Friday 21st May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 6 صفر


وترجل الفارس,, فقيد الأمة الإسلامية

كنت في جناح اللاجئين من كوسوفا في البانيا ضمن وفد قطر عندما تلقيت خبر الشيخ عبدالعزيز بن باز فتضاعف الشعور بالمأساة واشتد الم الحزن ونحن نشاهد تلك المناظر في المخيمات لان وفاة الشيخ بن باز هي في الواقع تمثل صدمة العالم الاسلامي في هذا الزمن الذي فقد المسلمون فيه الرجال الذين يعيشون مشاكل شعوبهم ويبذلون النفس والنفيس في سبيل دعوة الاسلام لقد كان الشيخ بن باز نبراساً في العالم الاسلامي يهتدي به السائرون في الطريق المظلم وكان علما للحق وللخير في وقت تغلب فيه الظلم على الحق والشر على الخير فماذا تقول:
ذهب الذين يعاش في اكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الاجرب
الشيخ عبدالعزيز هو المرجع لكل من يسأل عن الطريق الآمن في مجال الدين والشرع فيطمئن مستفتية انه اذا اتبع فتواه وما ارشده اليه فقد سار على النهج المؤدي الى الهدف الذي يرضي ربه ليرتاح ضميره ويطمئن قلبه ولابد ان نتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ان الله لا ينتزع العلم انتزاعا ولكن ينتزعه بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا فوفاة الشيخ عبدالعزيز ثلمة في الاسلام وثغرة فتحت في جداره نسأل الله ان يسدها.
فقد كان رحمة الله يجهر بكلمة الحق لا يخاف في الله لومة لائم وكان يتصدى لاهل البدع والخرافات الذين يفسدون عقائد المسلمين ويتصدى للعلمانيين الذين يحاربون الاسلام بطرق مختلفة فقد وهبه الله قدرة على خوض المعارك الفكرية وايده الله باستحضار الحجج الدامغة والادلة التي لا يرقى اليها الشك من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
اننا عندما نبكيه نبكي العالم والاخلاق والاخلاص والتقوى والاصلاح ونبكي الغيرة على الاسلام فأين لنا مثله في هذا الزمن الذي كثر فيه المنافقون والدجالون وكثر فيه المتنطعون والمتشدقون والمتعالمون.
ان الشيخ بن باز كان فلتة بين علماء المسلمين كان سديد الرأي ولا يغضب الا من اجل الحق فقد خصه الله بمزايا الحلم والاناة والخلق الحسن، فحتى لو اختلف معه في الرأي فلا يغضب لانه يؤمن بما قاله الامام الشافعي: كل يؤخذ من قوله ويترك الا صاحب الروضة ,, يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الامام الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ومازلنا نذكر فتاواه التي خالف فيه الائمة الاربعة واخذ فيها برأي شيخ الاسلام ابن تيمية لقوة الدليل فيها وبذلك حل الكثير من مشاكل الاسرة المسلمة وهو الى جانب ذلك يعيش مشاكل المسلمين ومآسيهم فهو يتابع اخبارهم ويبذل كل ما يستطيع لمساعدة ضعفائهم ويتألم لآلامهم ويضع امامه دائما قول الرسول صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وقوله: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ويحرص على الصلح بين المسلمين انطلاقا من قوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) وهو يدعو الى الوحدة الاسلامية ويطالب المسلمين جميعا بان يحكموا شرع الله وينتقد تصرفات القادة في كل مكان ليكون نهجهم مطابقا للكتاب والسنة ويعدلوا بين الناس ويحذرهم من اعداء الاسلام والا يسمحوا للمنصرين ان يستغلوا حاجة المسلمين وضعفهم فيطالب دائما بسد حاجة المسلمين ونشر الدين الاسلامي في البلاد غير الاسلامية وهو يهتم بشباب المسلمين ليكونوا مجاهدين في سبيل الاسلام ويدعوهم الى الاقتداء بالسلف الصالح في الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وهو بصفاته واخلاقه واخلاصه جعل الله له المحبة في قلوب المسلمين واسم الشيخ عبدالعزيز عندما يُذكَر يُذَكّر الناس بسيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وهذه نعمة انعمها الله عليه اذ احبه الله وجعل المحبة له في قلوب عباده المؤمنين وقد كانت مجالسه مجالس علم كلها يرتع فيها طلبة العلم وكأنهم يرتعون من رياض الجنة فهو لا يقبل في مجالسه غيبة ولا نميمة ولا سبابا ولا شتائم كما يفعل بعض من يدعون العلم ونحن عندما نفقد هذا العالم الكبير نؤمن بان لله ما اخذ وله ما اعطى: (كل نفس ذائقة الموت وانما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز,,) آل عمران 185.
وقوله (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) 26 ، 27 الرحمن.
ولا يسعنا الا ان نقول: ( لاحول ولاقوة الا بالله انا لله وإنا إليه راجعون) فنسأل الله ان يسكنه فسيح جناته وان يجعله في الفردوس الاعلى مع الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين وان يبدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من اهله وان يلهم اهله وذويه الصبر والسلوان ونعزيهم ونعزي انفسنا والعالم الاسلامي اجمع فقد كانت وفاته مصيبة للمسلمين جميعا لانه فارس عظيم من عظماء الاسلام وقد ترجل الفارس فقيد الأمة الاسلامية رحمه الله رحمة الابرار واسكنه دار القرار, إنا لله وإنا إليه راجعون .
الشيخ :عبدالقادر بن محمد العماري

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
جبل الدعوة الى رحمة الله
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved