عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل مايربو على عشرين عاما، كنت ممثلا لاحدى الصحف بمحافظة بيشة، وفي مكتب الاستاذ/ عامر المرشد مدير عام تعليم البنات بمحافظة بيشة، واذكر انني خرجت بمجموعة من المعلومات والمواقف، نشرتها في حينها، وكان يومها عدد المدارس حسبما جاء في الحوار 34 مدرسة و 4000 طالبة والمعلمات السعوديات 50 معلمة والمباني الحكومية 3 مبانٍ وثانوية واحدة.
دفعني لهذه المقدمة انني كنت بالامس القريب في محافظة بيشة، وكنت حريصا على زيارة الكثر من الرواد ومن الزملاء سواء في منازلهم او مكاتبهم، وفي مقتبل هذا الشهر، زرت ادارة تعليم البنات بالمحافظة، حيث يربطني بكثير من منسوبيها علاقات حميمة وقديمة تدخل في اطار الزمالة، والاستاذ/ عامر بن عمر المرشد/ مدير عام تعليم البنات بالمحافظة، اذكر انني زرته في العام الماضي في مكتبه، وقد هالني التميز الذي يعد من النوادر اليوم، فمدير مكتبه او سكرتيره، مهمته لا تتضمن حجز المراجع، - فهذا لا يوجد في قاموس ادارته - بل مهمته سرعة ايصال رسالة المراجع الى المدير مباشرة دون حاجب، وهذا ما تم بالفعل، والمرشد، حقيقة لا غبار عليها، اعده من الرواد في هذه المنطقة، ولكن لفت انتباهي انه يتمتع الان بالتقاعد اذا كان فيه تمتع، ودهشت لان ذلك يأتي وسط صمت رهيب.
والتقاعد ليس عيبا ولا غريبا فهو نهاية العلاقة الرسمية بين الموظف وعمله السابق، ولكن العيب والغريب ان يهمش تاريخ المتقاعد - ولاسيما مثل هذا الرجل - ومسيرة اكثر من 35 عاما تقريبا بهذا التقاعد الصامت، ومع علمي بأن هنالك كثرهم كالمرشد، غادروا ميدان العمل الرسمي بعيدا عن الاضواء.
وحتى اقرب من الحقيقة ولا اغدو بعيدا اقدم باختصار موجز تاريخ تعليم الفتاة في المحافظة، والذي عايش المرشد كمسئول بداياته، من وضع اللبنات الاولى عام 1382ه وحتى تقاعده هذا العام، وشق بصبر وجلد طريقا ً لم يكن سهلا، ليخرج في الاخير وخلال اربعة عقود بهذه المعطيات، التي لا ينكر جهوده خلالها الا مكابر، واظن ان لا احد ينكر ذلك.
وعيبنا وللأسف ان الكثير منا لازال يحصر مهام مديري تعليم الفتاة في التوجيه والنقل وتنظيمات ادارية محدودة، والحقيقة عكس ذلك تماما فادارة تعليم البنات مسئولة مسئولية شاملة عن الطالبة نقلاً وتربية وارشاداً وتوجيهاً وانشطة وصحة، وعن المعلمة اختباراً وتوزيعاً ومتابعة وتدريباً وعن المدرسة مقراً وتجهيزات ومناهج وادارة واشرافاً وتطويراً ادارياً وتربوياً، تغطي بخدماتها اربع مندوبيات والعديد من المراكز واكثر من 309 مدرسة ومعهد منها 109 مدارس مباني حكومية من خلال توفير 1800 فصل دراسي مجهز بكامل مرافقه من تجهيزات ومختبرات ومعامل لغة وخلافه,, تضم بين جنباتها اكثر من 34 الف طالبة تعمل على تعليمهن وخدمتهن اكثر من 3500 معلمة وادارية، بالاضافة الى الكثير من الانشطة والمعارض التي تسهم بها ادارة التعليم، وكان لمدارس البنات في محافظة بيشة، وسبت العلايا والبشائر وخيبر الجنوب وتثليث، انشطة ومساهمات فعالة في كافة المناسبات والانشطة العامة، اذ لم يعد نشاط الطالبات محصورا بين اسوار المدارس، بل امتدت اوجه النشاط وفعالياته في كل محفل ومناسبة، كأسابيع المرور والشجرة والنظافة وخلافه والمعارض والمناسبات كالاحتفاء المئوي الذي اسهم تعليم البنات فيه بفعاليات متميزة.
