Tuesday 18th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 3 صفر


وقولوا للناس حسنا

تقام ندوات في بعض الجهات سواء كانت على مستوى الافراد او المؤسسات، تتميز بالحضور المكثف لعدد من المثقفين والمتخصصين، وتطرح فيها بعض المواضيع والقضايا ذات الصلة المباشرة بمعتقداتنا الاسلامية والاجتماعية، وطرح هذا الموضوع او ذاك يثير التحمس لدى بعض المثقفين، وينتج عن هذا التحمس والاستعداد المتوثب رد او دفاع لا يخلو من غلظة او شدة في موضوع يثير المتحمس ويرى طرحه يصطدم بأمور لا يتقبل رأي الآخر فيها، وهذا شيء طيب ما دام ان هذه الآراء والاتجاهات تسيىء الى معتقداتنا وعاداتنا الاجتماعية التي نفخر بالمحافظة عليها والدفاع عنها، غير أننا ينبغي ان نحمل طرح مثل هذه المواضيع على المحمل الحسن ونترك الفرصة لهذه الآراء تأخذ طريقها الى الظهور، فاذا ما تبين فيها سوء المقصد وخبث النية فعلينا ان نستخدم مالدينا من قوة بيان ووضوح حجة لدحضهما وتوضيح ما يترتب عليها من اضرار او هدم لجوانب معينة، ونعترف انها ربما تطرح نتيجة لما يسيطر على صاحبها من ثقافات وآراء ينبغي ان نتقبلها بصدر رحب ونفسح المجال لابرازها حتى نتبين سلامة النية او سوء المقصد، فاذا تبين لنا ذلك استطعنا ان ننصح الضال ونقترب منه لنظفر بثقته في الناصح، او على الاقل نعلم ما يعتلج في نفسه من افكار وما يسيطر عليه من ثقافات نحذر او ننصح العامة من التأثر بها ، وبذلك نظفر الحسنيين؛ معرفة هذا المثقف على حقيقته؛ ومد جسور الصلة بيننا وبينه لعل الله ينور بصيرته وننجح من خلال هذه الندوات او الاجتماعات في رده الى الطريق الصحيح.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، حينما عرض عليه ملك الجبال في قصة معاملة اهل الطائف له ان يطبق عليهم الأخشبين، وهما الجبلان المرتفعان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا) (رواه الشيخان).
ولا يقف الاسلام في دعوته موقف المنتقم او المنتصر للنفس، بل يقف موقف العافي والمتسامح، قال تعالى: (وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فان الله غفور رحيم) (التغابن الآية 14)، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش يوم فتح مكة (ما تظنون اني فاعل بكم)، فقالوا (أخ كريم وابن اخ كريم)، وما قالوا هذه الجملة الا لما يعرفونه حق المعرفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تسامح وعفو وحسن معاملة، ولذلك قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
ويحضرني في سياق هذا المعنى موقف الرجل الذي دخل على هارون الرشيد فقال له بصوت غليظ:
(اسمع ياهارون الرشيد) وكررها مرات,,.
(انني مغلظ فيك القول)، فقال هارون الرشيد بعد ان استقبله بوجه باش وصدر مفتوح (هات ما عندك,, فلا أنا بأسوأ من فرعون,, ولا انت بأفضل من موسى حينما امر الله موسى وهارون ان يقولا لفرعون قولا لينا).
قال تعالى (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى) (طه الآية 44) ، وعلى الرغم من الطغيان والجبروت والكبرياء التي اتصف بها فرعون الا ان الله عز وجل امر موسى وهارون ان يدعواه باللين والرفق، وهذه ينبغي ان تكون القاعدة والمنطلق الذي يحكم تصرفاتنا مع الآخرين.
والقول الحسن المبني على العقل والمتصف بالحكمة هو الاساس الذي يجب ان ننطلق منه في حوارنا مع الآخرين قال تعالى (وقولوا للناس حسنا) البقرة آية 83) وقال (وجادلهم بالتي هي أحسن) (النحل آية 125).
وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالناقة الصعبة فاذا ما ابتدرتها بالضرب والشدة فسوف تهرب، ولا تعد اليك مرة اخرى، واذا حاولت الاستيلاء عليها بالرفق وتقديم الطعام لها اولا حتى تظفر بميلها واطمئنانها اليك اتتك منقادة وسهل الاستيلاء عليها.
ويحضرني في هذا المقال ان اذكر مع الفارق قصة زعيمين غربيين التقيا في ممر ضيق، وكانا على جانب كبير من العداوة والاختلاف ، احدهما ضخم الجثة طويل القامة والآخر ضئيلها قصير الجسم، وكان الطريق لايتسع ليعبر الاثنان معا، فنفخ الضخم صدره وفتح يديه وعرض منكبيه وقال: (لن اترك للاوغاد ان يعبروا)، فقال النحيل بعد ان الصق ظهره على الجدار (أما أنا فسوف اترك للاوغاد ان يمروا)، فمر ضخم الجثة وهو يعرف ما يعني هذا الرجل وخجل من الموقف.
فعلينا نحن المسلمين الا نضيق صدرا بالجدال والمناقشة الهادئة البعيدة كل البعد عن الانفعال والنزول في المزايدة الكلامية الى حد لا يليق بالداعية المسلم.
وما أظن الداعية في حاجة اكثر من حاجته الى معرفة ان الامام ابا حنيفة وقف عند باب المسجد بعد صلاة العشاء يجادل رجلا حتى طلع عليه الفجر، وهو لم يضق صدرا ولم يتبرم من هذه المجادلة التي قوامها الدعوة الى الله على بصيرة.
والله الموفق وهو الهادي الى سواء السبيل,
عبدالرحمن بن سالم الخلف

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved