قال تعالى (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) يوم الخميس الموافق 27/1/1420ه انه يوم وقف عنده التاريخ,, ففي صبيحته استيقط العالم الإسلامي على فاجعة عظيمة ومصيبة أليمة وخسارة فادحة,, بكى منها المسلمون وحق لهم ان يبكوا,, وحزنوا وحق لهم ان يحزنوا,, لأن المصاب كان جللا,, والراحل كان علما,, ففقيدهم هذه المرة ليس اي فقيد,, وميتهم ليس اي ميت,, انه الطود الشامخ وعلامة الأمة وفقيه الفقهاء في زمانه وجبل الفتوى وإمام السنة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والافتاء ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة.
لقد رزئت الأمة برحيل العالم الجليل والفقيه العظيم,, ففقد مثل هؤلاء العلماء الأجلاء هي الخسارة الحقيقية,, ان الشيطان ليفرح فرحا شديدا بموت هؤلاء العلماء,, لأن العالم أشد على الشيطان من ألف عابد, فالعابد عبادته وعمله لا يتجاوزان نفسه,, اما العالم فهو يعلم الناس الخير فعلمه يتعداه الى غيره,, والعلماء كالنجوم في السماء,, بها يهتدي الناس وعلى هداها يسيرون,, فاذا طمست واختفت ضل الناس وتاهوا,, فكيف والغائب عن سماء الهدى النجم الساطع وبدر العلماء وإمامهم الشيخ ابن باز,, احد ابرز علماء الإسلام في القرنين الأخيرين,, وقد قال الشاعر:
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا فرس يموت ولا بعير ولكن الرزية فقد (شيخ) يموت بموته خلق كثير |
لقد كان الشيخ عالما ربانيا يمثل القلة الباقية من السلف الصالح,, ويذكرنا بأؤلئك الأئمة الأفذاذ الذين قل ان يجود التاريخ بمثلهم,, انه يذكرنا بمشايخه الذين احيوا السنة وقمعوا البدعة,, شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومجدد الدعوة الإسلامية في القرون الاخيرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعا,, لقد كان الشيخ عالما ربانيا متخلقا بخلق نبيه صلى الله عليه وسلم فعلم ودرس وأرشد وأفتى وشفع وأصلح بين ذات البين,, وتفقد أحوال المسلمين وخدم الإسلام والمسلمين في المملكة وفي العالمين الاسلامي والعربي على مدى عمره المديد الذي قضاه عالما مجاهدا في خدمة كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي خدمة قضايا الأمة,, والحفاظ على حقوقها والتمسك بتعاليم الإسلام وقيمه السامية.
فالشيخ هو المرجع الديني الأول للأمة في الفتاوي الدينية وفي حسم المسائل الخلافية,, فاذا اختلف الناس في أمر سألوا ماذا قال الشيخ ابن باز؟ لقد كانت فتاواه تجد القبول لدى الناس على اختلاف مشاربهم,, لأنها نابعة من مصادرها الشرعية اليقينية,, فكان العالم الإسلامي يعتبر فتاوي الشيخ ابن باز قضايا مسلمة لا تقبل الشك او المجادلة, وفي مقابلة صحفية قال الشيخ رحمه الله (وأنا بحمد الله لست بمتعصب,, ولكني أحكم الكتاب والسنة,, وأبني فتاوي على ما قاله الله ورسوله وليس على تقليد مذهب بعينه,, فالفتاوي التي تصدر مني انما ابنيها على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة حسب ما ظهر لي وهذا هو الذي سرت عليه منذ عرفت العلم),, نعم لقد فقدت الأمة الإسلامية علما من اعلامها الكبار بعلمه وزهده وورعه,, بذل علمه وماله وجاهه ووقته وحياته لصالح الإسلام والمسلمين,, دعوة وعلما وتفاعلا مع قضايا المسلمين في كل مكان وزمان واهتماما بشؤونهم وشجونهم,, لقد افنى حياته في الدعوة الى دين الله وتنقية العقيدة من البدع والشوائب وإحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان شيخنا عالما ورعا زاهدا بهذه الدنيا وسفاسفها,, مدبرا عن زخرف الحياة الدنيا وبهرجها,, يعيش بجسده في الدنيا وقلبه معلق بالآخرة,, كان الرحيل عن هذه الدنيا والاستعداد للقاء ربه والتزود لما بعد الموت هاجسه وشغله الشاغل,, وأذكر انه قبل اربعين سنة في 13/10/1379ه تلطف سماحته وبعث لنا بخطاب تعزية بوفاة والدنا الشيخ سالم بن ناصر الحناكي وكان مما كتب سماحته في هذا الخطاب (ولا يخفاكم ان الموت طريق مسلوك ومنهل مورود,, والمصاب في الحقيقة من حرم الثواب والعاقل يبكي نفسه ويستعد للقاء ربه قبل ان يهجم الأجل ويفوت الأمل,,).
لقد تناقلت وسائل الاعلام ووكالات الأنباء العالمية نبأ وفاة الشيخ,, وبثته تلفزيونات وإذاعات الدول الإسلامية والعربية,, وعلقت عليه طويلا راثية بها الشيخ ومعددة مناقبه وسجاياه.
وعرف الشيخ طيب الله ثراه انه كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا تأخذه بالله لومة لائم,, وكان على صلة وثيقة بولاة الأمر لا يتوانى عن مناصحتهم بالحق والدعاء لهم بالخير,, وقد نعاه الديوان الملكي,, وتقدم المصلين عليه والذين قاربوا المليون مصل في المسجد الحرام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمير عبدالله وسمو النائب الثاني الأمير سلطان واخوانهم من الامراء وكبار رجالات الدولة من الامراء والعلماء والمسؤولين,, وقد أحسنت وزارة المعارف بعزمها إقرار سيرة الشيخ ضمن مواد المنهج الدراسي,, لأن سيرة هؤلاء الاعلام العظام هي النبراس الذي تهتدي به الأجيال وعلى اثره تسير نحو مدارج العلا والفلاح.
ونتقدم بخالص العزاء الى اسرة الشيخ والى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير عبدالله وسمو الأمير سلطان النائب الثاني والى الأمة الإسلامية,, ونسال الله ان يتغمد فقيدنا بواسع رحمته وأن يجعل ما قدم رفعة له بالدار الآخرة,, ويجبر مصيبة المسلمين في فقد شيخ يعجز القلم ان يوفيه حقه وأن يعوضنا خيرا في ما خلف من علماء هذه البلاد وإنا لله وإنا إليه راجعون .
سليمان بن سالم الحناكي