هذه كانت نتاج جهود المرشد الذي حرص على ان يكون العمل من خلال منظومة متماسكة، كخلية النحل، فكانت هذه المنجزات، التي بلورت بكل صدق واخلاص، معطيات الدولة الفتية، التي لا تألو جهداً في سبيل تأمين مسيرة تعليم الفتاة، فكان العطاء، وكانت النتائج ولله الحمد بحجم تلك المعطيات، فمن ثلاثين مدرسة الى اكثر من ثلاثمائة مدرسة، اي عشرة اضعاف في عشرين عاماً، ومن خمسين معلمة سعودية الى اكثر من ثلاثة آلاف بفارق ستين ضعفا ومن اربعة آلاف طالبة الى 34 الف طالبة تسعة اضعاف في الفترة من 1397 ه الى 1418ه هذا ما توفر تحت يدي من معلومات، لكون سعادته ممن لا يعشقون الاضواء ويعملون في صمت، لذا فالصمت ليس غريبا عند سعادته.
هذا اذا ما علمنا ان المرشد - كما اسلفت - هو واضع اللبنات الاولى لتعليم الفتاة في محافظة بيشة والمحافظات التابعة لها وذلك من الصفر، لتشمل كافة المراحل من رياض اطفال وابتدائي ومتوسط وثانوي ومهني وتحفيظ قرآن ومعاهد معلمات وكلية تربية، لتبلغ اليوم ما بلغته من منجزات، هي في الواقع صورة مصغرة لما يجري في كافة المناطق والمحافظات وفي شتى المجالات.
واليوم اجدني هنا، اكثر الحاحا ومناشدة لتكريم هذا الرجل التكريم الذي يتوافق مع هذه المسيرة العملية المميزة، ولا سيما ان صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل امير منطقة عسير، قد عودنا كل عام على تكريم المميزين في مختلف مناحي الحياة، وسن سنة حميدة، تهدف الى تكريم المخلصين وشحذ همم الجميع، والرئاسة العامة لتعليم البنات، ارى انها اليوم مدعوة للتفاعل مع هذه المواقف، والتأكيد على ضرورة تكريم المميزين في مختلف المناطق والمحافظات، لان هذا اقل ما يمكن تقديمه للمرشد وامثاله وهم كثر ولله الحمد، وقد ابلوا بلاء حسنا، وخلفوا وراءهم ذكرا طيب، فهم احق بالتكريم.
ولعلني بالمناسبة، اجدها فرصة لمناشدة سعادة محافظ بيشة الاستاذ/ حسين آل زلفة، أن يتبنى تكريم المرشد، ولو على مستوى المحافظات التابعة لادارة تعليم البنات ببيشة، فالأهالي ورؤساء الدوائر لم ولن يبخلوا - ان شاء الله - في تكريم زميلهم واخيهم تكريما معنويا، يليق بهذا التاريخ الحافل والمميز,وبالمناسبة اجدها فرصة سانحة ايضا، لتهئنة الاستاذ/ جلوي كركمان مدير عام التعليم بالمحافظة حاليا، ولا سيما انه ممن عايشوا مراحل تعليم الفتاة منذ زمن، فقد تشرف بالعمل في الرئاسة ثم نائبا للمرشد فمديرا عاماً، والجميع يشهد بكفاءته واخلاصه,, اعانه الله لما فيه الصالح العام,, هذا وبالله التوفيق.