الحمد لله أمر بتقواه أحمده سبحانه وأشكره فهو أهل التقوى وأهل المغفرة وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له فلا معبود بحق إلا إياه ولا رب سواه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وكل من اتقى ربه.
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالي واعلموا أن الحياة السعيدة والعقيدة الصحيحة والفطرة السليمة بإصلاح العلانية والسريرة وذلك بملازمة تقوى الله في جميع الأحوال ظاهراً وباطناً اعتقاداً ونطقاً وعملاً أينما كان المرء وأينما حل وحيثما رحل ونزل ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، أوصى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أبا ذر الصحابي الجليل رضي الله عنه قال "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".
فأول ما أوصى به تقوى الله أينما كان والتقوى التى أمر بها فى مواضع كثيرة من القرآن الكريم- وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم- هى وصية الله لخلقه الاولين والآخرين.
(ولقد وصينا الذين أوتو الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)
فجدير بكل مسلم امتثال أمر الله وقبول وصية خالقه ومربيه والمنعم عليه لجميع أنواع النعم قال تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون(21) الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وانتم تعلمون), فالله أمر بعبادته والتقوى جامع العبادة، لذا أمر الناس بها عموما في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) في عدة مواضع من القرآن الكريم وخص بها المؤمنين فى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، والمؤمنون قد اتقوا الله فيكون معنى الأمر التزود من التقوى والمداومة والاستمرار:(وتزودا فإن خير الزاد التقوى)(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
أيها المسلمون: لزاما على كل انسان أن يعرف حقيقة التقوى وجوهرها، فالأصل فيها أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقية من ذلك، فالذي يقي العبد فعل الطاعات لربه واجتناب معاصيه واعظم ما يتقى سخط الله وغضبه الذي ينشأ من عقابه الدنيوي والأخروي.
قال تعالى:( ويحذركم الله نفسه)وقال:(هو أهل التقوى وأهل المغفرة) فهو سبحانه أهل أن يخشى ويهاب ويبجل ويعظم في صدور عباده حتى يعبدوه ويطيعوه بما يستحقه من الاجلال والاكرام وصفات الكبرياء والعظمة وقدرة البطش وشدة البأس وفي الحديث القدسي قال تعالى: "أنا أهل التقوى فمن اتقانى فلم يجعل معي إلهاً آخر فانا أهل أن أغفر له"أيها المسلمون انه ليدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات بطاعة الله على نور من الله يرجو ثواب الله وأن يترك معصية الله على نور من الله يخاف عقابه، وربما دخل فيها بعد ذلك فعل المندوبات وترك المكروهات وهي أعلى درجات التقوى, فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه انه قال: ينادى يوم القيامة اين المتقون فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر قالوا له من المتقون؟ قال:(قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان واخلصوا الله بالعبادة), وقال ابن مسعود في قوله تعالى (اتقوا الله حق تقاته) قال: ان يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى وان يشكر فلا يكفر.
ويجب على العاقل ان يأخذ مما عنده لما بعده من التقوى والعمل الصالح بإصلاح السريرة.
فأعظم صفات العاقل أن يصلح سريرته بملازمته تقوى الله لان من صلح باطنه صلح ظاهره ويعلم علم اليقين ان الله رقيب عليه في الخلوة والمشاهدة وان يجعل نصب عينيه قوله تعالى: (إن الله كان عليكم رقيبا)
جعلنا الله من تلبس في ثياب التقى وجعلها مطيته الى رضوان الله فهي وصية الله لعباده الاولين والآخرين، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم(ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا).
اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه انه غفور رحيم.
عضو هيئة كبار العلماء