عرف المسجد الحرام في مكة المكرمة بأنه مقصد طلاب العلم، فعلماء العالم الاسلامي يؤمونه للعبادة ، فيمكثون فيه الاشهر، وقد تمتد الاقامة فيه السنة والسنتين، فهو ملتقى العلماء، ولذلك يندر ان تطلع على كتاب لم ينقل صاحبه عن شيخ اقام في مكة ودرس في المسجد الحرام، وبما ان مكة المكرمة تحوي افضل البقاع، وهي مقر العلم والعلماء منذ القدم فقد امر الملك عبدالعزيز رحمه لله بانشاء اول كلية في المملكة العربية السعودية في هذه المدينة وكان ذلك في سنة 1369ه والتفات الملك عبدالعزيز الى انشاء هذا الصرح من صروح العلم دلالة واضحة على اهتمامه بالعلم والعلماء، وعنايته برقي شعبه وأخذه باسباب التقدم، فالاسباب التي اوصلت الامم الى الصدارة طرق العلم المختلفة، ومن المعروف ان حياة الملك عبدالعزيز شغلها تجهيز الجيوش، وخوض المعارك، حتى توحدت البلاد، وقطع دابر الفتن والفرقة والشحناء فمع تلك المشاغل التفت الى الاصلاح والبناء، وتوجيه الشباب الى طلب العلم، وتحصيل المعرفة، فكلية الشريعة في مكة أسهمت في النهضة التعليمية، وخدم خريجوها التعليم في هذه البلاد، فهي اللبنة الاولى في التعليم الجامعي، وقد انتظمت اللبنات في بناء متواصل ومتسع، ولكن تلك الكلية لها أحقية الصدارة والريادة، فقد شهد كاتب هذه السطور في حي العزيزية في مكة المكرمة حدثا تاريخيا تعليميا في سنة (1392ه) ألا وهو مناقشة أول رسالة في المملكة العربية السعودية وكان الحضور في مستوى الحدث، فقد غصت القاعة وما حولها بالحضور، وأشرأب الحاضرون الى كيفية هذه المناقشة، وقد جاءوا من جدة والطائف والرياض، وقد حضر المناقشة معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله، وكان ذلك اليوم يوماً مشهوداً في تاريخ الكلية ، واذا كان الملك عبدالعزيز قد انشأ هذه الكلية واهتم بطلبتها فان ابناءه قد جعلوا هذا الاهتام متصلا، فالملك فيصل رحمه الله عرف لهذه الكلية حقها، والأمير نايف شرف احتفال الكلية بحضوره، فقد اكملت الكلية خمسين عاما منذ انشائها الى يومنا هذا، فنصف قرن مضى في خدمة العلم وبناء العقول جدير ان يحتفل به، والاحتفال انما هو مظهر من مظاهر الشكر لله عز وجل، الذي انعم على هذه البلاد بنعمة الامن، التي هي السبيل الى طلب العلم ونشره، فبدون الامن لا يحصل الطالب على العلم الذي اساسه الاطمئنان، واذا كنا نحتفل في هذا العام بمئوية التأسيس فإن الاحتفال بخمسينية العلم رديف لمئوية التأسيس فقد أسست هذه البلاد على تقوى الله واحترام شرعه وتنفيذ حدوده، وكلية الشريعة انشئت من أجل ذلك، فآتت ثمارها ولله الحمد والمنة.
ان اهتمام الدولة بهذه الكلية، المتمثل في حضور الامير نايف هذه المناسبة انما هو تأكيد لرعاية الدولة للجامعات، لقد اراد صاحب السمو الملكي الأمير نايف ان يلفت النظر الى ان الامن في البلاد مرتبط بالشريعة، ومن هذا المنطلق قبل الدكتوراه الفخرية، وفي كلمته الضافية في الحفل توجيه سام الى رجال الجامعات بمضاعفة الجهد في توجيه الطلاب، وتوجيه المناهج الى خدمة البلاد وابنائها.
حفظ الله أمن هذه البلاد، حتى يستمر التعليم في الوصول الى اهدافه المنوط بها رقي البلاد، ووصولها إلى الصفوف الأولى بين دول العالم
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل