بداية استأذن الدكتور احمد بن عثمان التويجري عضو مجلس الشورى والشاعر المعروف في عنواني هذا الذي اقتبسته من رسالة شوق بعثها الى سماحة والدنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز الذي وافاه الاجل صباح يوم الخميس الماضي.
عندما ودعه قائلاً:
وكنت اباً للمكرمات فمن لها وقد بت عنا اليوم يحجبك الستر |
صدقت ايها الشاعر,, ان سماحة الوالد رحمه الله كان اباً للمكرمات حيا وميتاً,, فقد ساهم في احياء الامة بعلمه وفتاويه وطلابه المنتشرين في شتى بقاع المعمورة من خريجي الجامعة الاسلامية وحلقات دروسه الممتدة طيلة عمره المبارك,.
ايها القارىء الكريم,, اليك بعضاً من تلك المكرمات:
المكرمة الاولى: ان الله سبحانه وتعالى هيأ له طريقاً الى طلب العلم وحلق الذكر منذ صغره ونعومة اظفاره ورزقه الحرص والتفاني في طلب العلم حتى بز أقرانه ايام الطلب ثم فاق انداده وتجاوزهم عندما اكتمل نضجه العلمي حتى تسنم, قمة الفتيا الشرعية في بلاد الحرمين حيث نال ثقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رعاه الله عندما اسند اليه منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية .
الثانية: حرصه على اتباع الحق حتى عرف بين الناس ان شيخه الدليل من القرآن والسنة، لذلك نجد ان فتاواه اتسمت بروح الاجتهاد والبعد عن التمذهب والتقليد مما يسر له القبول لدى كثير من البلدان الاسلامية والاقليات في البلدان الاجنبيةواعظم دليل على ذلك مشهد التفاعل مع نبأ وفاته من مختلف بقاع الارض.
الثالثة: تفاعله مع قضايا امته العربية والاسلامية فما تحل بنا نكبة او تقع ازمة الا ويصدر عنه رسالة تحمل عزاء او دعوة للتبرع اونداء للعون،حتى ارتبط اسمه رحمه الله بنكبات امتنا الاسلامية مواساة ودعوة لنصرة الحق واهله مهما بعدوا ونأت بهم الديار.
الرابعة: كرمه الذي فاق الوصف ولا ادل على ذلك من الجموع التي يغص بها منزله في الرياض او الطائف من مختلف الجنسيات الاسلامية حيث يجدون كرم الضيافة وحسن الاقامة في كنفه رحمه الله، ومن صور كرمه التي مازال الناس يذكرونها ويجلونها,, عندما فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الاسلام، فقد تبرع بها ووزعها على الجهات المستحقة اثناء إلقائه لكلمته في حفل الجائزة بحضور خادم الحرمين الشريفين رعاه الله.
الخامسة: حبه لشفاعة الخير لأي مخلوق كان، فقد ارتبط اسمه رحمه الله بالشفاعة الحسنة، فقد قيل عنه: انك اذا وصلت اليه فستفوز بشفاعته اياً كان موضوعك، فطلبك مجاب بخطاب ممهور بختمه رحمه الله، وقل لي -بالله عليك- من يرد شفاعة الشيخ!! والقصص في هذا كثيرة لاتحصى كعدد محبيه رحمه الله.
السادسة: قلة مؤلفاته,, نعم قلة مؤلفاته مكرمة اخرى في حياته، فهو -رحمه الله- لم يؤلف الا النزر اليسير من الكتب العلمية المتعلقة بضروريات الامة لكنه صرف وقته وجهده في تدريس طلبة العلم وتعهدهم بالتربية والتقويم حتى تخرج من تحت يديه مئات من طلبة العلم الجادين الذين هم بمثابة المراجع العلمية المتخصصة التي يتصفحها الناس صباح مساء ومن ابرزهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ الذي قرأ على سماحته -رحمه الله- الفرائض في عام 1377ه وعام 1380ه والذي ألبسه خادم الحرمين الشريفين ثقته الغالية عندما عينه مؤخراً مفتياً عاما للمملكة العربية السعودية خلفاً للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
السابعة تفرده باسلوب مميز في تقديم النصيحة للآخر يجمع بين الصراحة واللين حيث عرف عنه هدوء النبرة اثناء النصح والارشاد للغير مما اكسبه حب الناس جميعاً على مختلف امزجتهم وأهوائهم ورغباتهم,.
الثامنة: نصرته لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتتبعه للهدي النبوي لباساً وحديثاً ومعاملة مع الناس، فقد عرف عنه شدة الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى وصفه البعض بانه جبل السنة .
التاسعة: نبذه للخلاف والفرقة بين عامة المسلمين وخاصتهم وتركيزه الدائم في احاديثه ورسائله الاعلامية على وحدة الصف بين المسلمين على مختلف مشاربهم وأوطانهم للارتقاء بهم الى مفهوم الامة والجماعة ويشهد له بذلك رسائله العلمية الرصينة التي شاعت بين المسلمين، فهو -بحق- رجل الجماعة,.
العاشرة: لقد شغل وقته بالخير والطاعة و الدعوة الى الله والاحسان الى خلقه بل وخدمتهم بقضاء حاجاتهم المختلفة حتى انه في سيارته تقرأ عليه بعض المعاملات وقد أكد الكثيرون بانه لم يأخذ في حياته اجازة قط بل ذكر عنه -رحمه الله- انه اذا خرج اثناء الدوام لعمل ما فإنه يحرص على العودة الى مكتبه في رئاسة الافتاء وان لم يبق على نهاية الدوام الا دقائق معدودة، حرصاً منه رحمه الله على بذل وقته في خدمة الاسلام والمسلمين وحفظاً للامانة الملقاة على عاتقه وهذا دليل همة عالية لوقسمت على الأمة الاسلامية لكفتها,, اخيراً وليس آخراً,.
رحلت وفي اعماقنا الف لوعة وألف حنين لايكفكفه صبر
رحلت وفي ساحتنا الف نكبة وألف مصاب اذ مصائبنا كثر
رحمك الله يا ابا عبدالله وجزاك عن الامة والاسلام خير الجزاء وانزلك منازل النبيين والصديقين والشهداء,.
سهم بن ضاوي الدعجاني
الرياض
*من قصيدة الدكتور احمد بن عثمان التويجري عضو مجلس الشورى والشاعر المعروف