مدرستي دار السلام:
بقي على تخرجي بإذن الله من المرحلة الثانوية الى فضاء الجامعة يومان أقصد شهرين وعليَّ ان أنتظر هذه الأيام بفارغ الصبر ولكن الأيام تمضي مسرعة قضيت في هذه المدرسة نصف عمري من الابتدائي الى الثانوي ما شاء الله, أغلب ساعات يومي اقضيها هنا من يوم كنتُ ألعب الغميضة أو الاستغماية في ساحتها الى ان صرت أرقب الأطفال الذين كانوا في نفس عمري يلعبون نفس اللعبة بنفس المرح والحبور البريء كنت أركض معهم بمخيلتي فاعود طفلة بعينين مكحلتين بالضحكات وبضفيرتين كانت تجدلهما أمي فتختلط سمرة اصابعها بشموس شعري, البس المريول وأتأبط الكتب وانطلق فراشة صغيرة او نحلة نشيطة تركض وتطير في حقول المعرفة.
بعد أقل من شهر سنودع الى الأبد فضاء الفسحة في مدارس دار السلام، دفء الزحام أمام مقصف المدرسة، انتظار دقة جرس الحصة الاخيرة، الشخبطات على المقاعد، وهج القلم الاحمر الذي تلون به المعلمات دفاتر الواجب وأوراق الامتحانات.
بعد أقل من شهرين سنطوي الى الابد مريول المدرسة، شرايط الضفائر بكلات ذيل الحصان الجوارب البيضاء والحذاء المدرسي، وربما لن نعرف إلا بعد سنوات ان لتلك الملابس المدرسية البسيطة التي كانت تبدو لنا مملة اصواتا مثيرة حميمة تنادي تلك الفتاة الصغيرة التي كانت تأتي كل صباح مسرعة الى مدارس دار السلام.
بعد أقل من شهر سنودع وجوه معلمات دار السلام، مديرتها ومشرفتها,, سنودع تلك الوجوه الحبيبة بابتساماتها وحزمها بتشجيعها وتوجيهها بغضبها ورضاها بشدتها وحنوِّها إلا اننا سنكتشف لاحقا باننا مهما ابتعدنا ان لتلك الوجوه بصمات عميقة نقشت صورها على أرواحنا.
بعد أقل من شهر سنودع الزميلات والصديقات, ستقول كل منا للأخرى وداعا ولا يعلم إلا الله ان كنا سنلتقي مرة اخرى على مفارق الحياة وطرقها او لا نلتقي, ولكن المؤكد ان كل لحظة من لحظات هذه المرحلة بحلوها ومرها ستلاحقنا بذكرياتها المشتركة فتصبو كل واحدة منا الى تلك الأيام وتود لو تعيد عقارب الساعة لتبتسم في وجه زميلتها او تبادلها تحية الصباح لنمسح عن بعضنا البعض عناء اليوم المدرسي بكلمة مرحة او لمسة حنان أخوية وستكون الطالبة المحظوظة منا تلك التي كان لها من الكرامة ما لم يسمح لها بجرح زميلتها او الاساءة اليها في غياب او حضور.
فبعد ان تشاركنا هواء غرفة الدرس لمدة ست ساعات يوميا على مدى سنوات, بعد ان تقاسمنا رغيف المعرفة سويا, بعد ان دقت قلوبنا في لحظة واحدة لنفس توتر الامتحان وفرحة النجاح لا بد انه صار بيننا من خبز وملح العلم والعشرة ما يستحق منا الوفاء والاحترام لبعضنا البعض اليوم وغدا ومدى الحياة.
بعد أقل من شهرين سينتقل موقع مدارس دار السلام من تقاطع شارع التخصصي مع طريق الأمير عبدالله ليصبح قطعة من القلب, ستتلفت كل واحدة منا الى هذا المبنى الطوبي بشوق ولوعة فتناديها الضحكات المرحة وتلك الأصوات العذبة وتلك الأطياف الحبيبة للمعلمات والزميلات فنقول رعى الله تلك المرابع فهناك التمعت عيوننا بدموع الفرح او الزعل العابر, فهناك تعلمنا ولعبنا وحلمنا هناك تركنا اسماءنا محفورة بحبر الطفولة والصبا على جبهة الزمن وأثير المكان.
لم يبق إلا القليل من الاسابيع لنشحنها بكثير من الحب والاحترام لبعضنا البعض وللفاضلات اللواتي كن شموع دربنا.
لم يبق إلا القليل من الايام لنستعذب كل قطرة من معين العلم ولنرشف كل قطرة من رحيق المحبة بيننا وبين محيطنا المدرسي لنضع اللمسة الأخيرة على دفتر الذكريات المدرسي بأحلى الذكريات قبل ان يحين الرحيل وتنسرب آخر أيام المدرسة بلا عودة,لم يبق إلا القليل من الساعات لنملأها بالجد والاجتهاد لنتمكن من استقبال المستقبل بشخصيات واثقة تُشرف نفسها ومدرستها وأسرتها ووطنها.
لم يبق إلا القليل لتقول مدارس دار السلام تلك المرأة الناجحة التي يشار اليها بالبنان ام وأديبة أو معلمة أو سفيرة او محامية أو طبيبة كانت يوما تلميذة صغيرة في مدارس دار السلام.
شكرا لعميدة المدرسة لمديرتها للاستاذة مشرفة الثانوي لجميع الاداريات والاخصائيات والعاملات بمدارس دار السلام وشكرا لمعلماتنا على ضوء عيونهن وعقبال دفعات جديدة تخرجها دار السلام لتسهم في بناء الوطن, شكرا لله على هذا اليوم المشرق.
طفول العقبي