يوم الخميس الموافق 27 محرم لعام 1420ه يوم مشهود في تاريخ الامة الاسلامية ففي الساعات الاولى من صباح ذلك اليوم انتشر خبر بين الناس مفاده وفاة سماحة المفتى العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس البحوث العلمية والافتاءوهرع الناس الى متابعة وسائل الاعلام المحلية للتاكد من صحة الخبر وبخاصة الصحافة المحلية لكنهم لم يجدوا اثراً لذلك الخبر المفزع وتمنى الجميع ان يكون ذلك مجددا اشاعة لا اكثر,
وخيم جو من الترقب والاخبار المتضاربة لكن البيان الصادر من الديوان الملكي عبر الاذاعة والتلفزيون والذي يؤكد وفاة سماحة المفتي العلامة الشيخ/ عبدالعزيز بن باز ويعزى من خلاله ذووه وابناء الشعب السعودي بخاصة وابناء الامة الاسلامية بعامة في وفاته وضع الجميع امام الامر الواقع وامام حقيقة لاتحتمل التأويل او الاجتهاد وخيم جو من الحزن والصدمة والأسى على وجوه الناس لرحيل ذلك العالم الجليل, وتبادلوا التعازي فيما بينهم بكاه الكبير والصغير، العالم وطالب العلم والمتعلم والأمي, حتى الاطفال بدا عليهم التأثر نتيجة لاجواء الحزن التي خيمت على اسرهم بعد سماع الخبر,
وعلى الرغم من ان الامة الاسلامية تفقد بين الحين والآخر العديد من الزعماء والقادة والعلماء الذين قد لايأتي الزمان بمثلهم الا ان رحيل سماحة المفتي ترك اثراً وحزناً عميقين لم يتركه رحيل اي عالم قبله في العصر الحديث وقد لايأتي بعده في المستقبل القريب, والسؤال لماذا؟
والجواب من وجهة نظري المتواضعه ان سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن باز بالاضافة الى علمه الواسع في مختلف العلوم الشرعية ومكانته الكبيرة في العالم الاسلامي فهو عضو في العديد من المنظمات والمؤسسات الاسلامية اهمها مجمع الفقه الاسلامي والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي فإنه يمتاز بالعديد من الصفات التي يندر وجودها الا في قلة من الناس وهي صفات لم تأت من فراغ بل جاءت انطلاقاً من ايمانه الراسخ وتمسكه بنصوص الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح ومن اهم هذه الصفات الحكمة وبعد النظر- سعة الصدر- الصبر- التواضع- الرحمة والرأفة بالآخرين الزهد في زخرف الحياة البالية وملذاتها وكما يقول العديد من الاشخاص الذين عملوا معه وعرفوه عن قرب فإنه لم يسع طوال حياته لتحقيق اي مكاسب مادية او معنوية مع ان سبل تحقيق ذلك متاحة امامه,, كان زاهداً في كل شيء الا في طاعة الله ورسوله وولاة الامر في هذا البلد الذي يسير وفق تعاليم الشريعة الاسلامية,
ولم يكن سماحته - رحمه الله - مفتياً على مستوى المملكة ولكنه كان مفتياً على مستوى العالم الاسلامي والدليل على ذلك الاسئلة التي تصل اليه من مختلف انحاء المعمورة ومن خلال مختلف الوسائل الاعلامية ولم يكن متحيزاً لمذهب اوفئة من الناس دون غيرها بل كان مهتماً بشئون المسلمين قاطبة بغض النظر عن مذاهبهم واتجاهاتهم وخلفياتهم الثقافية ومن هنا استطاع كسب ثقة واحترام الجميع, من الطبيعي ان يختلف الناس في كثير من الامور سواء الفقهية او غيرها لكن الجميع متفقون على نقطة واحدة الا وهي محبة واحترام ذلك العالم الفذ والذي كان بمثابة الاب والمربي والموجه للجميع دون استثناء ويظهر ذلك جلياً من خلال التصريحات التي ادلى بها كبار المسئولين من اصحاب السمو الامراء واصحاب المعالي الوزراء واصحاب الفضيلة العلماء وتلاميذ الشيخ في داخل المملكة وخارجها ولهذا كان الجميع يطلقون عليه لقب الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز وهو بحق نعم الوالد ونعم المربي الفاضل,
وبوفاة سماحته فقد العالم الاسلامي علما وعالما من ابرز علمائه الكبار كان طوال حياته الحافلة بطلب العلم وتعليمه وخدمة الاسلام في جميع مناحي الحياة قاسماً مشتركاً في كل مايوحد كلمة الأمة الاسلامية ويقوي شوكتها وبعيد كل البعد عن كل مايفرق كلمة الامة ويثير الفتن والمنازعات بين افرادها ولانملك في هذا المقام الا ان ندعو له بالرحمة والمغفرة وان يجزيه الله خير الجزاء نظير ماقدمه من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين وان يلهم اهله وذويه ومحبيه وهم كثرة ان شاء الله الصبر والسلوان وان يعوضهم عنه خير الجزاء وختاماً نقول إنا لله وإنا اليه راجعون ,
المهندس مشاري خالد الدعجاني