب الحياة في الدنيا وسعادة الاخرى ، فهو صراط الله المستقيم الموصل الي رضوانه وجناته جنات النعيم، ولهذا ضمن سبحانه سعادة الدنيا والآخرة لمن تمسك به، واستقام عليه مبتغيا بذلك وجهه، فقال - سبحانه -: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وقال- جل ذكره- :( فمن أتبع هداي فلا يضل ولا يشقي* ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة اعمى) وقال-تعالى -: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وقال - عز من قائل -: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)
ولذا امر الله - تعالى - بالتمسك به، والوقوف عند حدوده، فقال: (اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم)، وقال: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان ان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) وصح عن النبى - صلى الله عليه وسلم- انه قال: لا يؤمن احدم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به وقال -سبحانه- :( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
فالدين دين الله، شرعه لتحقيق مصالح عباده في الدنيا والآخرة، ولاتقاء الشر والشقاء في العاجلة والآجلة، ومصدره الكتاب والسنة، ويفهم بحال السلف الصالح من الامة - أفضل مجتمع وأحبه إلى الله وارضاه له- والله تعالى اعلم بما يصلح عباده في وقت نبيه - صلى الله عليه وسلم - وفي آخر الدهر ، ولن يصلح اخر هذه الامة الا ما اصلح اولها، والدين كله قد بينه النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل موته بقوله وفعله وتقريره لما وافقه، وانكاره لما خالفه تبليغا لرسالته ونصحا لامته عملا بقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) فمن اراد أن يفهم دين الله تعالى على حقيقته فليتعرف على حال بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فانهم هم انموذج التطبيق، وقدوة الأمة، ومن لم يسعه ما وسع محمداً -صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته وأصحابه، فلا وسع الله عليه، ومن لم يعجبه هدي بيت النبوة فانما يعلن عن اتهامه في ديانته وخيانته لأمانته وأمته.
ومن لم يسعه ما وسع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته وأصحابه ولم يعجبه ما كانوا عليه من الهدي والسيرة واخذ يدعو إلى خلاف ذلك فهو مجرم فتان- والفتنة نائمة لعن الله من ايقضها ، وأعظم هذا الصنف جرماً، واكبرهم اثماً من تولى كبر التشكيك في احكام الدين، وهدي السلف الصالحين، فاخذ يتبع شواذ اقوال بعض أهل العلم، وآراء من ينتسب إليه نبشاً لرفاة رفاعة الطهطاوي، وهدى شعراوي، وأضرابهما ممن تربى في احضان اعداء الاسلام ، وجد في نشر ضلالاتهم وكيدهم في ديار الإسلام ، فاخذ يتأول نصوص الكتاب والسنة علي ما يوافق هواه بالقول فيها بغير علم، وهو ليس من أهل العلم، ولكن اتباعا للهوى، ورغبة في الفتنة ، واظهارا لزيغه، وصدق الله العظيم اذ يقول: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌ من عند ربنا) وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قوله:( فاذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فاولئك الذين سمى الله فاحذروهم).
ومن أمثلة ذلك الاحكام الواضحة التى بدأ يجادل فيها الجهلة ومن في قلوبهم مرض من أهل الأهواء وأبواق أعداء الإسلام : حجاب المرأة المسلمة، فمع صراحة قوله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)وقوله سبحانه: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ويخاطب الله المؤمنين مبيناً ما ينبغي أن يكونوا عليه من الادب مع امهات المؤمنين اللاتى هن المثل في العفة والحشمة، وابعد ما يكن عن الفتنة، فيقول: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
وانظر تطبيق هذا التوجيه الرباني من بيت النبوة تقول عائشة - رضي الله عنها- : (كنا إذا كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- محرمات وحاذانا الركبان- تعني الرجال الأجانب- سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه).
|