Friday 21st May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 6 صفر


ابن باز رمز السلفية ورائد الإصلاح
الفقيد بين المحلية والعالمية 4-4

احتل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله مكانة مرموقة في نفوس المسلمين داخل المملكة وخارجها لما عرف عنه من صفاء ونقاء وعلم وعمل، فكان رحمه الله (جزيرة اللقاء) بين الناس, آثاره في كل مكان وتأثيره على كل انسان عرفه.
لم يسافر رحمه الله خارج المملكة في حياته، بل ان اسفاره داخل المملكة محدودة ومع ذلك عرفه العالم الاسلامي أكثر من اي عالم آخر في القرن العشرين, بل حرص بعض المختصين في الدراسات الاسلامية والشرق اوسطية من غير المسلمين على الالتقاء به للتعرف على آرائه ووجهات نظره إزاء المشكلات الطارئة والدائمة، وكان محل اعجاب واحترام من يلتقون به, انطلق رحمه الله من الرسالة العالمية (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ففتح قلبه للناس جميعا، لذلك لا يمضي له مجلس عام من مجالسه، إلا وقارات العالم - في الأغلب - ممثلة فيه, إنه (رابطة للعالم) وليس للعالم الإسلامي فحسب.
لم ينطلق منطلقا (محليا) ولا (إقليميا) ولا (فئويا) وإنما انطلق من روح رسالة الاسلام العالمية الخالدة، فكان جهده منصبا على نشر العلم وتنقية العقيدة، وتربية الدعاة، وبناء المؤسسات أينما وجد لذلك سبيلا.
على المستوى المحلي يعرف سماحته الناس وله اصدقاء وطلاب في كل منطقة من مناطق المملكة وهم يواصلونه ويكاتبونه وهو يبادلهم الاتصال ويجيب على مكاتباتهم, يعمل الساعات الطويلة في الاطلاع على المكتبات وإملاء الردود والاتصال والاجتماعات .
لم يكن (حزبيا) ولو كان كذلك لكان حزبه أكبر الاحزاب في العالم لأنه صاحب فكرة جذابة ولديه جميع المؤهلات التي تؤهله للقيادة والتأثير, استطاع أن يهزم بطلابه وعفويته الاحزاب (المنظمة) المعاصرة وبقي ما يدعو اليه من حق، واضمحل ما كان يدعون اليه من باطل.
استطاع ان يتعامل مع الناس في الداخل على اختلاف اعمارهم وثقافاتهم ومناطقهم، واستطاع ان يملأ عيونهم وان يقوم بواجب الدعوة بما هيأه الله له من امكانات شخصية ورسمية.
أثر على حياة الناس بدون شك لذلك هرع الآلاف للسفر الى مكة المكرمة للصلاة على الفقيد وتشييع جثمانه, وصلّت عليه المساجد صلاة الغائب في انحاء المملكة وكانوا يحسون بفقدان (الأب الكبير) للعائلة العريضة الانتشار.
نِعم العالم المجاهد الذي اجتمعت عليه القلوب في جميع (المنحنيات) التاريخية التي عاصرها, لم يكن يرحمه الله حريصا على الدعاية ولا على تسجيل المواقف سواء لكسب عواطف العوام،او لكسب رضا الحكام، وإنما كان حريصا على الصدق والحق والإصلاح.
كان يعيش (عالما آخر) لا يخضع للموازين المتعارف عليها مع واقعية ورضا وزهد, يحب الناس ويساعد المحتاجين منذ ان كان في منطقة الخرج عام 1357ه كان ينفق على طلابه ويتعهدهم، ويسعى الناس للالتقاء به من اماكن بعيدة.
إنه صاحب رأي مستقل، ودائما تجد عنده في المسألة المطروحة وجهة نظر سديدة، لم يكن عنيفا مع المخالفين لآرائه، وكان يميل الى التسامح والتيسير في التعامل والفتيا لفقهه يرحمه الله بالنصوص, ان التشدد ليس من علائم الفقه في الدين مثلما ان الرديكالية السياسية ليست من سمات السياسة البارعة.
كان رحمه الله مناصرا للدولة في جميع الازمات التي مرت بقناعة دينية، لذلك درأ الفتن عن الوطن, إنه العالم العلَم والطود الأشم عندما تدلهم الخطوب يقول رأيه بلا مجاملة، مما جعله أبا وسيدا, ثم ان واجباته المحلية والوطنية لم تأخذه من القيام بالواجبات الملقاة على عاتقه تجاه المسلمين في مشارق الارض ومغاربها.
كان ينفق رحمه الله على اكثر من (2000) إمام وداعية مما يسمى (بدعاة البيت) اي من الميزانية غير الرسمية، اولئك الدعاة كانوا منتشرين في انحاء العالم يتعهدهم رحمه الله، ويعينهم على تحمل اعباء الدعوة، ثم ان هنالك المئات من الفقراء الذين يقدم لهم مساعدات مالية في العالم.
يحيط سماحته علما بأحوال العالم، وله اصدقاء وطلاب في اصقاع كثيرة، انه كان سائرا على منهج السلف في التلقي والعمل وكان معنيا بالعقيدة أشد العناية ومتفاعلا مع احداث العالم الاسلامي، يؤلمه مايؤلم المسلمين اينما كانوا ويسعده مايسعدهم,إنه المرجع الديني المعتبر لكثير من المسلمين في الخارج، لذلك فان رحيله سوف يخلف فراغا هائلا مع الثقة في ان مسيرة الحق لن تتوقف، ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يعوض المسلمين في مصيبتهم خيرا.
كان رحمه الله ايجابيا مع الجمعيات والجماعات والاحزاب، وكانوا يثقون فيه، وكان يسهم في حل مشاكلهم وجمع كلمتهم، والغريب انهم حساسون مع الذين ليسوا من داخل جماعتهم، لكن سماحة الفقيد مقبول من الجميع، محبوب من الجميع.
لم يكن يحمل على احد وان قال رأيه في مسألة من المسائل المثارة، فانه يبين الحق دون التعرض للأشخاص والمؤسسات بالاسم، وإذا زاره من له رأي فيه قابله ببشاشة وتلطف ونصحه إن وجد لذلك سبيلا,رحل العالم الجليل تاركا خلفه تركة ثمينة من العلم والذكر الحسن، والموت حق والسعيد من يشهد له الناس بالخير، والأمة تشهد للفقيد الراحل بالصدق والعلم والزهد والامانة, رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته.
د,خليل بن عبد الله الخليل

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
جبل الدعوة الى رحمة الله
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
المزهرية
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved