متى بدأ الإعلام العربي يتخلى عن كلمة (العدو الاسرائيلي) (العدو الصهيوني) (الكيان الصهيوني) واصبح يتعامل مع اسرائيل وكأنها دولة عادية تماماً لها تاريخ ولها قضية.
الذي يقرأ الصحف قبل حرب الخليج الثانية وبعدها يقر وكأن الأشياء تأتي في غفلة من الزمن, فهذه الحرب فصلت التاريخ واخرجته من سياقه الطبيعي, خرجت جرائد جديدة او عادت للحياة جرائد سبق لها ان ماتت, عندما أطرح مثل هذا الموضوع لا اريد ان اعيد عقارب الساعة الى الوراء فالأمر يتحرك بزخم وبقوة دفع ذاتية لا يستطيع ايقافه حتى الذين اسهموا في تحريكه, هناك اشياء غريبة تحدث ولا يمكن ان نجد لها تفسيراً, على سبيل المثال ما دخل موريتانيا في السلام مع اسرائيل, ما هو الدور المفترض ان تلعبه دول عربية صغيرة نائية في هذا الركن او ذاك الركن من العالم العربي.
من الصعب عليَّ أن اتنبأ بما يمكن ان تكون عليه الحال لو ان نتنياهو لم يأت للسلطة أبداً، فالصحف العربية التي عادت للحياة (!) جعلت نتنياهو علة الصراع بين العرب واليهود, لذا سنواجه جميعاً ورطة حقيقية من هزيمة نتنياهو وفوز باراك، فنحن ككتاب واقعيين لن يكون لنا عذر امام العالم, فقد قررنا او بعبارة ادق قررت بعض الصحف التي اخذت على عاتقها الترويج لاسرائيل وبعض الكتّاب في اماكن مختلفة قرّروا أن علّة السلام هي نتنياهو,, ففي السنوات الثلاث الماضية خرجت اسرائيل من الصراع واصبح الصراع بين العرب وقوى السلام من جهة وبين نتنياهو من جهة اخرى,, كما هي الحال مع العراق، فعلّة الصراع هي صدام حسين وعصابته, فالذي يعيد قراءة الصحف المتخصصة في الاسرائيليات سوف يعرف ان فوز باراك سيعني نهاية اسباب الصراع, فالرجل الطيب والحزب الطيب عاد مرة اخرى الى الحكم, فليس امامنا اي سبب للشكوى، وفي كل مرة نشتكي فيها الى الغرب او امريكا سوف نسمع من يقول انتم العرب كثيرو مطالب, عندما كان نتنياهو في الحكم كنا نفهم مطالبكم, اما الآن فليس هناك من سبب لرفض مطالب اسرائيل، فإسرائيل لبّت أهمَّ طلباتكم وازاحت نتنياهو من الحكم, إذن الشعب الاسرائيلي قال كلمته وانحاز للسلام, عليكم أن تردّوا التحية بأحسن منها, إذن علينا حسب رأي بعض الصحف العربية التي عادت للحياة ان نذهب للمباحثات ونحن نحمل كل امكانات التنازل لكي نبادل الشعب الاسرائيلي حسن النية بمثلها, فعندما يأتي الحديث عن المستوطنات فباراك لا يستطيع ان يزيلها لكي لا يقال إنه يخون الشعب الاسرائيلي فإذن علينا ان نتفهم موقفه وان نتجاوز هذه العقبة.
لا يمكن ان يجرؤ إيهود باراك على تفكيك المستوطنات، فليس هو من بناها وثانياً فإن الكنيست اقرها ايام نتنياهو, واسرائيل دولة ديموقراطية ورئيس الدولة ينفذ ما يقرّه البرلمان, فدعونا نتجاوز مشكلة المستوطنات لكي لا تكون عقبة لا مبرر لها في طريق السلام وإحراج باراك.
اما مسألة القدس, فعن اي قدس نتحدث, فالقدس مسألة حياة وموت بالنسبة للاسرائيليين ويهود العالم, وباراك لا يستطيع ان يخالف الاجماع، فلا بد ان يقدم شيئاً للشعب الاسرائيلي حتى يستطيع ان يمضي قدماً في السلم دون أن يعترض طريقه المتطرفون اليهود, ففي حالة ان يتنازل باراك عن القدس او يتفاهم حولها فأنتم العرب الخاسرون, لأن هذا يعني سقوط باراك وعودة نتنياهو او وكيله شارون وانتم شايفين ما صدقنا نتخلص منه, شكراً للشعب الاسرائيلي المحب للسلام, فإذن اتركونا من مسألة القدس دعونا نركز على القضايا ذات الاهتمام المشترك, القضايا التي لا نختلف عليها حتى نعطي زخماً لعملية السلام التي عطلها عدو السلام نتنياهو, نحن كما تعرفون متفقون على الأمن, دعونا نناقش مشكلة الأمن فإذا ضمنّا الأمن للاسرائيليين نضمن انه لا يعود نتنياهو للسلطة وهذا اهم شيء, فاذا كان نتنياهو قد حقق للاسرائيليين بعض الأمن مثل تسليم بعض الفلسطينيين للسلطة الاسرائيلية فأقترح تسليم كل الفلسطينيين للسلطة الاسرائيلية حتى يقول باراك للاسرائيليين ان الامن لا يأتي من التطرف، بل عبر المباحثات والاعتدال, فالشعب الاسرائيلي وخصوصا قوى السلام فيه في حاجة قصوى الى دعم ولن يأتي الدعم الا بالتطبيع الكامل وبناء علاقات اقتصادية متينة مع كل الدول العربية, ولنا في مؤتمر كوبنهاجن افضل نموذج, فالبيانات المشتركة يجب ان تركز على قضية السلام والأمن والرخاء والاقتصاد, وان نتجنب القضايا المختلف عليها مثل القدس والمستوطنات واللاجئين والدولة الفلسطينية, فهذه قضايا يمكن ان تناقش من خلال لجان اكاديمية يكون حضورها (اختيارياً), (كما في اتفاقيات أوسلو), لقد وصل باراك وزال الدكتاتور نتنياهو, لقد وضع الشعب الاسرائيلي كما ترى بعض الصحف العربية التي عادت للحياة (!) الكرة في ملعب الشعب العربي, مبروك فوز باراك.
|