Friday 21st May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 6 صفر


إنا لفراقك يا أبا عبدالله لمحزونون

حينما كنا صغاراً لاندرك جميع مناحي الحياة كان سماحة الوالد الشيخ/ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يزورنا بين الفينة والاخرى في مدينتنا بريدة ليعطي هذه المدينة الحالمة واهلها مما افاء الله به عليه من علم ونور،وكان ذلك قبل سنوات خلت، ورغبة منه رحمه الله في توطيد الصلة مع هذه المدينة واهلها ولما يلقاه كالعادة في كل موقع يحل فيه من رعاية وتقدير واهتمام فقد اختار زواجه الاخير من اسرة عريقة في تلك المدينة هي اسرة آل خضير وكان ذلك عام 1386ه وكانت ام نجليه احمد ووليد وشقيقاتهما، ثم كانت بعد ذلك زياراته الى بريدة تجمع بين إلقاء المحاضرات والزيارات الاسرية، فكان الجميع يسأل عنه اينما حل وارتحل.
ويحضرني بهذه المناسبة ذكرى لي مع سماحته رحمه الله بالرغم من صغر سني التي لاتتجاوز الثانية عشرة من العمر الا انها تكتب بمداد من ذهب لما كسبته من سماحته من التواضع والخلق والادب الجم وبشاشة الوجه ولين الجانب حتى صار -رحمه الله - محبوباً من الجميع على اختلاف مشاربهم، وكانت تلك الذكرى صيف عام 1393ه اي قبل سبعة وعشرين عاماً حينما دخل علينا مراقب الصف في المعهد العلمي بمدينة بريدة وكنت حينها في السنة الاولى المتوسطة وقال انكم ستحضرون الليلة محاضرة علمية لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ففرحنا فرحاً شديداً لأن مثل تلك المناسبة فرصة لنا لإثبات الذات ولمعرفة ابن باز عن قرب بالرغم من اننا لاندرك حينها كل شيء حولنا، وفعلاً اخذنا رائد الفصل بعد صلاة العشاء مباشرة وكان موقع المحاضرة فوق السطوح في ثانوية بريدة العامة حينما كان لايوجد في المدينة سواها ولأن الوقت صيف والحرارة شديدة ولايوجد مكان يتسع لمثل هذا العدد الذي يحتفل بلقيا الشيخ عبدالعزيز بن باز مباشرة دون واسطة فقد تم اختيار سطح المدرسة لهذا الغرض، وللإحاطة فإن المدرسة فيما بعد نقلت اليها مدرسة تحفيظ القرآن الكريم الاولى وهي الآن مركز للوسائل التعليمية في المنطقة.
كان الجمع غفيراً والمكان واسعا وليس فيه مكان لمن حضر متأخراً وفجأة ساد المكان هدوء عام لم نلتزم به لصغر السن فقد كنا وعددنا حوالي الثلاثين في هرج ومرج فأقبل الشيخ بقامته وطلعته واثناء مروره بجوارنا الىمنصة المحاضرة سمع اللغط قريبا منا فألقى السلام علينا خاصة وفجأة ساد المكان المخصص لنا هدوء وانصات وخجل وانبهار لأسلوبه في التربية والذي يعجز عنه فطاحل التربويين والأكاديميين وأنصتنا حتى انتهت المحاضرة فكان الشيخ ابن باز -رحمه الله- في ذهني حاضراً منذ ذلك التاريخ لم يغب عن مخيلتي فكنت اتذكر ذلك كلما رأيته في الصحف او وسائل الاعلام المرئية.
حقا انه من جيل نادر انه آخر العمالقة في العلم والادب والخلق فلم ينهر سائلاً ولم يرد طلباً وكان لايأكل علىمائدته سوى الفقراء والمساكين وضيوف المملكة من الدول الاسلامية فكم من شخص دخل الاسلام من مجلسه ومن حديثة،ونقل ذلك لمن خلفه فكان نعم القدوة الذي لم يسمع منه كلمة نابية حتى لمن يناصبه العداء ولم ينتصر لنفسه يوماً من الايام وكان ينكر ذاته، لاينام من الليل الا قليلاً لايهدأ هاتفه ولايعتذر لأحد ولايسمح لأحد ان يغادر مكانه حتى تنتهي مسألته، رحمك الله يا ابا عبدالله رحمة الابرار واسكنك وانزلك منازل الشهداء والصالحين، هنيئاً لثرى مكة المكرمة بك، واننا نعزي انفسنا بك قبل ان نعزي اهلك بك,, والموت حق لامفر منه وانا لفراقك يا ابا عبدالله لمحزونون ولكن لانقول الا مايرضي ربنا.
حقا ان من شاهد جموع المسلمين في رحاب الكعبة المشرفة يوم الجمعة الماضي حين الصلاة عليه من جموع المسلمين وفي مقدمتهم مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الامين وسمو النائب الثاني حفظهم الله وضيوف المملكة، ومن ثم جموع المودعين له حتى مقابر العدل لتدمع عينه حزناً وفرحاً، اما الحزن فهو لفراق هذا الجبل الشاهق من العلم والنور وخسارة المسلمين بموته واما الفرح فهو لعظم مكانته ومحبته -رحمه الله- في قلوب الجميع بدون استثناء فهنيئاً لأبي عبدالله في قبره لحب المسلمين له وفعلاً موعدكم يوم الجنائز وان حب الناس لك عامة في الارض لهو دليل خير لحب الله عز وجل لك ان شاء الله.
ندعولك في ظهر الغيب وهو اقل مايمكن ان نقدمه لمثلك، ولكنها خلجات في الصدر ابت نفسي الا المشاركة فيها مع جموع محبيك على صدر الجزيرة الغراء ولن توفيك حقك, وفي الختام خالص العزاء والمواساة الى ابنائه عبدالله وعبدالرحمن واحمد ووليد وشقيقاتهم واهل بيته واقربائه والمسلمين عامة فأحسن الله عزاءكم وجبر مصيبتكم وغفر له واسكنه فسيح جناته واوسع له في قبره انه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عبدالرحمن بن محمد الفراج
بريدة

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
جبل الدعوة الى رحمة الله
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved